تشهد ليبيا أزمات معيشية جمة، على خلفية الاضطرابات الأمنية وتدهور الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة ونقص الإمدادات الغذائية، وتأخر صرف رواتب العاملين، في الوقت الذي تعيش فيه البلاد حالة من عدم الاستقرار والانفلات الأمني.

دوافع الأزمات الإقتصادية 

يرجع مراقبون محليون ودوليون السبب الرئيسي في الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها ليبيا منذ أعوام، إلى انقسام المؤسسات السيادية في البلاد من بينها البنك المركزي بين إدارتين غربية في طرابلس وشرقية في البيضاء، وقد أعلن في وقت سابق  المصرف المركزي بطرابلس، عن وضع الإطار العملي لإجراءات الإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها من خلال ثلاثة مسارات، يشمل المسار الأول معالجة سعر صرف الدينار الليبي من خلال فرض رسوم على مبيعات النقد الأجنبي، أما المسار الثاني للإطار العملي لإجراء الإصلاحات الاقتصادية سيكون معالجة ملف الدعم، والمسار الثالث آلية التعويض للتخفيف من انعكاسات وآثار قرارات الإصلاح الاقتصادي على معيشة المواطنين، إلا أن هذه المسارات لم تتحقق على أرض الواقع.

وقد كشف تقرير متخصص بالدراسات الاقتصادية عن مؤشر تكلفة المعيشة في دول العالم أن معدل المعيشة في ليبيا متوسط مقارنات ببلدان أخرى أكثر رفاهية، حيث أوضح مؤشر «ناميبو» في دراسة شملت 121 دولة للعام 2017 أن ليبيا حققت مؤشرًا بلغ 48بالمائة.

ويعتمد المؤشر في دراسته على قياس تكلفة المعيشة بناءً على أسعار المواد الاستهلاكية وبدلات الإيجار والمطاعم والقدرة الشرائية المحلية، ويُقارنها بمدينة نيويورك، فعلى سبيل المثال مؤشر التكلفة في ليبيا 48%، وهو ما يعني أنها أرخص بنسبة 52% من نيويورك، ووفقًا للمؤشر السابق فإن ليبيا التي تمر بأزمات اقتصادية وحروب، باتت في مؤشر تكلفة المعيشة للعام الجاري قريبة من عواصم عالمية أكثر استقرارًا، كمدن «بكين»، وبراغ، وريودي جانيرو.

وذكر المؤشر أن تكلفة المعيشة في ليبيا تمثل أعلى عن نظيرتها في مصر بنسبة 109%، دون حساب إيجار المساكن، فيما يمثل متوسط السكن في المدن الليبية أعلى عن مصر بحوالي 271%.

الليبيون والآمن الغذائي

منظمة آكَبس العالمية قالت في تقرير لها، إن التأثير السلبي للصراع المسلح على الاقتصاد الليبي سيستمر والضرر الأكبر سيظهر على الأعمال التجارية وعمليات  شراء وتوزيع المواد الغذائيه داخل الدوله، وأن ابرز المشاكل ستكون نقص السيولة وارتفاع أسعار المواد الغذائية والغير غذائية، وأن سُبل عيش المواطنيين ستزدادا صعوبة خصوصاً مع توقعات زياده انخفاض قيمة الدينار الليبي بالسوق السوداء، إضافة إلى أن الأسوء ان التقرير اشار الى ان تدهور الظروف المعيشية ومحدودية الموارد سوف يقود عدد أكبر من الناس الي احتراف تهريب المهاجرين والبضائع وسيؤدي الى ارتفاع معدلات الجريمة.

أزمة الوقود

من الأزمات الكبرى التي كبدت ليبيا خسائر فادحة هي أزمة تهريب الوقود، ومؤخرا، أصدر مكتب النائب العام أوامر بالقبض على مهربي الوقود والمحروقات، وتم تعميم القرار وتمريره بكافة المنافذ البحرية والجوية لإيقاف هؤلاء الأشخاص وجلبهم إلى النيابة العامة.

وكانت وسائل إعلام محلية ليبية تداولت قوائم بأسماء 144 مهرباً أصدر النائب العام أوامر بالقبض عليهم على خلفية تورطهم في تهريب المحروقات، ينتمي أغلبهم لمدن الزاوية وصرمان وصبراتة وزوارة الواقعة غرب العاصمة طرابلس، وقدد كشف رئيس مكتب التحقيقات بمكتب النائب العام بطرابلس الصديق الصور” النقاب عن وجود أكثر من 300 متورط في عمليات تهريب وشبه فساد بالمال العام، مشيراً، خلال تصريح صحافي، إلى أن بعضهم تم القبض عليه وحُول للتحقيق.

 سلامة يحاور شباب ليبيا

طالب الممثل للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، الشباب الليبي بالعمل في سبيل التوصل إلى دولة موحدة عادلة وقادرة على الخروج من الواقع الحاضر نحو مستقبل أفضل مزدهر.


وقال «سلامة» في كلمة مسجلة تابعتها صحيفة «المتوسط» وبثتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، بمناسبة اليوم الدولي للشباب، إنه "منذ عام وأنا في ضيافة الشعب الليبي، وأسمع من الشباب وأري بأعينهم أملا بالمستقبل، ونفاد صبر حول الحاضر".

لافتًا إلى أن "الشباب الليبي محق بنفاد صبره، في ظل الحاجة الماسة إلى مشرع يشرّع، لاسيما بحالة ضعف الخدمات المقدمة، وانقطاع الكهرباء، ووجود قضايا بلا حل، ومشاكل مست الجميع، والشباب بشكل خاص"، مضيفا"يتطلب ليس فقط التمسك بالأمل، بل يجب الضغط على الممسكين بمقدرات السلطة، لكي يستعجلوا الحل فيقوم المشرع بالتشريع، والمنفذ بالتنفيذ، والمسؤول عن الخدمات يقدمها كما يجب".

وأضاف «سلامة» أن ليبيا حباها الله بما يكفيها من المقدرات، وبالتالي يجب التوصل إلى تفاهم حقيقي، فإن التأخر بذلك يضر بليبيا ويسيء للشباب، مشددا في ختام كلمته على أن استعجال الشباب، ومناداتهم بالتوصل الى دولة قانون موحدة قادرة وعادلة، هو حق مشروع، داعيًا إياهم بالتعبير عن ذلك، كما شدد على أن الأمم المتحدة ستقف إلى جانبهم.

تحركات دولية بلا نجاعة

في 5 يونيو الماضي، احتضنت العاصمة التونسية الاجتماع الاقتصادي حول ليبيا، بحضور نائبي رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق وفتحي المجبري ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، وممثلين عن دول أوروبية ومؤسسات مالية وبرعاية السفارة الأمريكية لدى ليبيا، من أجل تحسين الوضع الاقتصادي المتدني في ليبيا الذي أنهك المواطنين وألقى بضلاله على حياتهم المعيشية في ظل الأزمة السياسية والانقسام المؤسسي الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، بسبب الصراع بين الفرقاء الليبيين في شرق البلاد وغربها.

واتفق المشاركون في اجتماع تونس، على حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، تتضمن زيادة مخصصات الأسر السنوية من الصرف الأجنبي من 500 دولار إلى ألف دولار، وإعادة تفعيل قرار دفع علاوة الأسرة والأبناء، ورفع الدعم عن المحروقات، وتغيير سعر الصرف الأجنبي المتاح للاستيراد والعلاج والذي سيكون متاحا للجميع.

وفى 1 أغسطس الجاري، اتفق رئيس المجلس فائز السراج، خلال اجتماعه مع نائبه أحمد معيتيق، ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، ووزير التخطيط المفوض طاهر الجهمي، على الخطوات التنفيذية لبرنامج الاصلاح الاقتصادي الذي يشمل حزمة من الإجراءات، حيث عقد اجتماع  لبحث الإطار النهائي لبرنامج الاصلاح الاقتصادي في البلاد، على استكمال استعدادات المجلس الرئاسي لوضع الخطوات المتفق عليها موضع التنفيذ، من جانبه، أكد الصديق الكبير خلال الاجتماع، جاهزية المصرف والقطاع المصرفي لتنفيذ تلك الإجراءات ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، وقد تدارس الحاضرين في الاجتماع الآثار المترتبة على تنفيذ هذا البرنامج الذي سيعتمد خلال الفترة القريبة القادمة، إلا أنه على أرض الواقع لم يتم تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.