تصاعدت الانقسامات في ليبيا بين الأطراف الداخلية، بعد الخطوة الأخيرة للبرلمان بشأن اختيار رئيس حكومة جديد بدلاً من عبد الحميد الدبيبة.
أثارت خطوة البرلمان الليبي بشأن اختياره رئيس حكومة جديد، مخاوفَ من عودة ليبيا إلى الوضع الذي كانت عليه قبل تثبيت حكومة الوحدة الوطنية، بحيث كانت هناك حكومتان متصارعتان، تتطلع كلّ منهما إلى السيطرة على الحكم.
وتأتي هذه الخطوة، في وقت تشهد العاصمة طرابلس، خلال الأسابيع الماضية، تعزيز الوجود المسلح من عناصر ومعدات، على نحو يزيد في المخاوف من أزمة سياسية قد تطلق شرارة الاقتتال.
ولم تمر ساعات على إعلان محاولة اغتيال رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة يوم الخميس ( 10فبراير 2022)، حتى اختار مجلس النواب الليبي وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا ليكون بديلاً للدبيبة الذي سبق وأعلن رفض محاولة البرلمان إزاحته.
وفي حين يعتبر مجلس النواب حكومة الدبيبة "منتهية الولاية" بسبب إرجاء الانتخابات، يقول الدبيبة إن حكومته لن تسلم السلطة إلا بعد إجراء انتخابات عامة. لكن الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر رحبت بقرار تسمية باشاغا رئيساً للوزراء.
ومن شأن تجدد الخلافات بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة من جهة، ومجلس النواب والجيش الليبي من جهة أخرى، أن يعيد ليبيا إلى دائرة الانقسام ويفاقم الأزمة الدائرة حول السيطرة على السلطة البلاد، ما يزيد من مخاوف تقويض عملية السلام المتعثرة بالفعل.
ونجا رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة من محاولة اغتيال عندما أطلق مجهولون النار على سيارته في طرابلس في الساعات الأولى من صباح الخميس.
وأشارت تقارير صحفية، أن رئيس الوزراء كان عائدا إلى بيته عندما أُطلق الرصاص من سيارة أخرى قبل أن تلوذ بالفرار، وأن الواقعة أحيلت إلى النائب العام للتحقيق.
وجابت سيارات مسلحة ومدرعة وسط طرابلس ومنطقة حي الأندلس عقب تعرض سيارة الدبيبة لإطلاق النار.
وأفادت تقارير بأنه لم يتم إلقاء القبض أو التعرف على منفذي محاولة الاغتيال حيث لاذوا بالفرار.
وحشدت قوى مسلحة مزيدا من المقاتلين والعتاد في العاصمة طرابلس خلال الأسابيع الماضية، مما أثار مخاوف من نشوب قتال بسبب الأزمة السياسية.
وكان الدبيبة قد دعا الليبيين إلى الخروج إلى الساحات والميادين لرفض محاولات مجلسي النواب والدولة تمديد الفترات الانتقالية للبقاء في السلطة، مؤكدا أنه لن يسمح لـ"الطبقة السياسية المهيمنة" منذ سنوات التفرد بالمشهد والعبث بالبلاد، مؤكداً أن حكومته لن تتراجع عن دورها حتى تحقيق الانتخابات.
في نفس السياق،لازال ملف المرتزقة الأجانب في البلاد يراوح مكانه و هو ما يمثّل حجر عثرة حقيقي أمام أي إمكانية للاستقرار السياسي حيث أفاد تقرير أعده خبراء في الأمم المتحدة أن عدد الانتهاكات المسجّلة هذا العام لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا تراجع بالمقارنة مع العام الماضي، لكن "استمرار وجود" مرتزقة تشاديين وسودانيين وسوريين وروس "ما زال يمثل تهديداً خطيراً" للوضع في هذا البلد.
ووفقاً للتقرير  الذي تسلمه أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر مؤخراً، ، فإن "الوتيرة المكثّفة لإرسال" شحنات السلاح المحظورة إلى ليبيا تراجعت لكن "حظر السلاح يظل غير فعال بتاتاً".
وأعرب التقرير عن أسفه لأنّه على الرغم من مطالبتهم العلنية بانسحاب المرتزقة من بلدهم فإن "أطراف النزاع ما زالوا يحتفظون بمقاتلين أجانب في صفوف قواتهم، لا سيما برعايا من تشاد والسودان وسوريا وبأفراد شركات عسكرية روسية خاصة".
وشدّد التقرير على أن "اللجنة ليس لديها دليل على حدوث انسحابات واسعة النطاق حتى الآن" لهؤلاء المرتزقة.
وبحسب الخبراء فإن المقاتلين السوريين الذين يدعمون القوات التركية التي تدافع عن طرابلس في مواجهة الجيش الليبي يتقاضون رواتب تتراوح قيمتها بين 800 و 2000 دولار شهرياً.
وبينما لا تتواجد إحصائيات دقيقة لأعدادهم إلا أن مصادر تقول إنهم لا يتجاوزون 10 آلاف مقاتل.
ويكمن التحدي في إبعاد هؤلاء على وجه الخصوص، بإيجاد مقاربة وتسوية سياسية، مع أنظمتهم في الساحل الإفريقي التي ترفض استقبالهم.
لكن المحادثات التي أجرتها مؤخرا اللجنة العسكرية 5+5، قادت إلى قبول دول الجوار الليبي باستعادة مواطنيها المرتزقة العائدين من ليبيا.
كما أن الخطة التي أكملتها اللجنة العسكرية في جنيف، تنص على البدء بسحب القوات الأجنبية إلى نقاط متفق عليها، ثم العمل مع مراقبين دوليين ومحليين، لتنفيذ الإخلاء بشكل تدريجي.
وبعدها الشروع في عملية رصد الأعداد الحقيقية للقوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا وتوثيقها، وأخيرا ترحيل المرتزقة من ليبيا على شكل دفعات متتالية، وفق خارطة زمنية محددة.
في ذات الصدد،تماشيًا مع الوضع السياسي الهش وجدت داعش أرضية مناسبة للعودة و التمركز من جديد في الأراضي الليبية حيث حذرت مصادر عسكرية ليبية من عودة تنظيم داعش الإرهابي للتموضع في عدد من مدن الجنوب الليبي، في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها بعض الدول التي ترتبط بحدود من جنوب ليبيا، مؤكدة ضرورة تضافر الجهود المشتركة كافة، لمواجهة أي محاولة من عناصر التنظيم المتطرف لإحياء مشروعه الإرهابي في المنطقة.
وأعرب مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، عن مخاوفه من نشاط مستمر وانتشار سريع لتنظيم داعش الإرهابي في مناطق من بينها ليبيا والعراق وسوريا.
وبحسب وكالة أنباء الصين "شينخوا" فقد دعا مندوبها لدى الأمم المتحدة، المجتمع الدولي إلى إيلاء اهتمام كبير للتهديدات الإرهابية التي يتعرض لها السلام والأمن الدوليان.
وأكد أن تنظيم داعش الإرهابي ينتشر بوتيرة أسرع في أجزاء كثيرة من إفريقيا من بينها ليبيا، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي يجب عليه مساعدة الدول الإفريقية بقوة لتعزيز بناء القدرة على مكافحة الارهاب والتطرف.
إلى ذلك،يرى مراقبون أن  الفوضى السياسية في البلاد وغياب الأمن وحظر التسليح كلها عوامل جعلت من الأرض الليبية تربة خصبة لكل الأعمال غير المشروعة، من تمركز للإرهابيين وتجار البشر والأسلحة والمخدرات.
قصارى القول،من غير المستبعد أن تؤدي الإطاحة بالدبيبة إلى إشعال حرب أخرى، وإنهاء وقف إطلاق النار المستمر منذ أكتوبر 2020، فهناك اللجنة العسكرية الليبية، المعروفة باسم لجنة 5 + 5، المكونة من عدد متساوٍ من الضباط العسكريين الذين يمثلون المنطقتين الشرقية والغربية من البلاد، تجتمع بانتظام للحفاظ على وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، واللجنة مكلفة أيضًا بترتيبات خروج جميع المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية وهذا هو النجاح الحقيقي الوحيد حتى الآن في الصراع الذي دام عقدًا من الزمان.