يشهد الوضع في ليبيا إلى حدّ كبير تغيرًا مستمرًا حيث تتحول البلاد أكثر فأكثر إلى ثقب أسود في شمال إفريقيا، وإلى قلعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" والجماعات الإسلامية المتطرفة الأخرى. كما أنها منفذ المهاجرين إلى أوروبا. ومن دون شكِّ أنَّ ليبيا باتت تعاني اليوم من انقسام عميق وأنَّ الوضع المضطرب باستمرار في ليبيا يتحوَّل على نحو متزايد إلى مشكلة إقليمية. وعلى الرغم من تزايد القلق من تمدد تنظيم الدولة الإسلامية يقول مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة وحلفاءها ربما أمامهم أسابيع كثيرة أو حتى أشهر قبل شن حملة عسكرية جديدة ضد التنظيم في ليبيا.

ومن أجل تجنُّب السيناريو الأسوأ،تعقد تقريبًا جميع الدول أملها على التوصُّل إلى حلّ عن طريق المفاوضات،وقال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر الأسبوع الماضي إن تركيز المجتمع الدولي على ليبيا له طابع سياسي وليس عسكري.وكان أعضاء من البرلمان الليبي المعترف به دوليا وأعضاء في البرلمان الموازي غير المعترف به وقعوا يوم 17 ديسمبر الماضي اتفاقًا بإشراف الأمم المتحدة في المغرب نص على تشكيل حكومة وفاق وطني توحد السلطات المتنازعة في هذا البلد الغني بالنفط.وأقال المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، الثلاثاء الماضي 10 من أعضائه على خلفية توقيعهم في ديسمبر على اتفاق السلام.ويحظى الاتفاق بدعم المجتمع الدولي، لكنه يلقى معارضة في صفوف الطرفين، لا سيما من سلطات طرابلس.

وقدم السراج في 19 من يناير الماضي، تشكيلة حكومية تضم 32 حقيبة وزارية إلى البرلمان المعترف به، لكنها فشلت في الحصول على ثقة المجلس النيابي الذي أمهل السراج فترة 10 أيام لتقديم تشكيلة حكومية أصغر.وبعد مرور العشرة أيام المتفق عليها،انتهى فايز السراج رئيس حكومة الوفاق، من تشكيل حكومة إنقاذ ليبية مصغرة تتكون من 12 وزيرًا، على أن يتم الإعلان عن الحقائب والوزراء المكلفين في غضون ثلاثة أيام.ومن المحتمل أن تكون الحكومة الحالية حكومة نهائية في ظل ضغوط غربية على الأطراف الليبية المختلفة بضرورة الاتفاق ووقف خلافاتها في أقرب وقت في انتظار مرحلة قادمة ستكون صعبة وتتميز خاصة برغبة غربية في التدخل ضد تنظيم داعش.ويسعى كوبلر للتفاهم مع فجر ليبيا وغيرها من المجموعات المسلحة والتي تسيطر على العاصمة طرابلس لضمان دخول الحكومة الجديدة العاصمة والعمل منها في حماية قوات أمن نظامية.

على صعيد آخر أعرب كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي عن استعدادهما لبذل جهود أكبر لدعم حكومة وفاق وطني في ليبيا؛ حيث يتزايد التهديد الجهادي، بحسب مسئولين أوروبيين مجتمعين في أمستردام الجمعة.وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قدرت الخميس 4 فبراير 2016 أن عدد الجهاديين تضاعف نتيجة الفوضى في ليبيا؛ حيث يقارب 5 آلاف شخص، بينما يتراجع هذا العدد في سوريا والعراق بين 19 إلى 25 ألفا حاليًا. وذكرت وزيرة الدفاع الألمانية فون دير ليين أن مقاتلي تنظيم داعش تمركزوا في سرت التي تبعد 450 كلم شرق طرابلس، قائلة، إن ذلك يزيد الضغوط من أجل تشكيل حكومة وفاق وطني يمكنها أن تحدد للأسرة الدولية بوضوح ماهية المساعدة التي تحتاج اليها.وكان الاتحاد الأوروبي أعرب منذ ربيع 2015 عن استعداده مساعدة حكومة وفاق وطني على فرض سلطتها على كل الأراضي الليبية من خلال تقديم رزمة مساعدات بقيمة 100 مليون يورو.

واستبعدت مفوضة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية فيديركا موغيريني، أي تدخل عسكري يسبق الاتفاق السياسي في ليبيا، مشددة على حاجة البلاد إلى حكومة وحدة وطنية للحصول على أفضل فرصة لمحاربة الإرهاب. وقالت موغيريني عقب اجتماع لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي أن أفضل شرط لمحاربة داعش في ليبيا يتمثل في تشكيل حكومة الوفاق الوطني، والعمل معها في إطار شراكة لمحاربة التنظيم وهزيمته. وكان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ قد اعلن الجمعة أن حلف الناتو على استعداد لدعم محاربة تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا، ولكن فقط بعد تشكيل حكومة وفاق وطني حسب قوله.من جانبها جّددت الجزائر رفضها أي تحرّك عسكري في ليبيا وأعلنت تمسكها بحل سياسي في هذا البلد. ودعت الجزائر الفرقاء الليبيين لتحمل مسؤوليتهم التاريخية لاستكمال الحل السياسي٬ في إطار المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة٬ من أجل إعادة السلم والأمن والاستقرار بشكل نهائي.

وعلى الرغم من الاستعدادات لضربة متوقعة ضد "داعش ليبيا"، يجري الإعداد لها استخباراتيًّا، فإن قادة الغرب يبقون التدخل رهينة لموافقة حكومة الوفاق الوطني، التي لا تزال متعثرة حتى اللحظة.

ويرى خبراء إنه من الصعب التدخل عسكريا في دولة مثل ليبيا وسوريا والعراق، التي يُنظر لها كدولة فاشلة حيث مؤسسات الدولة لا تعمل ولا توجد حكومة مركزية قادرة على فرض إرادة الشعب ديمقراطيًّا أو حتى فرض مطالبها الخاصة بالسلطة على كامل البلاد.وتزايدت وتيرة الأنباء التي تتحدث عن وصول قوات برية أميركية وبريطانية وفرنسية إلى ليبيا في 23 يناير الماضي، للقضاء على خطر الدولة الإسلامية المتفاقم هناك، وتصاعدت المخاوف من سيطرة مقاتلي هذه الدولة، على الهلال النفطي الليبي، بعد أن شنت هجمات انطلاقا من مقرها الجديد في محافظة سرت على العديد من المدن والمنشآت النفطية في راس لانوف والريقة وزويتينة وغيرها. وتداولت الصحف أنباء عن زيارات عسكرية أميركية للأراضي الليبية تمهيدا لتدخل دولي عسكري وشيك على الأراضي الليبية.وتعترض دول، مثل تونس التي تعرضت في أكثر من مناسبة لعمليات إرهابية أكدت مجمل التقارير أن الأسلحة التي تم اعتمادها فيها تم تسريبها من الحدود الليبية وتخشى أن يفاقم هذا التدخل هذه المخاطر، كما تعترض الجزائر على هذا التدخل خوفا على ضرب استقرارها نظرا للقرب الجغرافي مع ليبيا.

ويرجح مراقبون أن التدخل الغربي في ليبيا بحجة مواجهة "داعش" سيحدث؛ خاصة أن ليبيا ما زالت بوابة لعشرات الألوف من المهاجرين الراغبين في ‏الوصول إلى أوروبا، لكن الغرب يريد موافقة حكومة الوفاق،ويرى المراقبون أن فرص نجاح هذه الحكومة ضعيفة ما لم تمارس القوى الغربية ضغوطًا على الأطراف المتنازعة.