ما تزال الأوضاع الأمنية تراوح مكانها، في العاصمة الليبية طرابلس،التي تعيش على وقع الفوضى المتجددة، في ظل غياب مؤسسات الدولة أو حكومة تقوم بدورها في تأمين المدينة،وهو ما يشكل خطراً على حياة المواطنين الذين يتعرضون لشتى أنواع المخاطر جراء العنف المستشري ناهيك عن أوضاع معيشية تزداد سوءا.

ومنذ أسابيع،تعيش طرابلس في دوامة عنف مستمرة،فلاتكاد الأوضاع تهدأ حتي تعود الإشتباكات من جديد حيث يشتد الصراع بين الميليشيات من أجل الفوز بأكبر قدر ممكن من النفوذ والسلطة في وقت يتوصل فيه العجز الحكومي عن وضع حد لسيطرة المسلحين وإنهاء معاناة المدينة.


** إشتباكات متجددة

إلى ذلك،شهدت منطقة النجيلة بورشفانة، جنوب غربي العاصمة، منذ صباح الجمعة 28 سبتمبر/أيلول 2018، اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة بين مجموعات مسلحة.

وأوضح مصدر مطلع من منطقة ورشفانة، في تصريح خاص لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"، أن الاشتباكات تدور بين قوات وكتائب تابعة للجويلي (آمر المنطقة العسكرية الغربية التابعة لحكومة الوفاق)، وأخرى تابعة لكتائب من طرابلس، مشيرا إلى أن الاشتباكات تهدف إلى السيطرة على محيط العاصمة طرابلس ودعم القوات الموالية لها، مثلما حدث في 2017، وذلك بحسب تعبير المصدر.

ومن جهته،طالب رئيس المجلس الأعلى ورشفانة المبروك بوعميد، في تصريح خاص لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"، جميع الأطراف المتصارعة في ورشفانة بوقف القتال فورا من أجل الحفاظ على أرواح المواطنين.

وقال بوعميد "إن ما يحصل في ورشفانة هو استمرار للعبث بحياة الأبرياء، وهو استمرار لما قام به المجلس العسكري الزنتان بورشفانة سنة 2017 بحجة محاربة الجريمة، وبعد أن ظهرت الحقيقة للجميع بأن الهدف هو السيطرة على العاصمة طرابلس وأحكام القبضة على المراكز الحيوية وصنع القرار، وما يحدث اليوم من قتال من المجموعات التابعة للأطراف التي تتصارع على طرابلس لا علاقة لقبيلة ورشفانة به ولا تملك أمر الأطراف المتقاتلة بالرغم أن الحرب داخل ورشفانة".

وحمل بوعميد، "المسؤولية القانونية والأدبية للجهات الرسمية لما يتعرض له الأبرياء من تهجير وقتل"،وأضاف،"ونحمل المسؤولية للأطراف المتقاتلة لما يحدث ونطالبهم بوقف القتال من أجل الحفاظ على أرواح المواطنين، كما ندعوا مديرية الأمن للاضطلاع بمسؤولياتها وحفظ الأمن".

وأعلنت الشركة العامة للكهرباء عن اصابة معظم خطوط الطاقة التي تربط بين منطقة طرابلس والزاوية نتيجة الاشتباكات المسلحة التي تشهدها منطقة الجفارة.وأوضحت الشركة في بيان لها مساء الجمعة،أن هذا الأمر قد يترتب عليه حدوث اظلام تام في المنطقة الغربية من جنوب طرابلس الى الزاوية.


** تنديد وتحذير

وأعربت المنظمة العربية لحقوق الإنسان بليبيا،يبيان له، عن استنكارها لاندلاع اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة بمنطقة النجيلة بورشفانة.مؤكدة على إدانتها للأطراف التي أشعلت مجدداً القتال في أحياء المحيط الغربي للعاصمة طرابلس، داعية لوقف فوري لإطلاق النار، مع الدعوة للالتزام بتعليمات المؤسسات ذات الشرعية، وأهمية اتخاذ التدابير لمحاسبة منتهكي القانون الدولي الإنساني، وضمان منع إفلاتهم من العقاب.

وقالت المنظمة في بيانها، "إنها في الوقت الذي تقدر فيه المنظمة جهود المبعوث الأممي غسان سلامة, بشأن تعيين مقرر دولي خاص لحقوق الإنسان بليبيا، فإنها تتطلع لجهود أكثر دقة وإتقان من قبل الأطراف الدولية والإقليمية لدعم جهود المبعوث الأممي وبجدية وإخلاص، والتوقف عن العبث بمصير المدنيين"، مؤكدة على ضرورة تفعيل دور المحكمة الجنائية الدولية في الملف الليبي وبصورة غير انتقائية.

ويخشى الكثيرون من تسارع حدة التوتر جراء التصعيد المتواصل،وفي هذا السياق،حذرت رابطة شباب الأشراف والمرابطين علي مستوي الوطن،من حاله الإحتقان رغم الأتفاق الهش،مشيرة إلى أنها  تابعت وتتابع وترقب أحداث طرابلس بنظرة فاحصة ومسؤولة. 

ودعا  المنسق العام لرابطه شباب قبائل الأشرف والمرابطين "يوسف بوالعمدة الحبوني"،كافة الأطراف المتناحرة والمتحفزة للتناحر بأن تكف أذاها علي أهل طرابلس عاصمة الوطن.وطالب الحبوني في تصريح خاص لبوابة أفريقيا الإخبارية، كل المليشيات أن تسلم أسلحتها لتفسح الطريق لدخول الجيش والشرطة لطرابلس لحقن دماء المواطنين في طرابلس وما حولها.مؤكدًا أن الحل النهائي للمشكلة الليبية هو التصالح وإستلام الجيش للمبادرة تحقيقًا للأمن وضمان الأنتخابات في ظروف آمنة. 


** وضع صعب

وتزامنت هذه الأحداث مع دعوة قوى ثقافية لمظاهرة،السبت 29 سبتمبر/ايلول،في طرابلس، تنديداً بما سموه "الفوضى والفساد والتلاعب السياسي من الأجهزة التنفيذية في البلاد"؛ حيث طالب "حراك كتاب وأدباء ومثقفي ليبيا"، جميع الليبيين بالاحتشاد بمحيط "قوس ماركوس" بالمدينة القديمة في طرابلس، قبيل الانطلاق في مظاهرة إلى ميدان الشهداء، للاحتجاج على الأوضاع المعيشية المتردية في البلاد.

وقال الحراك في بيان له،إن مظاهرتهم تأتي احتجاجا على الاوضاع المعيشية المتردية واحتجاجا على العبث والفوضى والفساد والتلاعب السياسي من الاجسام السياسية والتنفيذية الذي أوصل ليبيا الى حالة مأزومة من الاحتضار.

وسبق أن خرجت مسيرات في العاصمة للتنديد بالأوضاع المعيشية الصعبة من زيادات حادة في أسعار السلع الأساسية وتواصل أزمة السيولة في البنوك،ناهيك عن تدني الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين، والانقطاع المتواصل للكهرباء لساعات طويلة،وهو ما يثقل كاهل المواطن الذي يجد نفسه علاوة على ذلك في خطر دائم جراء الصراع بين الميليشيات المسلحة التي تتسبب إنتهاكاتها المتواصلة في سفك المزيد من دماء الليبيين.

وشهدت العاصمة الليبية،اشتباكات هي الأعنف منذ نحو 7 سنوات بين عدد من المليشيات،إمتدت من 26 أغسطس/آب الماضي، حتى تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 4 سبتمبر/أيلول الجاري، برعاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، وخرقته المليشيات أكثر من مرة ما أوقع 115 قتيلا و383 مصابا، بحسب آخر إحصائية أعلنتها إدارة شؤون الجرحى التابعة للمستشفى الميداني في العاصمة الليبية.

وفي 25 سبتمبر/أيلول الجاري، اتفقت الميليشيات المسلحة في طرابلس،على وقف إطلاق النار فيما بينها،وقام وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق عبدالسلام عاشور،بالتصديق على الاتفاق الذي أكد على تثبيت وقف إطلاق النار حسب اتفاق الزاوية، وأكد الحاضرون جميعاً على ضرورة الالتزام بعدم التعرض للممتلكات العامة والخاصة،بحسب ما أوضح المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية.

ورحب وزير الخارجية الليبي محمد سيالة، مساء الجمعة،بـ"جهود بعثة الأمم المتحدة بقيادة مبعوث المنظمة الدولية غسان سلامة والتي أتاحت التوصل إلى اتفاق لإطلاق النار" في الآونة الأخيرة لوضع حد لشهر من المعارك الدموية في جنوب طرابلس.وقال سيالة: "ندعو الأطراف المعنيين إلى احترام" هذا الاتفاق، مشدداً على أن "المؤسسات والسلطات القضائية الوطنية والدولية ستُلاحق مرتكبي تلك الهجمات المأساوية.".

وقال سيالة،أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة،إن ليبيا تريد أن تتحول المهمة السياسية التي تؤديها الأمم المتحدة في بلاده إلى "مهمة لدعم الأمن"، من دون أن يُحدد ما إذا كان الأمر يتعلق بنشر قوات أممية لحفظ السلام.

ويخشى العديد من المتابعين للشأن الليبي،من تواصل العنف في العاصمة الليبية خاصة مع إستمرار التشكيك في إمكانية إنجاز الترتيبات الأمنية في طرابلس في القريب العاجل.ويبقى صراع الميليشيات في طرابلس أحد أبرز العراقيل التي تهدد العملية السياسية في ليبيا،خاصة مع تصاعد الشكوك حول خيار الإنتخابات المقررة نهاية العم الجاري.