من أجل إخراج ليبيا من الفوضى، ينصح البعض بإعادة الملكية الدستورية للسنوسيين. رئيس الدبلوماسية محمد عبد العزيز وهو المناصر المخلص لهذا الطرح لايدخر جهدا لإقناع مواطنيه بأهمية الفكرة.

الدبلوماسية لم تعد تكفي.. محمد عبد العزيز ، وزير خارجية دولة ولدت ميتة ، يعبر عن التزامه على طريقته. شعاره استعادة الملكية لإعادة ما يشبه الوحدة ، ووضع حدّ لعجز الطبقة السياسية والفوضى الأمنية. "في الوقت الراهن ليس هناك النضج السياسي الضروري لإقامة مؤسسات وطنية ديمقراطية" يقول لنا عبد العزيز دون مواربة مُقِرا بشكل ضمني بالفشل الذريع للعملية الانتقالية في بلاده. ويخلص للقول "أمام الفوضى التي تعم ليبيا الخيار الوحيد هو عودة الملكية الدستورية".

عبد العزيز الهاديء الحزين الذي تنازل عن رئاسة مجلس الجامعة العربية لنظيره المغربي يشعر كما لوكان مسكونا بمهمة : العمل على العودة إلى المصدر الأصيل. حل جذري لكنه يريده توافقيا . هو مقتنع بذلك ."عقيدة آل السنوسي معتدلة ومؤثرة في شمال افريقيا . هي قوية بما يكفي لمواجهة التشدد الديني الذي يهدد البلد وقادرة على التخفيف أو القضاء على الانقسامات السياسية والإقليمية"

الملكية : فترة زاهية

ما وراء الوزير العاجز، مواطن ومناضل مقتنع كشف خلال القمة العربية الخامسة والعشرين في الكويت بتاريخ 25 مارس أمام الملأ أن طريق الملكية "يمكن أن يعيد الأمن والاستقرار لليبيا". ومنذ شهور يبذل وزير الخارجية جهودا خفية لإقناع المجالس البلدية والقبائل والميليشيات بمحاسن ملكية ترسخت في ذاكرة الكبار كفترة زاهية ولكنها غير معروفة لدى الثوار الشباب الذين أطاحوا بالقذافي. وبعد أن أصبح زعيم هذا التيار الذي يعتقده منقذا ، بلور وزير الخارجية خارطة طريق ويقوم بحملة من أجل تنظيم استفتاء حول عودة الملكية الدستورية.

في مسقط رأسه بلدة الزنتان العربية في جبال الغرب الأمازيغية والتي تأوي اثنتين من الميليشيات الأقوى في المنطقة ، لا يبدو الأعيان غير مبالين بهذا المشروع السياسي. في الشرق ، الحاضنة التقليدية للملكيين الذين جعلوا من بنغازي عاصمتهم يدعم المناضلون الناشطون بشكل عنيد عبد العزيز عندما يدعو إلى إعادة طرح صيغة  معدلة للدستور الأول الذي تم تبنيه في بنغازي في 7 اكتوبر 1951. "أعتقد أن الانتقال إلى الملكية يحظى باهتمام عدد هام من المسؤولين المحليين الذين ملوا من الوضع السياسي والأمني الحالي" يقول الوزير متابعا "ويكفي الإشارة كمثال إلى الاستقرارالديمقراطي للملكيتين في إسبانيا والمغرب".

 وردا على سؤال لـ "جون افريك" حول الموضوع بتاريخ سبتمبر 2011، قال رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفي عبد الجليل بحذر "كل الخيارات مطروحة على الطاولة." ويقول بأسى المناضل من أجل عودة الملكية فتحي سيكتا " لقد كان خطأ أن المجلس الوطني الانتقالي لم يتمكن من استعادة الدستور منذ 2011".

"النظام الجمهوري لا يصلح لليبيا التي تحتاج لضامن معنوي ، آل السنوسي، ولرئيس حكومة صارم  منتخب من الشعب"

ووفق هذا المصدر وهو ابن وزير على عهد الملك ، "الدستور الأكتر ملاءمة هو دستور 1963 الذي أدخل تعديلا يضع حدا للفدارلية وينص على" الوحدة كهدف جديد" كما أعلنها الملك ادريس. كان على خارطة طريق المرحلة الانتقالية التي تبناها المجلس الوطني الانتقالي أن تؤطر صياغة وتمرير دستور جديد يقود إلى تنظيم انتخابات عامة". لم يكن شيء من هذا . بعد ثلاث سنوات ، الأمال في الديمقراطية تتآكل والبلاد تشتعل مهددةَ أكثر من أي وقت مضى من التنظيمات الجهادية ، و"رهينة" وفق تعبير فرنسي لمجموعة متداخلة من المحاورين والقوات المسلحة.

استعادة الملكية عبر استفتاء ؟

إعلان عبد العزيز رحب به بعض السفراء في أوروبا وبعض الأعضاء القدامى في المجلس الوطني الانتقالي . في طرابلس الآراء منقسمة. داخل حزب العدالة والبناء (إخوان مسلمون) ، رد الفعل لالبس فيه : "لا أحد له السلطة الضرورية ، ولا عبد العزيز، للدعوة إلى عودة الملكية. الليبيون يريدون نظاما ديمقراطيا " يقول بنوع من التوبيخ أحد مستشاري رئيس حزب العدالة والبناء محمد صوان ، بينما يتهكم نائب ليبرلي " ليس واقعيا أن نعود ستين عاما إلى الوراء.. البعض يلجأ إلى الماضي بدل أن يبني المستقبل" .

مع ذلك ، إنه خيار يناقش داخل في ليبيا ليس فقط من جانب عبد العزيز. هذه المسألة يجب حلها بشكل ديمقراطي عن طريق استفتاء " يلمح علي زيدان رئيس الحكومة السابق الذي قرر بداية مارس الماضي إعادة الاعتبار للملك الراحل ادريس الذي حكم من الاستقلال عام 1951 حتى 1969 ، تاريخ الانقلاب الذي قاده القذافي وإعادة الجنسية الليبية لعائلته. رمز جديد ينضاف إلى علم مرحلة مابعد القذافي والنشيد الوطني و"مجموعة الستين" التي تتخذ من البيضا مقرا لها ، إلى جانب غيرها من الإشارات إلى الملكية الليبية"

الأمير محمد السنوسي المتكتم كثيرا البالغ من العمر51 عاما الوريث الشرعي للملك ادريس والذي يقيم حاليا في لندن هو من قد يعتلي العرش. وقد تقرب وزير الخارجية من عائلة الملك إدريس كالأمير إدريس السنوسي المثير للجدل والذي القتاه في روما على هامش مؤتمر أصدقاء ليبيا في السادس مارس الماضي. هذا الأخير الذي يقدم نفسه كولي للعهد ينوي لعب دور في هذه الملكية الليبية الستقبلية.

 "جاء عبد العزيز ليقول لي إن الليبيين متعلقون بعائلتي وانهم بحاجة إلي" يتفاخر هذا ادريس المعروف  مهارات التعامل الاجتماعي مع الآخرين في عالم الأعمال أو في الأوساط السياسية والدبلوماسية. "أنا في اتصال دائم مع الجميع  ، مع زعماء القبائل وأتردد على ليبيا كل أسبوع للقائهم . الاستقبال إيجابي في الجهات الكبرى الثلاث، والبرنامج سيكون جاهزا في شهر مايو" كما يقول.

ولكن بالأحرى محمد السنوسي الأمير المتكتم 51 عاما المقيم في لندن هو من قد يتم تنصيبه. وزير الخارجية ربط الاتصال أيضا مع هذا الأخير الذي يقول إنه جاهز للعودة لليبيا بطلب من الشعب فقط لمباشرة سلطة معنوية على حكومة تنتخب ديمقراطيا . هل الليبيون جاهزون لتعليق  آمالهم عليه ؟ هل يمكن للملكية أن تتفتح  في السياق الأمني الراهن وأن تنبعث من رماد 42 عاما من الديكتاتورية؟  المستقبل سيجيب على ذلك.

مراقبون متشككون

بحسب دبلوماسي دولة مجاورة، عودة الملكية تقف أمام طريق مسدود. وبالنسبة لهذا العارف بالملف الليبي ، "آل السنوسي ليست لديهم حقيقة شرعية أو قاعدة محلية بين زعماء القبائل ، وبالتالي فإن هذه الملكية من دون بريستيج لا تشكل حلا ذا مصداقية".

وزارات الخارجية الأجنبية ، ليست أقل تشكيكا بهذا الشأن. وإذا كانت لندن لاتبدي اعتراضها على مشروع كهذا "عودة الاستقرار عبر الملكية" ، فإن دبلوماسيا فرنسيا قال إن باريس لا يميل كثيرا إلى دعم هذه المبادرة. " هذا الحل يأتي متأخرا ويجهل حقيقة أن إقامة نظام ملكي هي أعقد من إقامة نظام جمهوري. سيكون من الصعب جدا الوصول إلى إجماع وإثارة الانخراط الضروري" كما يقول محمد بنحمو رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية.

في بلد بصدد التحول إلى دولة مفلسة، سيكون تنظيم استفتاء من قبيل الإنجاز. لكن الإسلاميين الذين يسيطرون على المؤتمر الوطني العام عازمون فعلا على الوقوف سدا منيعا في وجه أي مشروع لإعادة الملكية الدستورية .