بالرغم من إعلان كل من قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق الموافقة على هدنة إنسانية لمواجهة فايروس كورونا السبت الماضي، فإن الخروقات غلفت المشهد خلال الساعات الماضية مع استمرار الاشتباكات وسط اتهامات للمليشيات بمواصلة التصعيد العسكري وخرق الهدنة المعلنة أملا في استمرار مسلسل الفوضى في البلاد.

الى ذلك،اتهمت وزارة الخارجية بالحكومة الليبية،في بيان لها،الثلاثاء 24 مارس/آذار الجاري، المليشيات المسلحة كعادتها في سلوك اجرامي جديد منافي للقيم والأخلاق والأعراف وفي خرق واضح للقانون الدولي والإنساني بضرب الأهداف المدنية في منطقة قصر بن غشير ومدينة ترهونة الآهلة بالسكان.

وأكدت الخارجية الليبية،أنه فى الوقت الذى يواجه العالم حربا شرسة ضد وباء كورونا القاتل الذي يتطلب تظافر جهود المجتمع الدولي والذي دعا القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية للترحيب بالهدنة ووقف إطلاق النار، إلا أن الميليشيات وحكومة السراج والمرتزقة الأجانب مازالوا يمارسون الانتهاكات والجرائم في تحدي صارخ للمجتمع الدولى بضربهم للأهداف المدنية والمدنيين.


وأدانت وزارة الخارجية الليبية هذه الممارسات داعية البعثة الأممية المعنية بليبيا والمجتمع الدولي لإدانتها وضرورة تفكيك المليشيات وجمع سلاحها للذهاب إلى ليبيا الجديدة دولة القانون والمؤسسات التى لا مكان فيها للفوضى والإرهاب والمليشيات والخارجين عن القانون.وفق ما جاء في البيان.

واتهم اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني، من وصفها بالميليشيات الإرهابية، أمس،"بخرق الهدنة الإنسانية في يومها الثاني، باستهداف منطقة الشرشارة شمال مدينة ترهونة بوابل من صواريخ الجراد"،بينما آمر ميليشيا الإسناد التابعة للسراج "يتوعد بمزيد من العمليات ضد المدينة والمنطقة بالكامل".ولفت المسماري إلى تساقط القذائف العشوائية من مدفعية الميليشيات على أحياء منطقة قصر بن غشير ووادي الربيع شرق العاصمة.

من جانبه، قال جمال أوحيدة، مسؤول بمديرية أمن ترهونة، إن القصف الصاروخي استهدف مساحات فارغة بمنطقتي سوق الأحد والشرشارة بترهونة.وتابع أوحيدة، في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن القصف ناتج عن طائرات مسيرة.ونقلت "العين" عن شاهد عيان قوله إن القصف استهدف تحديدا مسجد الزيانية وموقعا آخر بالقرب من منتزه عين الشرشارة جنوبي المدينة.

وفي سياق متصل،دان مجلس مشايخ وأعيان محافظة ترهونة الاثنين تعرض المدنيين لقصف صاروخي، متهما مسلحي حكومة الوفاق بضرب كل الأعراف والمواثيق الدولية وعدم احترام مبدأ وقف إطلاق النار في ليبيا، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات كبيرة لمواجهة فايروس كورونا رغم عدم تسجيل أي إصابة إلى حد منتصف نهار الاثنين.

وحمّل مجلس مشايخ ترهونة المسؤولية الكاملة للمجتمع الدولي متمثلا في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لمماطلتها في معالجة الملف الليبي، وكيلها بمكيالين في إيصال الصورة واضحة للجهات الدولية المسؤولة على حفظ السلم والأمن في العالم.وطالب البيان القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية بقيادة المشير خليفة حفتر بضرورة "التصدي للميليشيات التي لا تعرف عهدا ولا ذمة في أمن وسلامة وراحة الليبيين".

وكان الجيش الوطني الليبي رحب، السبت الماضي، بالدعوة الصادرة بخصوص وقف القتال لأغراض إنسانية للاستجابة لمواجهة فيروس كورونا المستجد.وأشارت القيادة العامة للجيش إلى أنها لا تزال ترحب بكل جهد يضمن تفكيك المليشيات وتسليم أسلحتها وطرد المرتزقة الأتراك والسوريين من ليبيا والقضاء على الإرهاب.

لكن المليشيات المسلحة والقوات التركية الداعمة تستغل الهدنة في شن هجمات على الجيش الوطني، فضلا عن الاستمرار في تهريب السلاح والمرتزقة.وشهدت الأيام الماضية اندلاع اشتباكات بين الجيش الليبي والميليشيات المسلحة التي خرقت الهدنة مستخدمة الأسلحة الثقيلة في العديد من محاور طرابلس.

وأعلن المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري،الأحد، أن القوات التركية حاولت الهجوم على قوات الجيش، معلنا صد الهجوم وتدمير مدرعة تركية وقتل الجنود الذين كانوا بداخلها.وطالب المسمارى السلطات التركية التواصل مع قوات الجيش الليبى بهدف استلام المدرعة التركية والجثث التى بداخلها.

وتواصل تركيا ارسال شحنات السلاح في محاولة لاستغلال الهدنة بسبب فيروس كورونا،وأكد العميد خالد المحجوب، مدير مكتب التوجيه المعنوي بالقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، أن المليشيات في مدينة مصراتة استقبلت شحنة سلاح جديدة قادمة من تركيا.وأوضح المحجوب لـ"العين الإخبارية" أن المليشيات قامت بنقل الأسلحة من داخل ميناء مصراتة بسياراتها إلى محور بوقرين شرقي مصراتة.كما أكد المسماري في وقت سابق أن تركيا وحكومة الوفاق استغلتا الموقف الإنساني بإعادة الليبيين العالقين بمطارات تركيا لنقل المرتزقة الإرهابيين من تلك المطارات.

وقال النائب طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في برلمان طبرق، إن "المليشيات في العاصمة طرابلس تعمل بشكل فردي، ولم تلتزم بالهدنة الإنسانية".ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن الميهوب قوله، أن الجيش أعلن قبول الهدنة الإنسانية نظرا لما يواجهه العالم في ظل تفشي وباء كورونا.

وتابع أن لجنة الدفاع والأمن القومي أكدت في بيانها قبول الهدنة بشرط أن يكون الرد قاسيا حال عدم احترامها وخرقها من الجانب الآخر.ودعا الميهوب القوات المسلحة للرد على ما وصفهم بـ"المرتزقة"، ومواصلة الأعمال العسكرية لتطهير البلاد بشكل كامل.وبحسب الميهوب فإن "المليشيات"، حاولت انتهاز فرصة قبول الجيش للهدنة الإنسانية ومحاولة الغدر، إلا أنها باءت بالفشل وهو ما استوجب الرد عليهم، وأن الرد الذي بدأ في صباح اليوم الاثنين سيستمر حتى تطهير البلاد.

واتخذت السلطات في شرق وغرب ليبيا قرارات لمواجهة خطر فايروس كورونا المستجد، أهمها إغلاق المنافذ البرية والبحرية ثلاثة أسابيع وتعطيل الدراسة حتى نهاية الشهر الجاري وفرض حظر تجول لمدة 12 ساعة يوميا.وقبل أيام، دعت كل من الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والجزائر والإمارات، كافة أطراف النزاع الليبي إلى هدنة إنسانية لمساعدة الحكومة على مواجهة كورونا.

ويعتمد النظام التركي على المليشيات المسيطرة على العاصمة الليبية لمد نفوذه في البلاد،ومنذ سنوات تتالت شحنات السلاح التركي الى ليبيا دعما للمليشيات لكن مع تواصل خسائرها ضد الجيش الليبي،سارعت أنقرة الى ارسال المرتزقة الموالين لها علاوة على نقلها للعناصر الارهابية الى الأراضي الليبية دعما للمليشيات هناك وهو ما بات ينذر بخطر يتهدد المنطقة ككل.

وتمنع حالة عدم الاستقرار هذا البلد الغني الذي يمتلك أكثر احتياطيات النفط وفرة في أفريقيا من الاستفادة من ثروته النفطية، وهي مصدر الدخل الوحيد.وتتزايد المخاوف الأممية من احتمال انهيار كامل للهدنة بين الأطراف المتصارعة في ليبيا.ولم يتوصل الفرقاء إلى نتيجة من شأنها التوافق الأمني في اجتماعات اللجنة العسكرية "5+5" بجنيف.

وطيلة السنوات التي أعقبت إندلاع الأزمة في البلاد،أصرت الميليشيات المختلفة على التمترس فى العاصمة الليبية طرابلس،حيث دخلت في صراعات متواصلة على النفوذ والسيطرة في غياب جيش أو شرطة نظاميين وفي ظل عجز حكومي متواصل عن وضع حد لسيطرة المسلحين وفرض سلطة القانون.

ومنذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي،أطلق الجيش الوطني الليبي عملية "طوفان الكرامة" العسكرية بهدف انهاء نفوذ المليشيات المسلحة التي ترسخ وجودها منذ سنوات في العاصمة الليبية طرابلس حيث مثلت خلال السنوات الماضية مصدرا للانقسامات وبوابة لتدخل بعض الدول الساعية لتمرير أجنداتها المشبوهة في المنطقة.ويجمع المراقبون على أن نجاح أي مسار سياسي في البلاد يبقى رهين انهاء نفوذ المليشيات واستعادة سلطة الدولة بما يضمن ارساء الأمن والاستقرار في البلاد.