رغم التحركات المتسارعة محليا ودوليا لحلحلة الأزمة الليبية، فإن تواصل حالة الفوضى وانتشار الجماعات المسلحة التي تستغل غياب سلطة الدولة والقانون لتمارس أنشطتها التي تستهدف المنشآت الحيوية في البلاد، مازالت تلقي بظلالها على المشهد الليبي الذي يزداد تعقيدا خاصة في ظل الأوضاع المتردية التي تشهدها العاصمة طرابلس مؤخرا. 

فمنذ أواخر أغسطس الماضي، اندلعت اشتباكات وصفت بأنها الأعنف منذ سنوات بين الميليشيات المسلحة المنتشرة في المدينة، وأوقعت عشرات الضحايا بين قتيل وجريح. كما ألحقت الاشتباكات في العاصمة الليبية أضرارا بالغة في بعض المنشآت النفطية والحيوية والشركات وهو ما يمثل نكسة جديدة لإقتصاد البلاد الذي يعاني منذ سنوات حالة من التقهقر بسبب الأوضاع الأمنية المتردية. 

استهداف


إلى ذلك، طالت نيران الميليشيات المنشآت النفطية من جديد، حيث أكدت شركة البريقة لتسويق النفط في بيان لها، الخميس الموافق 20 سبتمبر 2018، سقوط أيضاً قذيفة، أصابت سقف مبني الإدارة العامة للمبيعات إصابة مباشرة خلفت أضرار بالمبنى. وقال البيان بأن جهود رجال الإطفاء والأمن والسلامة مستمرة تحت وطأة النيران لمنع امتداد أية حرائق ولمنع وصولها الى أجزاء أخرى وفي محاولة للسيطرة عليها. 

وكشفت الشركة ن سقوط صاروخ في ساحة مبنى الشؤون المالية بالشركة الأربعاء 19 سبتمبر2018، مبينةً بأن الصاروخ أسفر عن أضرار مادية ونشوب للحرائق في مناطق عدة خلف اسوار المستودع. 

وحذرت الشركة في بيانها مما سمته "الممارسات الغير مسئولة والانتهاكات الجسيمة التي تحدث لمرفق حيوي واستراتيجي يعد من أهم المرافق التي يعتمد عليها في سد حاجات المواطن الأساسية من محروقات، وكذلك تزويد المستشفيات والمصالح الحكومية والخدمية بحاجاتها من وقود الديزل المشغل الرئيسي البديل في ظل تردي شبكة الكهرباء العامة ولساعات طويلة. 

وأكدت الشركة على أن عمليات الصيانة وإعادة تشغيل هذه المرافق ستستغرق جهد كبير ووقت طويل وأموال طائلة لإعادتها لوضعها الطبيعي. 

وكانت الشركة قد أعلنت في وقت سابق، عن إصابة الخزان (101)، الثلاثاء، والمخصص لمنتج كيروسين الطيران من الناحية الغربية ، مبينةً بأن الاصابة تسببت في فتحة قطرها حوالي (30) سم وبإرتفاع حوالي (3) متر عن مستوى الأرض، دون حدوث اصابات أو اندلاع النيران. محذرة من شلل للشركة في تنفيذ مسئوولياتها المنوطة بها من ايصال وقود الطيران للمطارات وباقي المحروقات للمحطات والمواطنين في كافة المناطق. 

وجددت الشركة نداءها الى الجهات المسؤولة بالدولة والاطراف المتصارعة الى تغليب مصلحة الوطن والمواطن للحفاظ أرواح الناس وعلى المنشآت والمرافق الموجودة بالمستودع لكي تتمكن من القيام بكل واجباتها والتخفيف من المعاناة التي يعيشها الشعب الليبي. 

يأتي ذلك، فيما أعلنت شركة الكهرباء في بيان لها، الخميس 20 سبتمبر، عن إصابة محول التبة رقم (1) جهد 220 ك. ف قدرة 100 ميجا فولت أمبير للمرة الثانية على التوالي ، مبينةً بأن الاصابة طالت المبردات جراء الإشتباكات المسلحة التي تشهدها العاصمة طرابلس. وأوضحت أن الاصابة التى حدثت مساء الاربعاء جاءت بعد إعادة صيانة المحول المذكور أعلاه وتشغيله بعد توقف الاشتباكات التي شهدتها العاصمة خلال المدة الماضية. 

وأكدت الشركة على أن هذه الاصابة أجبرت المناوبين بإغلاق المحطة ومغادرة العمل ، مبينةً بأن هذه الحادثة نجم عنها بث الرعب والفزع لدى مشغلي المحطة بسبب الاشتباكات الدائرة في المنطقة وان مثل هذه الاصابات تكبد الشركة خسائر مادية كبيرة. 

وطالت المؤسسة الوطنية للنفط، الإثنين 10 سبتمبر 2018، عدة هجمات بدأت بتفجير انتحاري، تبعه إطلاق 6 مسلحين ملثمين النار؛ ما أدى إلى مقتل شخصين وإصابة 10 آخرين. ودفعت القوات المدنية بسيارات إسعاف لتقديم المساعدة للمصابين، فيما قال شهود عيان إنه تم إجلاء رئيس المؤسسة من مقرها عقب الهجوم. 

وتبنى تنظيم داعش، الهجوم واصفا في بيان نُسب له ونشره موقع "سايت" الأمريكي، الذي يرصد الحركات الإسلامية المتشددة، المؤسسة الوطنية للنفط بأنها "أهم مفصل اقتصادي يثبت عروش الطواغيت وأجنادهم ويمدهم بأموال طائلة تستعمل في حرب المجاهدين". 

ابتزاز


ومن جهتها، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في بيان لها، الخميس 20 سبتمبر 2018، إقفال مطار حقل الوفاء النفطي يوم الثلاثاء الموافق 18 سبتمبر2018 بهدف ابتزاز شركة مليتة للنفط والغاز وحصول المغلقين على عقد تموين وصفته بـ"الفاسد". 

وحذرت المؤسسة الوطنية للنفط في بيانها انه في حالة استمرار اقفال المطار ستقوم الشركة بوقف جميع العمليات في الحقل وأجلاء جميع العاملين بدايةً من بعد ظهر اليوم 19 سبتمبر لأسباب لوجستية وسينتج عن ذلك تعليق إمدادات الغاز من حقل الوفاء إلى محطة الرويس لتوليد الكهرباء. 

وكشفت المؤسسة الوطنية للنفط على أن من يقود عملية الاقفال هم خالد وعبد الحميد الوكواك وعدد من حرس المنشآت النفطية فرع الجنوب الغربي، محذرةً من أن وقف العمليات سيؤثر سلباً على المواطنين في منطقة الجبل الغربي بشكل كبير، وسيؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي عنهم. 

ووصفت مؤسسة النفط هذا العمل بـ"الاجرامي وغير المسؤول" الذي سينعكس سلباً على الاقتصاد المحلي وعلى قوت المواطن الليبي ، مبينةً بأن هذا الحادث يأتي بعد أيام فقط من اصدار تقرير فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ليبيا، والذي ينصّ على أن أعمال ومصالح الجماعات المسلحة تتعارض تماماً مع مصالح السكان المحليين وتؤثر على سير العمليات في قطاع النفط. 

وطالبت المؤسسة بإنهاء هذا الاغلاق فوراً وإعادة فتح المطار دون أي قيد أو شرط ، مؤكدةً على أنّها لا تتفاوض تحت الضغط، وستعمل فقط من أجل المصلحة الوطنية، وستسعى لمقاضاة كل العناصر الإجرامية، بموجب القوانين المحلية والدولية. 

ويأتي هذا الحادث بعد أيام فقط من إصدار تقرير فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ليبيا، والذي ينصّ على أن أعمال ومصالح الجماعات المسلحة تتعارض تماما مع مصالح السكان المحليين وتؤثر على سير العمليات في قطاع النفط

وتجدر الإشارة إلى أنه يتم تشغيل حقل الوفاء النفطي من قبل شركة مليتة للنفط والغاز، وهو ينتج ما يقرب من 40,000 (أربعين ألف) برميل يوميا من النفط الخام والمكثفات وغاز الطهي و400 مليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي المخصص بالكامل لمحطات الكهرباء. وشركة مليتة للغاز والنفط هي شركة محاصة تقتسم فيها المؤسسة الوطنية الليبية للنفط وشركة إيني الإيطالية الحصص بالتساوي (المؤسسة الوطنية للنفط 50بالمائة وإيني 50 بالمائة). 

وفي ليبيا تعثر أكثر من مرة قطاع النفط نتيجة احتجاجات يقودها حراسه للضغط علي المؤسسة لتنفيذ مطالب لهم كما تعثر لاسباب أخري اهمها نشوب حرب داخل حقوله وموانيه بعد هجمات يشنها مسلحون للمحاولة علي السيطرة علي القطاع الذي يشكل عائد تصديره 90 في المائة من ميزانية البلاد. 

وبدأت الاشتباكات المسلحة في طرابلس نهاية أغسطس الماضى، الأمر الذى حدا ببعثة الأمم المتحدة فى ليبيا لعمل محاولات لوقف إطلاق النار، وفى 4 سبتمبر، أعلنت أن الجماعات المسلحة التى تتقاتل للسيطرة على العاصمة طرابلس وافقت على إنشاء آلية لتثبيت وقف إطلاق النار الذى تم التوصل إلى فى الآونة الأخيرة. 

وعقب ذلك، تتابعت عمليات خرق الهدنة وسط إتهامات متبادلة بين الميليشيات المتصارعة، ولم ينجح إعلان حالة الطوارئ ولا الرتيبات الأمنية التي أعلنتها حكومة الوفاق الليبية في إحتواء حدة الإشتباكات التي عمقت الخسائر الإقتصادية للبلاد، في وقت يعيش فية المواطن الليبية أوضاعا متردية دفعته للخروج في مسيرات إحتجاجية أملا في تغيير واقع يجمع المراقبون على أنه بات مأساويا.