لم تتمكن المؤسسات الرسمية الليبية المنبثقة عن الإعلان الدستوري عقب إسقاط نظام العقيد معمر القذافي إلى الآن، من بسط سيطرتها ونفوذها على كامل التراب الليبي الذي خربته الصراعات المسلحة ومحاولات الميليشيات الخارجة عن القانون والإسلاميين الساعية إلى بسط نفوذها والاستحواذ على الثروات النفطية والأراضي في ليبيا.

ولا تزال ليبيا إلى الآن تعاني من توازي المؤسسات التمثيلية فيما بينها، إذ يتصارع الآن برلمانان وحكومتان يدعي كل منهما تمثيل الشعب الليبي رغم الانتخابات الأخيرة التي اختار فيها الليبيون ممثليهم بشكل شبه نهائي. وقد تصاعدت وتيرة الصراعات المسلحة لتتجلى في النزاع المسلح بين الجيش الليبي والميليشيات الإسلامية التابعة لتنظيمات متشددة.

ولم تجد الصياغات الداخلية بين الليبيين أي حلول، لتتدخل الأمم المتحدة أخيرا في فرض تسويات سياسية بين الطرفين والخروج بحل يمكن الليبيين من الاستقرار وفرض سلطة وشرعية الدولة، وفقا لصحيفة العرب.

لكن قوات الفجر الليبية التابعة للجماعات الإسلامية رفضت قطعا حلول التهدئة الأممية رغم صدور قرار من مجلس الأمن ورغم كافة التصريحات الأوروبية والأميركية ومن دول الجوار التي ترمي إلى إحلال الهدوء والسلام في ليبيا لينتهي مسلسل الحرب الأهلية المندلعة منذ ثلاث سنوات. وقد عبر عن موقف المجموعات المقاتلة الإسلامية الناطق الرسمي باسم قوات الفجر الليبية محمد الغرياني في مقابل دعوة الأمم المتحدة للحوار على لسان برناردينو ليون المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.

رفض تحالف مجموعات إسلامية في بنغازي شرق ليبيا الحوار الوطني الليبي الذي أعلن مبعوث الأمم المتحدة لليبيا انطلاقه باجتماع ضم نوابا من طرفي النزاع في ليبيا.

وقد عقد نواب متخاصمون في البرلمان الليبي أول اجتماع للحوار السياسي برعاية مبعوث الأمم المتحدة برناردينو ليون وتعهدوا بمواصلة الحوار لإنهاء العنف والفوضى المؤسساتية في البلاد.

لكن غداة هذا الاجتماع قال مجلس شورى ثوار بنغازي في بيان له إن “هذه الدعوة للحوار لم تبن على أسس شرعية صحيحة بل أحق ما توصف به أنها دعوة لتنازل صاحب الحق عن حقه”.

ويعرف مجلس شورى ما يسمى بثوار بنغازي على أنه ائتلاف يضم كتائب الثوار الإسلامية المسلحة وعلى رأسها جماعة أنصار الشريعة المصنفة إرهابية في تونس لانتمائها لتنظيم القاعدة.

ويسيطر المجلس على مدينة بنغازي بشكل شبه تام بعد أن تمكن من السيطرة على معسكرات هامة للجيش والشرطة في المدينة خلال المعارك التي خاضها مع قوات اللواء المنشق خليفة حفتر الذي انسحب بقواته إلى مرتفعات الرجمة في الضواحي الجنوبية الشرقية للمدينة ولم يعد يستخدم غير المقاتلات والمدفعيـة في ضرب خصومـه.

وأوضح محمد الغرياني الناطق الرسمي باسم قوات الفجر التابعة لمجلس الثوار أنه “لن يكون طرفا في دعوات الحوار هذه ولن يدخل فيها”.

وذلك في دعوة واضحة لمواصلة القتال وعدم الرضوخ لدعوة الأمم المتحدة للحوار والتي عبر عنها المبعوث الأممي من جهة وكذلك عديد السفراء والمسؤولين الأوروبيين والأميركيين في أكثر من مناسبة.

وكانت قوات فجر ليبيا أعلنت في وقت سابق على لسان الغرياني أنها “ترفض الحوار الوطني، وتتمسك بالحل العسكري حتى تجتث قوى الانقلاب التي قصفت وقتلت وعذبت أبناء الشعب الليبي الحر”.

من جهة أخرى طالبت دار الإفتاء الليبية في بيان بتعليق الحوار الذي انطلق بين الفرقاء السياسيين في ليبيا.

وقد ورد في البيان إن “العلماء يطالبون بتعليق الحوار مع برلمان طبرق، في الوقت الحاضر، وتأجيله، إلى أن يقول القضاء كلمته في التجاوزات الدستورية، والقرارات الخطيرة الصادرة عنه”.

وأوضح محمد الغرياني في ذات السياق أن “القرارات الخطيرة” الصادرة عن البرلمان المنتخب تتمثل في “مطالبتهم بالتدخل الأجنبي وفرض الهيمنة الدولية على البلاد، ووصـف عامة الثوار، وعامة من يخالفونهم في الرأي من أبنــاء الشعــب الليبـي بالإرهــاب”.

وأضاف الغرياني مؤكدا أن دعوة الأمم المتحدة للحوار مع الأطراف الأخرى إنما الغرض منها “نزع سلاح المجاهدين” من أجل تحرير ليبيا على حد تعبيره.

وهو ما اعتبره مراقبون مواصلة للحرب والقتال ضد الجيش والبرلمان الليبي الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة وتحد واضح لرغبة الليبيين في الاستقرار وبعث مؤسسات قوية للدولة وللرغبة الدولية التي تعترف الآن بالبرلمان وبالعملية السياسية ما بعد القذافي.

وقد قاطع بعض النواب الذين يؤيدون “فجر ليبيا” أعمال البرلمان الجديد الذي اضطر لعقد اجتماعاته في مدينة طبرق الواقعة على بعد 1600 كلم شرقي طرابلس وذلك للابتعاد عن ضغط المليشيات المسلحة.

ومنذ أن تمت الإطاحة بنظام معمر القذافي أصبحت كتائب الثوار السابقين التي حاربت معا النظام تفرض سلطتها في البلاد الغارقة في الفوضى حيث لم تنجح أي سلطة في استعـادة النظــام والاستقــرار.

وعلاوة على العنف شبه اليومي منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي، يعيش الليبيون حاليا وضعا غير مسبوق من العنف والقتل بين أبناء الشعب الواحد وخاصة وضعية غير مفهومة وضبابية في علاقة الليبيين مع برلمانين وحكومتين متوازيين ما يعقد أكثر عملية الانتقال السياسي الصعبة.

عقد برناردينو ليون الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا محادثات مع السياسيين والأطراف المؤثرة في طرابلس والزنتان ومصراتة. وقد زار في وقت سابق مدينتي طبرق والبيضاء. وقبيل مغادرته طرابلس عقد مؤتمرا صحفيا قال فيه إن “هذه المرة الثانية التي يأتي فيها إلى ليبيا خلال أيام قليلة.

وإن الأمم المتحدة تستمع لكل الأطراف وهي تحاول تقييم الفرص التي تمكن الجميع من الانتقال من وضع الهدوء النسبي الذي نعيشه الآن إلى وضع يمكننا فيه استئناف العملية السياسية، “وهذا هو هدفنا اليوم ولكننـا لم نصـل إلى ذلــك بعد”.

وأضاف برنادينو ليون قائلا: “نحن مستعدون للمساعدة كما قلت إذا طلب منا ذلك. قدمنا بعض الأفكار للطرفين حول كيفية التغلب على هذا الوضع ونحن الآن نتحدث عن حقوق الإنسان التي تعتبر من العناصر الأساسية بالنسبة لنا.

كما أشرنا خلال اتصالاتنا إلى قضية السجناء، إذ ينبغي تقديم تفسير حول كافة السجناء ومعاملتهم بصورة جيدة وقد عبرت الأطراف في كافة اتصالاتنا عن استعدادها للتعاون وهذا أمر هام حيث سيساعد في التغلب على الوضع الحالي”.

مؤكدا أن لغة القوة والتحدي لن تمكن الليبيين من الاستقرار في دولة قوية ترعى الحقوق والحريات والديمقراطية.

وفيما يخص تناقض رؤية الأمم المتحدة مع المسار الذي اختاره الإسلاميون، يؤكد برناردينو ليون أنه “فيما يخص المسار السياسي، هناك اتفاق عام على أن الحل الوحيد هو الحوار ولكن بعض الأطراف غير قادرة إلى الآن على صياغة موقف إيجابي من دعواتنا إلى التهدئة وتفضيل لغة الحوار على السلاح”، وذلك في إشارة واضحة إلى ميليشيات الفجر الليبية المتكونة من الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين غير الموافقة على خيار التهدئة والحوار بين الأطراف المتنازعة وهي رافضة لمبادرة الأمم المتحدة أيضا.

وأكد خبراء في الشأن الليبي أن الأمم المتحدة باتفاق مع المجتمع الدولي تحاول في كل تدخل لها أن تبعث برسائل إيجابية لكل الأطراف من أجل الوصول إلى نهاية للأحداث الدامية التي تحصد الأرواح كل يوم، وهو ما جاء على لسان المبعوث الخاص قائلا “هناك أيضا اتفاق عام على أنه ينبغي على الأمم المتحدة تقديم المساعدة ونحن الآن نقيم كيفية تقديمنا للمساعدة.

وهذا التزام إيجابي فنحن بحاجة لهذا الالتزام وفي حاجة أيضا إلى القيادة الموجودة حاليا، ولكن كما قلت من قبل لم نصل إلى ذلك بعد ولا يزال علينا العمل”.

وتلك إشارة إلى موقف الإسلاميين من رفض الحوار والتمسك بلغة السلاح والقتال.

وأضاف برناردينو: “هناك تطابق في الحاجة لمعالجة الوضع الحالي من خلال المفاوضات والسياسة وهي عملية إيجابية.

وقد رأينا أيضا اتفاقا على المبادئ الرئيسية التي ترشد هذه المحادثات والعملية السياسية في المستقبل. هذه المبادئ هي الشرعية واحترام الإعلان الدستوري والإجراءات الموضحة فيه والالتزام بالمبادئ الديمقراطية والنبذ الصريح للإرهاب.

ولكن من الواضح وجود مسافات بين بعض الأطراف وهناك المزيد من العمل الذي ينبغي القيام به. ستستمر الأمم المتحدة في بذل الجهد في الأيام القادمة وكررنا دعواتنا لكي تكون الشرعية هي ما يوجه العملية”.

وعن مسألة مواصلة الأمم المتحدة رعاية الحوار، يؤكد برناردينو أن “المهم هو أن تعمل الأطراف داخليا وتستمر في العمل فيما يخص كيفية الوصول إلى مجلس نواب شرعي يمثل كافة الليبيين وأن يشعر جميع الليبيين أنهم جزء من العمليــة وحكومة وحدة وطنية تمثل كافـــة الليبيــين. وهو ما نحــاول القيام بـه في هــذا السياق وما نحاوله في الأيام القادمة”.