اعتبر الكاتب الصحفي في موقع تي في 5 الفرنسية بارون ليو في تقرير مطول يحاول تفكيك الوضع الأمني والسياسي في ليبيا بعنوان  :بعنوان " هل وصلت ليبيا إلى انسداد في الأفق" ، نشر يوم 30 مايو  الماضي أن الأزمة الليبية تمضي نحو مزيد  التعقد أكثر فأكثر منذ سقوط نظام القذافي، خاصة في ظل العمليات العسكرية التي أطلقها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ما صعد في حالة الاحتقان.

ويقول بارون أن الوضع الحالي في ليبيا يقلق القوى الغربية وجيران ليبيا على حد السواء، ويتساءل بارون عن الطرف الذي بإمكانه إيقاف الأزمة  بعد تصاعدها في الفترة الأخيرة ، معتبرا أن المتسبب في الاحتفان الحالي هو اللواء المتقاعد خليفة حفتر والوضع الاقتصادي والسياسي الهش في البلاد منذ سقوط نظام القذافي.

ويقارن مراقبون بين حفتر والمشير المصري عبد الفتاح السيسي، الذي افتك السلطة من الإخوان المسلمين وفاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مصر.

ويرى سعيد الحداد الباحث في المعهد الفرنسي للدراسات حول العالم العربي والإسلامي  أن حفتر يحاول وضع حد للارتباك والتراخي لعدد من الأطراف السياسية في ليبيا التي يعاني شعبها من مسار انتقالي صعب منذ ثلاث سنوات، ويبدو أنه حاد عن مساره المنتظر.

ويذكر بارون أن المحاولة الانقلابية الأولى "التلفزية"  لحتفر كانت منذ حوالي 3 أشهر، لم فض لشيء بينما كانت محاولته الثانية أكثر  جرأة عندما أعلن عن عملية "الكرامة" ، التي يقول أنه يستهدف من خلالها "الجماعات الإرهابية" التي تدمر البلاد ، مستهدفا خاصة كتائب "شهداء 17 فبراير" في بنغازي..

ويحاول حفتر أن يضم إلى صفوفه عدد من الحلفاء خاصة من عناصر الجيش، على غرار قائد الأركان الجوية ووحدات القوات الخاصة  بالإضافة إلى وزير الثقافة حبيب الأمين، الذي صرح في وقت سابق أنه يدعم العمليات العسكرية ضد "الجماعات الإرهابية"،  معتبرا أن المؤتمر العام يحمي "الإرهابيين".

صراع

 

ويتساءل بارون عن مدى قوة وشرعية عملية حفتر وقدرته على أن يكون الرجل القوي الجديد في ليبيا،  فبعد أن قضى اللواء المتقاعد البالغ من العمر 71 عاما في الولايات المتحدة عديد السنوات، عاد إلى ليبيا سنة 2011 للمساهمة في الثورة على القذافي وليستغل الوضع المضطرب في البلاد لرفع أسهمه تدريجيا على الساحة العسكرية في بلد تمتلك فيه الكتائب المسلحة السيطرة الفعلية على الأرض، فيما يعتمد حفتر على تحالف  يتألف من كتائب الزنتان المتمتعة بتسليح جيد والمعادية للكتائب الإسلامية.

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الأزمة الأمنية في البلاد، في ظل غياب جيش نظامي منضبط، لا يبدو الوضع السياسي أفضل حالا حيث مازال رجلان يتصارعان على ترأس الحكومة، وذلك منذ حجب الثقة عن حكومة علي زيدان المقرب من الليبراليين  يوم 11 مارس ماضي من قبل المؤتمر العام، غداة ضغط من قبل الإسلاميين، فيما يواصل خلفه عبد الله الثني، الذي لم يشكل حكومة جديدة بعد علي زيدان في القيام بمهامه بالرغم من المصادقة على حكومة رئيس الوزراء المكلف من قبل المؤتمر أحمد معيتيق يوم 25 مايو الماضي، والتي خلف اختيارها جدلا  بشأن شرعية التصويت عليها من عدمه.

ومن المنتظر أن تكلف حكومة معيتيق بتنظيم انتخابات برلمانية يوم 25 يونيو ، رغم أن أمر عقدها ما يزال محل شك ، فيما يقول الحداد "لا يمكن الجزم بتنظيم الانتخابات البرلمانية ولا بالقوى السياسية التي ستفرزها".

وقد قبل المؤتمر العام بتنظيم انتخابات تشريعية بعد تصاعد الغضب الشعبي  حيال أدائه، خاصة في ظل اتهامات لكتلة "الوفاء للشهداء" الإسلامية بالتآمر مع كتائب متشددة تخرب البلاد ، ما جعل ذلك  ذريعة لعمليات حفتر العسكرية في البلاد.

استفادة

ويخلص بارون إلا القول أن حفتر استفاد من حالة الغموض السياسي في المؤتمر العام والحكومة، ليطالب بمجلس رئاسي أعلى يقوم بإنهاء مهام المؤتمر العام أعلى سلطة سياسية في البلاد، ويلاحظ الحداد أن هناك تململا  وسط الشارع الليبي  حيال أداء السلطات الانتقالية بدءا بالمؤتمر العام وصولا إلى الحكومة، مؤكدا أن المؤتمر العام المنتخب ديمقراطيا سنة 2012 خلف مرارة كبيرة  في الشارع الليبي.

في غضون ذلك نجح حفتر في حشد تحالفات مع كتائب الزنتان، ما خلف مخاوف لدى الكتائب الإسلامية شرق البلاد، خاصة تنظيم "أنصار الشريعة" المصنف أمريكيا تنظيما "إرهابيا"، والذي شكل بعد سقوط القذافي ولا يعترف بالمؤسسات الانتقالية والمتهم بالوقوف وراء عدد من الاغتيالات والهجمات ضد قوات الأمن في بنغازي ، من بينها الهجوم على مقر القنصلية الأمريكية في المدينة سنة 2012، ما أدى إلى مقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز، وهدد زعيم الجماعة  محمد الزهاوي حفتر بأن يلقى مصير القذافي، متهما إياه بتقسيم البلاد.

"انقلاب"

ويقدر الحداد أن العمليات التي يقودها حفتر هي أقرب لأن تكون محاولة "انقلابية"،  بينما كذب الناطق الرسمي باسم قوات حفتر محمد الحجازي في تصريح لقناة فرانس 24 أن العملية ليست محاولة وانقلابية وأنهم لا ينوون الاستيلاء على السلطة، مشددا على أنهم سيتركون السياسية للسياسيين.

ويرى بارون أن حفتر أقحم رأسه في السياسة في آخر ندوة صحفية عقدها عندما أعلن عن نيته تشكيل مجلس رئاسي أعلى، تكون مهمته تشكيل حكومة والإعداد لانتخابات تشريعية.

ويقر الحداد أن قدرة حفتر على إسقاط السلطات الانتقالية ما زلت إلى حد الآن غير معروفة، مضيفا أنه حتى في صورة نجاحه في افتكاك السلطة، يبقى مصير الكتائب المسلحة مجهولا ، خاصة في ظل إصرارها على الحفظ على نفوذها.

مخاوف

ويخلص بارون إلى القول إن انهيار الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا يقلق القوى الغربية، خاصة منها فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، التي دعت إلى انتقال ديمقراطي سلمي في البلاد.

أما الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون فقد عبر عن قلقه البالغ  تجاه التحركات المتصاعدة في محيط العاصمة طرابلس ، محذرا من مغبة حدوث صراع مسلح قد يضيع كل تضحيات الشعب الليبي في صراعه من أجل الحرية والكرامة الإنسانية.

يذكر أن الولايات المتحدة تقوم بتمويل برنامج لتدريب وتجهيز قوات نظامية  بتكلفة قدرها 16 مليون دولار بهدف "صد التهديدات الإرهابية والمتطرفة في ليبيا"، في الوقت الذي حركت فيه واشنطن ألف جندي على مقربة من الشواطئ الليبية لإجلاء الفريق الدبلوماسي في طرابلس في حال تعكر الوضع  هناك.

ولم يقتصر القلق على القوى الغربية فحسب، بل يؤكد الحداد أن  المخاوف تصاعدت في  كل من تونس والجزائر، على خلفية العتاد العسكري الذي يمتلكه الجهاديون في ليبيا، مؤكدا وجود أكثر من 20 مليون قطعة سلاح في ليبيا ، هرب جزء منها إلى غزة وسوريا.

وكانت الدول المغاربية قد دعت إلى اجتماع طارئ هذا الأحد على مستوى وزارء الخارجية لكنه تأجل في آخر لحظة لعدم وضوح الرؤية  في ما يتعلق بالأزمة الخانقة التي تعيشها ليبيا.