تتواصل تعقيدات المشهد في ليبيا مع مخاطر تفشي فيروس "كورونا" المستجد وسط استمرار حالة الصراع بين الأطراف الليبية وغياب روح التوافق بينها في وقت تترنح فيه الهدنة المعلنة وتتزايد بوادر سقوطها.وعلى وقع هذا المشهد المضطرب تواصل تركيا جرائمها في ليبيا معتمدة في ذلك على حلفائها وسط صمت دولي مريب بالرغم من الدلائل المتواصلة على الأرض.

الى ذلك، أعلن الجيش الليبي، السبت، مقتل عدد من قياداته البارزة في قصف شنته طائرة تركية مسيرة، خلال معارك مع قوات الوفاق، ضواحي مدينة سرت، غرب البلاد.وأعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش الوطني بصفحتها في فيسبوك،"استشهاد اللواء سالم درياق آمر غرفه عمليات سرت، ومعاونه العميد القدافي الصداعي متأثرين بجراحهما إثر قصف الطيران التركي المسير".

نعت إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي، اللواء سالم درياق آمر غرفة عمليات سرت، ورفاقه.ودرياق، هو أحد أهمّ ضبّاط الجيش الليبي، حيث قاد عملية "البرق الخاطف" التي نفذتها في السابق قوات الجيش لاستعادة السيطرة على موانئ وحقول النفط، وشارك في معارك منطقة الهلال النفطي، قبل أن يتم تعيينه آمرا لغرفة عمليات سرت الكبرى المعنية بحماية النفط منذ عام 2018.

أصدر القائد العام للجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، قرارا يقضي بتكليف آمر جديد لقيادة غرفة عمليات سرت خلفا للواء الراحل سالم درياق.ووفق المكتب الإعلامي لقيادة الجيش، فإن القائد العام المشير خليفة حفتر :أصدر قرارا يقضي بتكليف العميد ركن علي عمر المقرحي بمهام آمر غرفة عمليات سرت الكبرى".

وتولى المقرحي مهام غرفة عمليات سرت عام 2016، وتحديدا في فترة استهداف منطقة الموانئ النفطية من قبل مليشيات سرايا الدفاع عن بنغازي المدعومة من حكومة الوفاق.وانتقل المقرحي عام 2018 لتولي مهام منطقة الجفرة العسكرية، وقاد عمليات الجيش ضد مجلس شورى بنغازي وداعش في المناطق المحيطة بالجفرة.

وجاء هذا بعد يوم واحد على استشهاد العميد علي سيدي التباوي آمر "الكتيبة 129" التابعة للجيش الليبي، في محور الوشكة غرب مدينة سرت بغارة جوية نفذتها طائرة تركية مسيّرة انطلقت من القاعدة الجويّة بمصراتة.كما استهدف الطيران التركي المسير، السبت، آلية عسكرية تابعة لكتيبة أمن النهر الصناعي بمحور الوشكة،ونجى كل الأفراد الذين داخلها، والذين تعرضوا لإصابات مختلفة وتم نقلهم على الفور إلى مستشفى ابن سيناء بمدينة سرت.

تجدر الإشارة إلى أن الطائرات المسيرة التركية التي تنطلق من مصراتة تشن منذ ليلتين غارات مكثفة على مواقع الجيش.ودعت شعبة الإعلام الحربي المُدونين والنُشطاء على صفحات التواصل الاجتماعي وكافة الوسائل الإعلامية للالتزام بطابع السرية أثناء سير العمليات العسكرية وعدم الإفصاح عن مواقع وتمركزات الوحدات العسكرية.

وحثت الشعبة التابعة للقوات المسلحة في إيجاز لها،السبت، على تجنب نشر الأخبار الخاطئة، حتى يتم الإعلان عنها بشكل رسمي من قبل الجهات المختصة فور صدور التعليمات بذلك.وأوضحت الشعبة أن نشر مواقع القوات المُسلحة قد يكون سببا في إرباك العمليات العسكرية والتي تحمل جوانبا سرية علينا الالتزام بها، وحفاظا على سلامة جنودنا البواسل، مشيرة إلى أن ذلك الأمر قد يُعرّض المدنيين والشباب المُساند للقوات المسلحة إلى العديد من المخاطر.

وفي غضون ذلك،أعلن الجيش الليبي،السبت، إسقاط طائرة مسيرة تركية حاولت تنفيذ غارة على محور الوشكة شرق مصراته، لكنها لم تتمكن من إحداث أي خسائر في صفوف قوات الجيش الليبي.ونقل موقع إرم نيوز، عن الرائد عبدالسلام بن صالح من قوات الدفاع الجوي الليبي، أن وحدات الدفاع الجوي التي انتقلت للخطوط الأمامية والمجهزة بمعدات متابعة ورصد الطائرات المسيرة استطاعت أن تتصدى للطائرة وهي من نوع "بيرقدار" تركية الصنع وأسقطتها قبل تنفيذ مهامها.

وقال بن صالح إن "هذه الطائرة سبق لها تنفيذ غارة الجمعة وأسفرت عن مقتل عدد من جنود الجيش الليبي وتدمير عربتين للجيش غرب منطقة أبوقرين أثناء تقدم قواته".وأوضح، بأن ”طائرات الجيش الليبي من طراز ميج 23 نفذت بعد اسقاط المسيرة التركية غارة جوية بواسطة 3 طائرات استهدفت عدة عربات مدرعة وكذلك شاحنات وقود وذخائر لمليشيات مصراته والتي تحاول استعادة السيطرة على محور الوشكة وتعويض خسائرها المادية والبشرية واستعادة السيطرة على أراض فقدتها إثر تقدم قوات الجيش منذ يوم الخميس الماضي"؛ وفق قوله.

ويتهم الجيش الليبي، دولة تركيا، بقيادة المعارك في المنطقة الغربية لصالح الميليشيات المسلّحة المدعومة من حكومة الوفاق، عن طريق دعمها بالأسلحة والمعدات العسكرية وكذلك الطائرات المسيّرة.ومثلت الأراضي الليبية مسرحا لتجريب تركيا لطائراتها المسيرة على غرار طائرات مقاتلة جديدة من نوع "بيرقدار تي بي 2" التي مارست جرائم كبيرة في حق أبناء ليبيا من مدنيين وعسكريين.

وتؤكد العودة الى استخدام الطائرات التركية المسيّرة استمرار تدفق السلاح التركي إلى ليبيا رغم توقيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على بيان مؤتمر برلين الذي ينص أحد بنوده على إيقاف الدعم العسكري لأطراف النزاع في ليبيا.وشجع الصمت الدولي تركيا على مزيد التمادي في دعم الميليشيات حيث أرسلت الآلاف من المقاتلين السوريين إضافة إلى الأسلحة والعتاد.

وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنه يواصل مواكبة ورصد ومتابعة عملية نقل المقاتلين التي تقوم بها تركيا من الأراضي السورية إلى داخل الأراضي الليبية، وفي سياق ذلك، علم المرصد السوري أن حالة استياء كبيرة تسود في أوساط المقاتلين السوريين الذين ذهبوا إلى ليبيا بسبب تخلف تركيا عن الإيفاء بوعودها وسط حالة مزرية يعيشيها "المرتزقة" هناك.

وكان المرصد السوري نشر قبل أيام، أن الجانب التركي عمد إلى تخفيض رواتب المقاتلين السوريين الذين جرى تجنيدهم وإرسالهم للقتال في ليبيا.كما تحدث المرصد عن الخسائر في صفوف مرتزقة أردوغان  حيث لقى 8 مقاتلين مصرعهم خلال الأيام القليلة الفائتة، وبعضهم جرى نقله إلى الأراضي السورية ودفنه ضمن مناطق نفوذ فصائل "درع الفرات" بالريف الحلبي، وبذلك، بلغت حصيلة القتلى في صفوف الفصائل الموالية لتركيا جراء العمليات العسكرية في ليبيا 151 مقاتل.

وتثير التدخلات التركية مخاوف من تأزيم الأوضاع في ليبيا،وعبر الاتحاد الأوروبي في بيان له، عن إدانته لاستمرار خرق قرار حظر توريد الأسلحة مطالبا بإيقاف إرسال المرتزقة الأجانب، كما جدد التزامه الكامل بدعم نتائج عملية برلين وجهود الوساطة التي ترعاها الأمم المتحدة.وأكد البيان على استعداد دول الاتحاد لاستخدام الإمكانات المتاحة لضمان التنفيذ الكامل لاتفاق مؤتمر برلين من خلال عملية سياسة الأمن والدفاع المشتركة الجديدة، أي العملية البحرية الأوروبية في البحر المتوسط.

وحث الاتحاد في بيانه كافة الأطراف في ليبيا على وقف القتال واستئناف الحوار السياسي للوصول إلى حل للأزمة مشددين على أهمية التزام الأطراف بمشروع اتفاق وقف إطلاق النار الذي عملت عليه اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 في جنيف برعاية الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حتى تتمكن البلاد من استغلال كافة الإمكانات المتاحة كأولوية لاحتواء أزمة فيروس كورونا، وأبرزها استئناف إنتاج النفط بإشراف المؤسسة الوطنية للنفط.

وفي خطوة تهدف إلى وضع حدّ لاستمرار تدفق الأسلحة على ليبيا، أطلق الاتحاد الأوروبي عملية بحرية للتصدي لخرق القرار الدولي بحظر التسليح على ليبيا تبدأ الشهر المقبل.ولكن وكالة "ريا" الروسية للأنباء ذكرت السبت أن الفرقاطة الفرنسية "بروفانس"، والتي تعمل كجزء من عملية "الحارس البحري" في البحر المتوسط، أجبرت سفينة شحن تركية على تغيير مسارها، بعد الاشتباه بأنها تحمل أسلحة وصواريخ مضادة للطائرات الى ليبيا.

وأوضحت الوكالة الروسية أن تركيا تنتهك بشكل منهجي حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، مبينة أن هذه السفينة كانت تنقل أنظمة صواريخ مضادة للطائرات لصالح حكومة الوفاق في طرابلس.كما قامت تركيا بتزويد صفوف حكومة الوفاق بعدد من الإرهابيين من سوريا، هذا ويساهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصعيد التوتر في البلاد بالتدخل في الأزمة الليبية.

ويشير تورط تركيا في نقل واستخدام الطائرات المسيرة داخل ليبيا الى مدى انخراط نظام أردوغان في دعم المليشيات المسلحة والعناصر المتطرفة ومسؤوليته عن دماء الكثير من الليبيين.وتؤكد المؤشرات على الأرض أن أردوغان في طريقه الى هزيمة أخرى على الأراضي الليبية حيث يتجه الجيش الليبي نجو اجتثاث الموالية لأنقرة من العاصمة الليبية واستعادة سلطة الدولة واعادة بنائها بما يضمن عدم التدخل الخارجي في شؤونها ونهب ثرواتها.

وقال بيان لشعبة الإعلام الحربي بالجيش الوطني، مساء أول من أمس، إن قواته استهدفت عدداً من العربات والآليات في منطقة بوقرين، التي تقع شرق مصراتة بغرب البلاد، وأسرت أربعة أفراد من "مجموعات الحشد الميليشياوي".وتحدث بيان للمركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة بالجيش الوطني عن سقوط نحو مائة، ما بين قتيل وجريح، ممن وصفهم بـ"مرتزقة" الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بعد هجومهم على قوات الجيش في هذه المنطقة، موضحاً أن إصاباتهم تراوحت ما بين متوسطة وحرجة.

وأعلن الجيش الوطني الليبي، يوم الجمعة 27 مارس/آذار، بسط سيطرته على مدن الجميل ورقدالين وزلطن والعسة غربي البلاد، مؤكداً أن هذه المناطق تنعم الآن بالحرية والأمن والأمان بعد طرد قوات حكومة الوفاق منها".وقال الناطق الرسمي باسم القائد العام للجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري في بيان صحفي:"نبشركم بأن قوات الجيش الوطني الليبي الباسلة تمكنت بحمد الله من تطهير مناطق العسة والجميل ورقدالين و زلطن، من سيطرة ميليشيات الوفاق ومرتزقتها السوريين الذين فروا هاربين أمام تقدم قواتنا الباسلة".

ويأتي التصعيد الخطير في القتال والذي تؤججه تركيا والمليشيات الموالية لها،وسط مخاوف كبيرة من تفشي فيروس "كورونا" المستجد خاصة مع اعلان المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا اليوم الأحد 29 مارس/أذار 2020، عن تسجيل 5 إصابات جديدة بفيروس كورونا المستجد، لترتفع الحصيلة إلى 8 حالات.

ويعاني قطاع الصحة في ليبيا من واقع مأساوي بعد سنوات من الفوضى أضرت كثيرا بالبنية الصحية للبلاد.وتخوفت بعثة الأمم المتحدة، والسفير الأميركي لدى ليبيا، من "خطورة التهديد الذي يمثله استمرار القتال على النظام الصحي الليبي، المثقل بالأعباء بالفعل بعد سنوات من العنف والاضطرابات، على الجهود المبذولة لوقف انتشار وباء فيروس كورونا.

وأعربت البعثة الأممية عن دعمها القوي للنداءات الصادقة، التي أطلقها مؤخراً عدد من الشخصيات الليبية من مختلف التوجهات والاختصاصات والمناطق، وقالت في بيان لها مساء أول من أمس، إنها تضم صوتها إلى صوتهم في الدعوة إلى تناسي الخلافات، وتضافر الجهود في التصدي لخطر انتشار الفيروس، عبر تعاون جميع الجهات المعنية من أجل حماية الليبيين من هذا الخطر المحدق بليبيا وشعبها.

كما أعرب ريتشارد نورلاند، السفير الأميركي لدى ليبيا، في رسالة مفتوحة، وجهها مساء أول من أمس إلى القيادة السياسية والعسكرية في ليبيا والشعب الليبي، عن قلقه العميق إزاء تهديد قاتل لليبيا يلوح في الأفق.وطالب المسؤول الأميركي بتجميد فوري لنشر المقاتلين الأجانب، الذين قال إنهم يخاطرون بنشر المزيد من وباء "كورونا"، لافتاً إلى أن بلاده التي تقر بمسؤولية الأطراف الخارجية في تأجيج الصراع، بصدد "معالجة ذلك الأمر عبر القنوات الدبلوماسية"..

ويعاني العالم من أزمة صحية بسبب فيروس كورونا أو كما يطلق عليه "كوفيد 19" ولديه قدرة كبيرة على سرعة الانتشار وانتقال العدوى بين آلاف الأشخاص.وبالرغم من التدابير والاجرءات الكبيرة التي اعتمدتها السلطات الليبية منذ أيام ومنها حظر التجوال واغلاق الحدود والموانئ،فان المخاوف تتصاعد في ظل تأكيدات أن القطاع الصحي في ليبيا ليس قادرا على مواجهة الجائحة الخطيرة التي عجزت أمامها دول متقدمة الى حد الآن.