حجر أساس أبيض بجانب شاطئ مهجور قرب ميناء سوسة الليبي الهاجع هو كل ما يظهر من حلم عمره سبع سنوات لبناء أحد أكبر الموانئ في شمال إفريقيا.

حجر أساس أبيض لانشاء ميناء سوسة في منطقة سوسة في ليبيا في صورة التقطت يوم 10 فبراير شباط 2019. 

لكن مسؤولين يقولون إن ليبيا الآن في المراحل الأخيرة من محادثات لترسية اتفاق بقيمة 1.5 مليار دولار على شركة أمريكية لإقامة ”ميناء عملاق“ يهدف إلى تحويل الساحل النابض بالحياة، الذي ترتاده الأسر للتنزه، إلى مركز كبير للحاويات.

وأكدت شركة جويدري جروب للأمن، التي مقرها تكساس، لرويترز أنها تخطط لتوقيع اتفاق مدته 35 عاما لبناء وتشغيل المشروع في منطقة احتلها يوما ما الإغريق، قبل أن تسلمه إلى السلطات المحلية.

ومثل هذا الاستثمار الأجنبي الكبير سيكون أمرا نادرا لليبيا.

وبنبرة متحمسة، قال صلاح الحاسي أحد المهندسين الرئيسيين للمشروع ورئيس فرع مصلحة الموانئ والنقل البحري بشرق البلاد في فيلته المتواضعة التي تحولت إلى مكتب إنه أكبر سفن الحاويات سيكون بمقدورها الرسو.

وقال عبد الله الحاسي، وهو مستشار لجويدري، إن عمق البحر الذي يصل إلى 40 مترا سيتيح لسفن الحاويات تحميل السلع على متن سفن أصغر تتجه إلى مدن ليبية أخرى وكذلك دول مجاورة مثل مصر وتونس لا تحوي موانئ مماثلة.

وتحتاج ليبيا بشكل عاجل إلى وظائف للشبان الذين ليس أمامهم إلا الانضمام للقطاع العام.

وقال مستشار جويدري إن الشركة تريد الفوز باستثمار محلي وأجنبي للمساعدة في التمويل وإنها ترغب في بدء البناء في أكتوبر تشرين الأول.

وقالت جويدري: ”من المتوقع أن يأتي تمويل مشروع ميناء سوسة من مصادر متنوعة، بما في ذلك وكالات دولية متعددة الأطراف، ومؤسسات مالية كبرى ومستثمرين في تمويل المشاريع العالمية لأن هذا المشروع هو شراكة بين القطاعين العام والخاص“.

والشركة متخصصة بشكل تقليدي في حسم حالات الخطف وطلب الفدية، لكنها تتوسع حاليا في البنية التحتية.

ونقلت ليبيا هيرالد عن مايكل جويدري الرئيس التنفيذي للشركة قوله العام الماضي ”ليبيا مكان موات للعمل والاستثمار في الوقت الحالي. لا أريد أن يكون الصين أو الروس في ليبيا أولا... أريد الحصول على موطئ قدم هناك الآن“.

وبخلاف التمويل، هناك تحديات أخرى كبيرة.

في البداية، ما زالت ليبيا بحاجة إلى إصلاح طرقها التي تنتشر فيها الحفر وبناء بنية تحتية للسكك الحديدية.

وعلي سبيل المثال، الطريق من سوسة إلى المدينة التالية الكبيرة وهي البيضاء غير مناسب للشاحنات إذ أنه يلتف حول منحدرات حادة مع مناظر خلابة لمقابر صخرية رومانية لكن دون سياج.

كما يخشى البعض احتمال أن يدمر الميناء مواقع تاريخية قديمة.

وسوسة، بميناء الصيد الخامل بها إلى جوار أعمدة معبد تاريخي وأيضا بعض المواقع الأثرية التي تغمرها المياه، قريبة من مدينة القيروان الجبلية التي أنشأها الإغريق.

وقال أحمد حسين رئيس مصلحة الآثار في شرق البلاد إن لديه مخاوف حقيقية من هذا المشروع الذي يُبنى بالقرب من سوسة. ويخشى حسين من احتمال أن تتعرض آثار تعود إلى عصر البطالمة للتدمير إذا أدى الميناء إلى طريق ساحلي جديد يمتد من سوسة إلى بنغازي.

وللتغلب على بعض المخاوف، يقول مخططو المشروع إن الميناء سيُشيد على بعد خمسة كيلومترات خارج سوسة.

وهم يهدفون إلى أن تستغل ليبيا بشكل كامل موقعها المتميز على البحر المتوسط لتصبح مركزا تجاريا رئيسيا بين إفريقيا وأوروبا. وفي الوقت الحالي، فإن الشريط الساحلي الليبي أكثر شهرة في نقل المهاجرين غير الشرعيين.

وقال صلاح الحاسي إن ميناء سوسة سيكون بمقدوره مناولة بضائع من شرق آسيا وأوروبا وأمريكا إلى إفريقيا.

ودشن مسؤولون فكرة المشروع في 2012 حين بدت ليبيا متأهبة لإجراء انتخابات سلمية. ومنذ ذلك الحين، بدأ الوضع الأمني يتدهور على الرغم من أن شرق البلاد أكثر استقرار من الغرب.

وتدير حكومتان متنافسان شرق البلاد وغربها، رغم أنهما تتفقان على الحاجة إلى ميناء كبير جديد بالنظر إلى الحالة البالية للموانئ القائمة. وسيكون ميناء سوسة أعمق من مصراتة أكبر موانئ ليبيا والذي يوجد في منطقة حرة في الغرب.

وسيتولى الجيش الوطني الليبي المتمركز في الشرق والذي يقوده القائد العسكري خليفة حفتر توفير الأمن في البداية.

وعلى مدى ساعة، دافع الحاسي بحماس عن رؤيته في مواجهة مخاوف من أن الميناء قد يكون مشروعا آخر مرتفع التكلفة دون استخدام من بين الكثير من المشروعات المماثلة حول إفريقيا. وقال إن هذا الاستثمار سيغير العقلية الليبية.

ومال المواطنون الذين أجرت رويترز مقابلات معهم إلى الموافقة.

وقال سفيان العبيدي، وهو صياد وطالب يدرس الصيدلة يأمل في أن يوفر له مشروع الميناء مستقبلا مهنيا، إن الكثير من الشبان هنا لا يملكون وظيفة.