في الوقت الذي تصاعدت فيه وتيرة الأحداث العسكرية بعد إعلان القيادة العامة للجيش عن انطلاق ساعة الصفر والتقدم نحو السيطرة على طرابلس لا زالت الدول الكبرى المعنية بالملف الليبي تتقدم نحو وضع حل سياسي في ليبيا، والأنظار الدولية تتجه نحو ذات الحل والعزم على عقد مؤتمر برلين بشأن ليبيا في أقرب وقت.
إلّا أنه في خضم هذا السعي للوصول لحل سياسي،يعيش المجتمع الدولي على وقع صراع محموم تدور رحاه على وقع الصراع في ليبيا.
ردود الفعل الدولية تجاه إعلان معركة الحسم لم تكن واضحة من حيث الرفض أو الترحيب غير أن التركيز على الشأن الليبي تمثل في العمل على إنجاح مؤتمر برلين في أقرب الآجال وهذا ما أكدته فرنسا وألمانيا وإيطاليا في لقاء جمع رؤسائها الجمعة في بروكسل إضافة إلى إعلان تضامنهم مع اليونان وقبرص تجاه ما وصفوها بالاستفزازات التركية في المتوسط.
ومازال اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، الذي وقع في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يثير المزيد من الجدل وردود الفعل خاصة على المستوى الإقليمي، في وقت يرى فيه البعض، أن ما أثاره الاتفاق من جدل بين أطراف اقليمية مختلفة، داعمة لطرفي النزاع في ليبيا، يبرز من جديد أن البلاد ماتزال موضع صراع إقليمي عبر وكلاء.
وتبدو الأطراف الإقليمية المشتبكة في هذا الصراع، على طرفي نقيض تماما، إذ أن كلا من مصر واليونان وفرنسا، رفضت جميعها الإتفاق الأخير، وكذلك رفضته دولة الإمارات العربية المتحدة، ووصفته بالتغول التركي في المنطقة، وأنه يمثل انتهاكا للقانون البحري،في حين تراه تركيا يعيد التوازن للمنطقة، وتعتبره يحقق أولوية من أولويات أمنها القومي، إذ ترى أنه نجح في كسر الطوق البحري الذي سعى لعزلها، والمكون من مصر واليونان والشطر اليوناني من قبرص.
وكانت اليونان قد طردت سفير الحكومة الليبية لديها، تعبيرا عن غضبها من الاتفاق، وقال وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، في بيان صحفي، إن السفير محمد يونس المنفي، أمامه 72 ساعة لمغادرة البلاد، واصفا الاتفاق الليبي التركي بأنه "انتهاك سافر للقانون الدولي"، وكنت اليونان قد طالبت السفير الليبي لديها، بتزويدها بالنص الذي يحوي تفاصيل الاتفاق.
وتظهر كل تلك المناوشات، كيف أن ليبيا بكل تعقيداتها الداخلية، تحولت أيضا إلى نقطة صراع بين قوى إقليمية، تأتي على رأس أحدها تركيا، بينما تضم الأخرى دولا، مثل مصر و الإمارات والسعودية، هذا بجانب قوى ضمن منطقة المتوسط، مثل اليونان وفرنسا.
لم يعد خافيًا الخلاف أميركي- روسي بشأن كيفية إدارة الأزمة في ليبيا، بعدما أبدت واشنطن انزعاجها من حضور روسي متنامٍ في الصراع الليبي، بينما نفت روسيا، المزاعم الأميركية، في خطوة قد ترفع من حدة التوتر بين البلدين، وتجعل من ليبيا مسرحاً جديداً للمواجهة بين أميركا وروسيا.
من ذلك، يرى مراقبون أسباب القلق الأميركي من التواجد الروسي في ليبيا مرده التنافس على النفوذ في ليبيا وفي العالم، حيث يعتبر كل بلد أن ليبيا من ضمن مناطق نفوذهما، موضحاً أن أميركا لا تبحث الحصول على مصالح واتفاقيات اقتصادية من ليبيا، بقدر ما يهمها حرمان الروس من مناطق نفوذ جديدة في العالم، ومنع عودتهم إلى ليبيا من جديد، بعد انتهاء تأثيرهم فيها عقب سقوط نظام الزعيم الراحل معمر القذافي.
في سياق متصل،يعتبر مراقبون أن المحرّك الرئيسي للصراع المحتدم أو الحرب بين القوى الدولية مردّها بالأساس المعطى الإقتصادي.
وتغري عقود إعادة الإعمار في ليبيا هذه الأطراف التي تسعى للبحث عن موطئ قدم في المشروعات المرتقبة حيث بدأ حديث الأوساط الاقتصادية المحلية والدولية عن خطط إعادة إعمار ليبيا التي تقدر تكلفتها مليارات الدولارات.
ويقدر البنك الدولي فاتورة إعادة إعمار ليبيا بنحو 100 مليار دولار، فيما أشار رئيس الاتحاد الليبي للمقاولين، عبد المجيد كوشير، إلى رصد 300 مليار دينار لإعادة الإعمار. مشيرا - خلال مؤتمر اقتصادي في مصر في شهر يونيو- إلى الحاجة لأكثر من ثلاثة ملايين عامل مدرب.
في ذات الصدد،تحدثت فورين بوليسي في عددها ليوم 22 أغسطس 2019 عن الصراع الخفي الدائر بين القوى العظمى حول إعادة إعمار ليبيا بعد أكثر من أربعة شهور من اندلاع الحرب على طرابلس.
وأكدت الصحيفة الأمريكية أن التنافس حول عقود إعادة الإعمار المربحة يجعل الصين وروسياوفرنسا وإيطاليا وغيرها تمنع الصراع من الانتهاء. وأن الوضع الحالي بجموده ومراوحته يلعب لمصلحة الصين وروسيا باعتباره سوف يفتح الإمكانية لإعادة توزيع الأوراق في علاقة بصناعة النفط والغاز، ويمنح الأمل للروس والصينيين في الحصول على نصيب من الكعكة الليبية في اطار المحاصصات التي قد يتم إبرامها تحت الطاولة حسب موازين القوى وقدرة كل قوة على التأثير في مجريات المواجهة بين الفرقاء الليبيين. ففي الوقت الذي يتطلع الصينيون إلى مزيد تثبيت الأقدام في قطاع الإنشاءات والبنية التحتية والنفط، يبدو الروس أكثر ميلاً إلى مجالات الغاز والتسليح وتوريد التقنية.
ويمثل اعادة الاعمار في ليبيا فرصا تجارية كبيرة لاطراف كثيرة في انحاء العالم ولن تستطيع اي دولة من الدول ان تنفرد وحدها بكعكة اعادة البناء. وهو ما يجعل الصراع علي الفوز بأكبر قدر من عمليات اعادة الاعمار هدفا رئيسيا للعديد من الدول وفي مقدمتها فرنسا وايطاليا وبريطانيا وامريكا.