لا يزال وضع حكومة الوفاق هشا، فرغم بعض المكاسب التي حققتها وأهمها نجاحها في تحرير سرت من تنظيم "داعش"، فإن حكومة السراج، مازالت تقف عاجزة عن حل الأزمات التي تشهدها ليبيا وأهمها بسط السيطرة على العاصمة طرابلس التي تعانى من أزمات معيشية طاحنة فى ظل هيمنة الميليشيات المسلحة عليها

ويعتبر الكثيرون أن حكومة الوفاق رهينة لجماعة "الاخوان" التي تسعى لبسط سيطرتها على الدولة ومواردها. وعززت تعيينات السراج لقيادات في جماعة الإخوان المسلمين، فى مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار، هيمنة الإسلاميين على الاقتصاد الليبي والمؤسسات الحيوية في البلاد كالمصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط. 

والمؤسسة الليبية للاستثمار هي صندوق سيادي للثروة الليبية، تأسست عام 2006، وتدير بحسب الأرقام التي أُعلنت حتى تاريخ 31-12-2018 نحو 67 مليار دولار من أموال قطاع النفط في ليبيا من خلال استثمار 550 شركة مختلفة التخصصات وعاملة في مجالات عديدة حول العالم، وذلك على أمل إيجاد مصادر دخل أخرى للبلاد غير النفط. 

وتشهد هذه المؤسسة تخبطا وفراغا غير مسبوقين، بعد إيقاف رئيسها علي حسن على ذمة التحقيق في شبهة فساد، بالإضافة إلى تردد أنباء عن علاقتها بالإفراج عن الأموال الليبية المجمدة في بلجيكا. 

وجاءت هذه الاتهامات هذه المرة من حلفاء السراج، حيث هاجمت قوة حماية طرابلس، وهي أكبر فصيل عسكري في العاصمة طرابلس، السبت، رئيس حكومة الوفاق الليبية، واتهمته بتسليم المؤسسات المالية والاقتصادية لتيار الإسلام السياسي، وذلك عقب تعيين السراج لقيادات محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين في مناصب عليا بالمؤسسة الليبية للاستثمار

وقرّر السراج، السبت 23 فبراير 2019، تعيين القيادي في جماعة الإخوان المسلمين مصطفى المانع، عضوا بمجلس إدارة مؤسسة الاستثمار (الصندوق السيادي لثروة ليبيا)، ومدير مكتبه يوسف المبروك نائبا لرئيس مجلس إدارة المؤسسة، بصلاحيات مدير عام، وهي التعيينات التي أثارت جدلا في ليبيا، ووصفت بـ"المشبوهة

واعتبرت قوة حماية طرابلس، في بيان، أن هذه الخطوة "ليست سوى حلقة في مسلسل العبث الإداري والمالي الذي يمارسه السراج منذ فترة طويلة، وتمكينا لجماعة مؤدلجة ينبذها الشارع الليبي بقوة من مفاصل الدولة"، مشيرة إلى أن "هذه القرارات غير قانونية، لأنها تصدر بصفة فردية لا يخولها له القانون بموجب الاتفاق السياسي الموقع عام 2015

وأكدت القوة أن "الشعب الليبي يتابع ما يجري من عبث مستمر، وبات واعياً ومدركاً تماماً لحجم الفساد والهدر الذي يطال مقدراته وقوت الأجيال القادمة عبر مجموعات بعينها تدور في فلك المجلس الرئاسي وتشبه العصابات، حتى إنها باتت معروفة بالاسم للقاصي والداني، وقد أزكم فسادها الأنوف في وقت يعاني فيه شعبنا ضنك العيش يوما بعد يوم

وأشارت القوة الى أنها "لن تنصاع للمجلس الرئاسي وقراراته ما لم تكن صادرة بإجماع أعضائه التسعة وفقًا للآليات المعروفة التي حددها الاتفاق السياسي نفسه، مشيرة إلى أن "بيانها ليس تدخلا فى عمل مؤسسات الدولة أو مخالفة لاختصاصاتها، لكنه جاء انطلاقا من العبء الأخلاقي عليها"، كما وصفت. 

و"قوة حماية طرابلس"، هي تحالف بين مليشيات طرابلس المسلحة الرئيسية الموالية لحكومة الوفاق، وهي "قوة الردع الخاصة" و"كتيبة ثوار طرابلس"، و"كتيبة النواصي"، و"الأمن المركزي أبوسليم"، وقد أعلن عنه شهر ديسمبر من العام 2018، عقب الاشتباكات الدامية التي شهدتها مناطق جنوب العاصمة

ولا يعتبر القياديان الإخوانيان المعينان حديثًا أول مَن يحل على رأس مؤسسة مالية أو اقتصادية في ليبيا، إذ يعاني الجهاز المالي الليبي من وقوعه تحت سيطرة أفراد من جماعة الإخوان. ففي أكتوبر الماضي أعلن فايز السراج تعيين علي العيساوي -المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين والمتهم من قبل المدعي العام العسكري الليبي بقتل اللواء عبدالفتاح يونس- وزيرا للاقتصاد في حكومته. ورغم تسجيل السلطات شرق البلاد -وخاصة الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر- رفضها لذلك التعيين، إلا أن السراج لم يعر ذلك الاعتراض أية أهمية. 

وتمتد هيمنة الاسلاميين على المصرف المركزي بطرابلس، حيث ينتمي كل أعضاء ما يعرف بالهيئة المركزية للرقابة الشرعية بالمصرف لجماعة "الاخوان"، فيما يترأس اللجنة المعنية بمراجعة العمليات المصرفية والتأكد من مطابقتها للشريعة، حمزة أبوفارس، الذي أٌدرج على قوائم الإرهاب الموضوعة من قبل دول الرباعي العربي (مصر، الإمارات، البحرين، السعودية)، على خلفية علاقته بقطر

وبالإضافة الى أبو فارس، يعتبر الإخواني فتحي خليفة يعقوب، هو الآخر أحد القائمين على المصرف الليبي، وأظهرت وثائق جهاز الأمن الداخلي رقم 5081 انتمائه لتنظيم الإخوان وعمله بفاعلية في التنظيم، كما أنه حلقة الوصل بين عناصر التنظيم في ليبيا ومصر، ومطلوب في إحدى القضايا من قبل الادعاء الشعبي سنة 2000

ويضم المصرف المركزي ايضا كلًا من أسامة محمد الصلابي الذي يتنقل بين تركيا وقطر ومدن غرب ليبيا واتهم بانتمائه للإخوان، وسالم عبدالسلام الشيخي الذي أمضى سنتين في سجن "أبو سليم" من عام 1986 إلى عام 1988، بتهمة الانتماء فكريًّا وعقائديًّا إلى جماعة الإخوان في ليبيا، كما أنه أصدر عام 2015 ضمن 160 داعية إخوانيًّا بيانًا زعموا خلاله أنه يجب على الأمة الإسلامية التخلص من النظام المصري؛ حفاظا على ما وصفوه المقاصد العليا للإسلام

وترسخت هيمنة "الاخوان" على مصرف ليبيا المركزي منذ تعيين الصديق الكبير محافظا للمصرف ودافعوا عن بقائه هم وحلفاؤهم الإقليميون والدوليون رغم إقالته من قبل مجلس النواب سنة 2014. وأوقف الجيش الليبي في يوليو الماضي ضخ النفط واشترط إقالة الصديق الكبير، وتشكيل لجنة تقصّي حقائق دولية للتحقيق في دعم المصرف للجماعات الإرهابية، مقابل استئناف الإنتاج من جديد. 

وتأتي اتهامات "قوة حماية طرابلس"، لتزيد من حدة الأزمات المتصاعدة التي تواجهها حكومة الوفاق الليبية، والتي باتت تتخبّط في صراعات سياسية متلاحقة. حيث يواجه السراج، هجمات وانتقادات حادة، من قبل أعضاء في المجلس الرئاسي لتفرده باتخاذ القرارات، في مشهد يشير إلى تعمق وتصاعد الخلاف السياسي بين أعضائه

ففي يناير الماضي، شنّ أعضاء من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، هجومًا غير مسبوق على رئيس المجلس فايز السراج، وحمّلوه المسؤولية عمّا أسموه بـ"الانهيار الوشيك" لمؤسسات الدولة الليبية. واتّهم الأعضاء الثلاثة، وهم أحمد معيتيق وفتحي المجبري وعبد السلام كاجمان، السراج بقيادة البلاد نحو مجهول قد يقودها لصدام مسلح من جديد، مؤكّدين أنّه يتحمّل تبعات وتداعيات الانهيار الوشيك لمؤسسات وهياكل الدولة وتشظي ليبيا الأمر الذي سيعود بالليبيين إلى نقطة صفر

ومؤخرا، كشفت الحرب التي يشنها الجيش الوطني الليبي على التنظيمات الارهابية والعصابات الأجنبية في الجنوب على انحياز حكومة الوفاق لجماعة الاخوان وخضوعها لضغوطها. حيث سارع رئيس المجلس الرئاسي لانتقاد العمليات العسكرية وحاول عرقلتها من خلال ارسال قوات للجنوب وتعيين "علي كنه" آمرا لمنطقة سبها العسكرية، في محاولة لاستمالة أنصار النظام السابق

ووصل الأمر الى حد لجوء حكومة الوفاق الى مجلس الأمن الدولي حيث طالب مبعوثها في الأمم المتحدة بالتدخل ضد الجيش الليبي. واعتبر مراقبون أن تلك التحركات تعكس حالة الارتباك والتخبط اللذين يعاني منهما السراج وحكومته، في التعامل مع العملية العسكرية للجيش الليبي لتحرير الجنوب من الفوضى وانتشار عصابات التهريب والإرهاب

وأمام التصعيد الذي انتهجته حكومة الوفاق ضد الجيش الليبي، سارعت الحكومة المؤقتة شرق البلاد، الى مطالبة كافة الاجهزة التابعة لها بعدم التعامل مع المجلس الرئاسي والأجسام التابعة له. وأوضحت الحكومة المؤقتة في بيان لها أن المجلس الرئاسي لم يمنح الثقة من قبل مجلس النواب وهو ما يعد مخالفة صريحة للمواثيق والأعراف الدستورية والقانونية، مؤكدة أنها تدعم الوفاق الوطني الحقيقي الذي يلبي متطلبات المرحلة وينهي الانقسام السياسي الذي تعيشه البلاد

ويأتي هذا القرار بعد إعلان وزارتي الداخلية بالحكومة المؤقتة والوفاق الوطني خلال الأسابيع الماضية عن تنسيقهما المشترك في المجال الأمني وربط المنظومات في كامل مناطق ليبيا. ويرى متابعون للشأن الليبي أن استعداء السراج للجيش الليبي بضغط من تيار الاسلام السياسي من شأنه اجهاض كل محاولات التقارب الممكنة بين الأطراف المتصارعة

وكانت لجنة الدفاع والأمن القومى فى مجلس النواب الليبى، اتهمت الخميس 07 فبراير، المجلس الرئاسى فى طرابلس بالتحالف مع القاعدة وتنظيم الإخوان الإرهابى برعاية قطرية، لضمان البقاء فى ظل الفوضى وانعدام الأمن بالبلاد. وطالب رئيس اللجنة، طلال الميهوب، بالوقوف صفا واحدا خلف المؤسسة العسكرية الليبية لطرد العصابات المتواجدة فى الجنوب، وإفشال مشروع قطر فى بلاده، ورفض كل ما يصدر عما يعرف بالمجلس الرئاسى الليبى، وتحديدا فى الأمور العسكرية

ويرى مراقبون، أن حالة من الغضب تسيطر على السكان والعسكريين الليبيين فى المنطقة الغربية بسبب رضوخ السراج لجماعة الإخوان فى ليبيا، التي تعمل ضمن أجندات خارجية تسعى لتعزيز نفوذ دول على غرار تركيا وقطر فى ليبيا ودعم مصالحها أولا حتى لو تعارض ذلك مع مصالح الشعب الليبى الذي يعيش منذ العام 2011 في أتون أزمة أرهقته.