في 20 أكتوبر 2011، أُخرج الزعيم الليبي السابق معمر القذافي العقيد من مخبئه، ليلقى نهايته الشائنة. واليوم ، تبدو ليبيا بعد مرور خمس سنوات على قدر من السوء لا يمكن تصوره. لا سلطة مركزية هناك ، القتل والخطف والتعذيب في انتشار ، والاقتصاد تقريبا على ركبتيه.

البلاد أصبحت مجزأة بشكل يصعب إصلاحه. ويبدو أن صرخات الانتصار التي رافقت الإطاحة بالقذافي كانت ربما في غير محلها. كثير من الفوضى التي اكتنفت البلاد طالت الليبيين أنفسهم. يجب وضع اللوم بشكل مباشر على سماسرة السلطة الليبية الجديدة في الخلافات المستمرة والحروب المحلية التي تحجب كل إحساس جيد بالوطنية .

وهناك أيضا إرث أربعين عاما من حكم لا يرحم كانت رؤيته للدولة تجريد البلاد ، مؤسسات وشعبا ، من أي ثقافة سياسية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإسقاط المفاجئ للغاية للسلطة المركزية كان سيعني دائما أن البلاد سوف تعاني للوقوف على قدميها. ولكن المجتمع الدولي لعب لعبة سيئة للغاية أيضا، ويجب أن يتحمل بعض المسؤولية عمّا حدث من أخطاء منذ عام 2011.

وبصرف النظر عن الحق والباطل في تدخل حلف شمال الأطلسي في حد ذاته، فإن الدول الغربية نهجت منذ الإطاحة بالنظام السابق سياسة مليئة بالثغرات وقصر النظر، وهو ما جعل الوضع أسوأ.

بدءا بقرارها الدفع نحو انتخابات برلمانية بعد أقل من سنة على انهيار القذافي، في بلد لم تكن فيه أحزاب سياسية راسخة ، ناهيك عن مؤسسات لدعم أدوات الحكم، مرورا بغضها الطرف عن الفظائع التي ارتكبها خليط من الثوار القادمين إلى السلطة حديثا بعد طرد القذافي ، وصولا إلى مغازلة سماسرة السلطة المحلية بموازاة إعادة بناء سلطة مركزية ، لم يفعل المجتمع الدولي شيئا يذكر لمساعدة الليبيين على طريق التصالح مع ماضيهم أو بناء دولة.

وألحق المجتمع الدولي معظم الضرر، من خلال دعمه لعملية سلام عالية وغير مدروسة، تُوجت بفرض حكومة لا تعدو أن تكون "تسوية" ليس إلا.

عملية سلام معيبة

انطلقت عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في سبتمبر عام 2014 بعد أن انقسمت ليبيا قد إلى سلطتين متنافستين سياسيا. في غرب البلاد كان هناك المؤتمر الوطني العام الذي تدعمه مجموعة من الميليشيات من مصراتة، والعاصمة وغيرها من المدن الغربية. هذه القوى، وكثير منها إسلامي التوجه، اجتمعت في صيف عام 2014 لإجبار المعارضين على الخروج من العاصمة.

وفي الشرق ، كان مجلس النواب المنتخب حديثا، الذي تم الاعتراف بها دوليا باعتباره السلطة التشريعية في ليبيا والذي تحالف مع ضابط متقاعد في الجيش، خليفة حفتر، جمّع مجموعة من القوات حوله لدحر متشددين إسلاميين في بنغازي. وأصر كل من مجلس النواب والمؤتمر على أنه يمثل السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد وحارب للسيطرة على موارد ليبيا والمؤسسات الوطنية.

مسلسل الأمم المتحدة السلام ، والتي كان من المفترض أن تجمع هذه القوى المتنافسة معا، ربما كان ينطوي على حسن نية، ولكنه كان معيبا من البداية. الأهم من ذلك ، أنها راهنت على الجهات الخاطئة، وعقدت جلسات حوار لا تنتهي بين ممثلي مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام على الرغم من أن أيا من هذه المؤسستين لا يملك نفوذا حقيقيا على أرض الواقع. وبدلا من ذلك، كانتا دائما تتحركان بإيعاز من القوى العسكرية والثورية التي تقود الصراع.

وبالإضافة إلى ذلك، ظهرت الأمم المتحدة طوال عملية التفاوض الطويلة والمحفوفة بالمخاطر، بمظهر المتخبط بين الجانبين، تقف تارة مع هذا الطرف وتارة أخرى مع الطرف الثاني، بل وعدّلت مرارا وتكرارا نص الاتفاق السياسي بما يتماشى مع رغبات أي جانب كان يهدد بمقاطعة العملية. وكانت نتيجة التحرك اليائس للأمم المتحدة من أجل الحصول على صفقة موقعة ، مشاريع اتفاقات متراكمة ، لتُتهم من الجانبين بكونها منحازة للآخر.

وأساءت الأمم المتحدة لنفسها كذلك عندما حاولت في أكتوبر من عام 2015 وفي محاولة للوفاء بالموعد النهائي الخاص بها ، حاولت سحب البساط من تحت الطرفين من خلال الإعلان عن حكومة وحدة ومن تلقاء نفسها. وكما كان متوقعا كان ذلك كافيا لجر اتهامات غاضبة عليها بانتهاك السيادة الوطنية ، ما اضطرها إلى التراجع.

كل هذا يعني أنه عندما تم التوقيع على اتفاق سياسي في نهاية المطاف في ديسمبر 2015، لم يكن ينقصه فقط التأييد من القوى الفاعلة، بل كان يُنظر إليه على أنه شيء تم فرضه من الخارج. بالإضافة إلى ذلك، ومن فرط الحرص على الحصول على اتفاق موقع، فإن الاتفاق وضع القضايا الشائكة جانبا.

عامل داعش

ولكن القوى الغربية لم تكن تبالي على ما يبدو. وأوجد ظهور داعش الذي سيطر على سرت في فبراير عام 2015، أمرا ملحا جديدا في دوائر صنع السياسات الغربية وأصبح الشغل الشاغل كيفية تأسيس نوع من حكومة الوفاق والتي يمكن أن تجيز التدخل العسكري الأجنبي ضد التنظيم. وبالتالي، كان الحصول على اتفاق أكثر أهمية من الاتفاق نفسه.

بالنسبة لبعض الليبيين، كان هذا أمرا محيرا. على الرغم من كل هذه الهستيريا حول داعش ليبيا في وسائل الإعلام الغربية، كان الواقع يقول ، إن التنظيم ، ورغم أنه بغيض بكل تأكيد، يقتصر وجوده على منطقة صغيرة ولم يثبت قدرته على التمدد بأي طريقة مجدية. في الواقع، كان هناك مجموعة من العوامل البنيوية والاجتماعية في ليبيا، بما في ذلك قبائل البلاد، والتي كانت دائما تعرقل نمو داعش. وبالتالي كان داعش بالنسبة لكثير من الليبيين، أقل مشاكلهم شأنا.

لكن المجتمع الدولي عاند، وساق ليبيا للتوقيع على الاتفاق السياسي ديسمبر 2015 وتشكيل حكومة جديدة، أو على الأقل مجلس رئاسة يمكن أن يؤيد تدخلها. ولكن مجلس الرئاسة هذا كان لا يصلح لهذا الغرض. ممَثلا بمجموعة ضعيفة ومنقسمة من الأفراد، الذين تم اختيارهم على أساس المنطقة التي ينحدرون منها وليس وفق ما يمكنهم أن يقدموه للبلد، لم يكن لهذا المجلس على الإطلاق أي قوة أو مصداقية على أرض الواقع. لذلك، عندما وصل إلى طرابلس في مارس 2016 كان هذا المجلس قد مات بالفعل.

ومنذ ذلك الحين ، تآكلت شرعية المجلس مع مرور الوقت مع إثباته أنه عاجز تماما عن التحكم في شبكة من الميليشيات. ولم يستطع أيضا، معالجة العديد من المشاكل التي تواجه المواطنين الليبيين العاديين مثل نقص الخدمات، ونقص الوقود، وارتفاع الأسعار وعدم دفع الرواتب. في أكتوبر عام 2016، ثار حتى الحرس الجمهوري الخاص بالمجلس ضد الأخير احتجاجا على عدم تلقي أجورهم.

وتآمر الحرس مع قوى أخرى منافسة في العاصمة، بما في ذلك رئيس حكومة المؤتمر، خليفة الغويل، للاستيلاء على جميع المباني الحكومية. فهل من الغريب أن يُتَّهم مجلس الرئاسة بتجاهل احتياجات الليبيين من أجل خدمة أجندة خارجية جعلت مكافحة داعش أولوية على حساب الدولة الليبية. تمكين من؟

في ما يتعلق الأمر بمكافحة داعش، يبدو المجتمع الدولي في طريقه لتحقيق أهدافه. فالتنظيم انهزم تقريبا في سرت وأيامه في ليبيا باتت معدودة بشكل واضح. ومع ذلك، فإن الدول الغربية ، انتهى بها المطاف من خلال هذه المعركة، إلى تمكين مجموعة من الميليشيات التي قد تكون على استعداد لتسخير نفسها لمجلس الرئاسة، ولكنها بالتأكيد ليست تحت سيطرته.

وكانت هذه الميليشيات على استعداد للقتال نيابة عن مجلس الرئاسة في ما كان محاولة انتهازية منها لتوطيد سلطتها وكسب الاعتراف بها كقوات الرسمية للدولة الليبية. والجدير بالذكر أن بعض هذه القوى التي تعززت بهذا الشكل هي نفسها إسلامية التوجه. ورغم أن إيديولوجيتها قد لا تكون متشددة مثل داعش، فإنها تلتزم أجندة متطرفة .

لكن ليس هذا كل ما في الأمر. فمن خلال حربه ضد داعش، عزز المجتمع الدولي القوة الإقليمية لمصراتة، التي قادت النضال ضد التنظيم. وقد غذى هذا مباشرة توترات إقليمية. وبالفعل، فإن القوى الرئيسية في الشرق، ممثلة في حفتر والقبائل الشرقية الداعمة له ، لا تزال ترفض الاتفاق السياسي ومجلس الرئاسة المنبثق عنه. ومن خلال الاستمرار في دعم مجلس الرئاسة من دون هذه القوات المهمة، يبدو المجتمع الدولي كما لو أنه يدعم جانبا واحدا في الصراع في ليبيا. والأسوأ أن مجلس النواب لم يعط بعد الدعم الرسمي لاتفاق سياسي، وهذا يعني في نظر الكثيرين، أن مجلس الرئاسة ليس كيانا قانونيا بعد.

ومع ذلك، فإن سياسة المجتمع الدولي أكثر تشويشا مما أشرنا إليه. ففيما كان الجميع ينتقد حفتر ورفاقه لرفضهم الاتفاق السياسي ويدعوهم لإعطاء دعمهم، قدمت بعض الدول الغربية مساعدة عسكرية سرية لهم في محاولة لسحق متشددين إسلاميين في بنغازي. واعترفت فرنسا علنا أن لديها أفرادا عسكريين متمركزين في شرق ليبيا، وكانت هناك أيضا تقارير عديدة عن وجود قوات بريطانية وأميركية خاصة . وهذا يعني أن المجتمع الدولي انتهى إلى تسهيل معركة حفتر ضد المتشددين الإسلاميين في شرق ليبيا، وفي نفس الوقت يساعد الميليشيات الإسلامية في غرب البلاد.

وليس من الغريب أيضا ، أن هناك دعوات متزايدة داخل ليبيا من أجل وضع حد للتدخل الأجنبي ولعملية سلام ليبية ليبية بحتة. وفي حين قد تبدو هذه المطالب نوعا من التهديد والوعيد من قبل بعض الأطراف في الصراع، إلا أنها تعكس الضرر الذي ألحقه المجتمع الدولي بمصداقيته في ليبيا. في الواقع، غذت سياسته قصيرة النظر التصورات بأنه يعتمد معايير مزدوجة ويخدم مصالحه ذاتية، وأنه أحبط الشعب الذي يدّعي أنه تدخل من أجله في عام 2011.

مأساة ليبية

ولكن مأساة ليبيا هي أنه بينما طال مسلسل السلام هذا، انحدرت البلاد نحو فوضى ويأس أعمق من أي وقت مضى . وقد وجدت أيضا نفسها تنجر إلى الحكم العسكري. خلال الأسابيع الأخيرة، انتقل حفتر الذي سيطر على أربعة منافذ نفطية الشرقية في سبتمبر، إلى ترسيخ سلطته من خلال تعيين قادة عسكريين ليحلوا محل مجالس محلية منتخبة. كما أنه عين عسكريين لتولي إدارة عدد من الشركات المملوكة للدولة. وفي مقابلة مع وسائل الإعلام في نهاية سبتمبر، أعلن حفتر: "العسكريون الذين انتُخبوا لقيادة بلادهم حققوا نجاحا ملحوظا ".

وردا على هذه العسكرة في الشرق، تشحذ الميليشيات والمجالس العسكرية في غرب ليبيا سيوفها، وتستعد لاحتمال مواجهة كبيرة أخرى مع حلفاء حفتر في العاصمة. وهكذا، فبينما تبدو ليبيا في طريقها لهزم داعش ، فهي بالتأكيد ليست أقرب إلى السلام، ناهيك عن الدولة المدنية التي حلم بها الكثير من الليبيين عندما انتفضوا ضد القذافي عام 2011. بينما لا أحد يدعي أن التعامل مع ليبيا أمر سهل، ينبغي للمجتمع الدولي على الأقل أن يسأل نفسه بعض الأسئلة الصعبة حول الدور الذي لعبه هناك.

*بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضمون التقارير والمقالات المترجمة