تطرَق الباحث الإيطالي في العلاقات الدولية ماتيا توالدو وأستاذ الدراسات الدولية كريم مزران في مقال نشر على الموقع الإيطالي إيسبي إلى التحركات المحتملة لإيطاليا في ليبيا، غداة الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى روما، في إطار جولته الأوربية الأولى بعد توليه منصب الرئاسة.
وذكر الكاتبان في المقال التحليلي المنشور على موقع إيسبي - موقع لمعهد الدراسات السياسات الدولية، وهو من أقدم المعاهد الإيطالية المتخصصة في الشؤون الدولية، أن ليبيا تعيش الآن حالة من الانقسام بين حكومتين وبرلمانين وتشهد معارك مسلحة عنيفة بين الأطراف الليبية المتنازعة.
وأوضحا أن لهذه الفوضى تداعيات خطيرة على المستوى الإقليمي ما زاد من مخاوف الدول القريبة من ليبيا على غرار مصر وإيطاليا، وقد ظهر ذلك بمناسبة زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإيطاليا.
قضية
وأشار الباحثان إلى أن زيارة روما جاءت لتعزيز العلاقات بين البلدين، علما وأن رئيس الوزراء الإيطالي ماثيو رينزي كان أول زعيم أوروبي يزور القاهرة غداة صعود هذا الأخير إلى السلطة، من أجل تمتين سبل التعاون بين البلدين في مختلف القضايا، أهمها المسائل الاقتصادية والتجارية.
وخلال زيارة السيسي، أكد ماثيو رينزي أن كلا البلدين يخوضان" معركة مشتركة ضد الإرهاب" أضف إلى ذلك أن هناك قلقا متقاسما بشأن تداعيات الوضع ليبيا الجار الغربي لمصر.
وأضاف توالدو ومزران أن ليبيا تغرق الآن في حرب أهلية وتنقسم بين برلمانين وحكومتين لا تحكمان، واحدة في طرابلس والأخرى في طبرق، وإذا كان هناك آمال متبقية لإصلاح الوضع المتدهور، يتوجب إعادة بناء شرعية الحكم من البداية، وأن تتوقف بعض القوى الخارجية لأطراف الصراع.
ولفتا إلى أن العملية الانتقالية في ليبيا تم تفعيلها بشكل مبكر جدا، وكانت قائمة على الانتخابات وليس على محاولة بناء المؤسسات وتعزيز سيادة القانون بمساعدة المجتمع الدولي، هذا وشهدت ليبيا ثلاث انتخابات (المؤتمر العام في عام 2012، والجمعية التأسيسية في عام 2014، مجلس النواب في عام 2014)، انتهت في آخر المطاف بتقسيم البلاد، فقد كان من الأحرى مناقشة الأرضية المشتركة لإعادة بناء الدولة الليبية.
حلول
وأشار الباحثان إلى أن تصريحات رينزي على هامش زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ما تزال تقع في فخ "الحرب على الإرهاب"، ما يعني دعم أحد الأطراف داخل الحرب الأهلية في ليبيا ضد أطراف أخرى.
وأضافا أن دعم طرف دون آخر يعد خطأ جسيما، لأنه سيتم الخلط فيه بين القوى المتنازعة وأولئك "المتطرفون"، الذين يمارسون قطع الرؤوس في كل من درنة وبنغازي.
ولفت الباحثان إلى أن ليبيا ليست بحاجة إلى تدخل عسكري جديد، كما ينادي به ديرك فانديفال على "نيويورك تايمز" الأمريكية، ولا إلى لاعبين جدد، وفق ما يدعو إليه برنارد ليفي، ولكن بدلا من ذلك يتوجب دعم أولئك النواب "الشجعان" من كلا الجانبين، الذين يريدون الحوار تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة التي يقودها الإسباني برناردينو ليون.
كما يمكن لأوروبا وإيطاليا أن توفرا الحماية والضيافة والدعم لأعضاء مجلس النواب ، ثم تأسيس حكومة وحدة وطنية، علما وأن التسريع في عملية صياغة الدستور والدعوة لانتخابات جديدة في مثل هذا الوضع ، سيكرر أخطاء الماضي.
وأفاد توالدو ومزران أنه إضافة إلى العملية السياسية، من الضروري الحفاظ على حياد بعض المؤسسات الرئيسية، مثل البنك المركزي والصندوق السيادي والمؤسسة الوطنية للنفط، لا يجب استخدامها لتأجيج الحرب الأهلية، إذ يجب تأمينها وقد تكون تحت إشراف دولي.
تقسيم
علاوة على ذلك يتطلب الأمر أيضا استقرار البلاد وإلغاء أية مظهر من مظاهر التقسيم ، مثلما هو حاصل الآن في ظل وجود مؤسستين في كل من طبرق وطرابلس، وعلى أوروبا ألا تعترف بأي جهة قد تهدد وحدة البلاد، هذا وليس من المعقول إضفاء الشرعية على من هم في السلطة بطبرق، مثلما تفعل القاهرة، لأنه ببساطة تعد هذه السلطة طرفا في الحرب الأهلية الحاصلة في ليبيا.
وأوضحا أيضا أن على الغرب أيضا اتخاذ مسافة وعدم الاعتراف بأولئك الذين يحكمون في طرابلس، كما من المهم أيضا العمل على وقف إطلاق النار بين الجانبين، وعودة الاستقرار تدريجيا إلى مختلف المناطق الشاسعة في البلاد، أضف إلى ذلك أن تقليل المساحات غير الخاضعة للسلطات، قد يساعد على محاربة الإرهاب بشكل فعال.
وأضاف توالدو ومزران أنه لتنفيذ مثل هذا البرنامج، يجب على إيطاليا تعزيز فريق الاتصال غير الرسمي، الذي قامت بإنشائه خلال الأشهر الأخيرة بين الأمريكيين والدول الأوروبية، وينبغي أن تكون رئاستها للاتحاد الأوروبي في هذه المرحلة، فرصة لخلق اهتمام أكبر بما يحصل في ليبيا.
يذكر أن زيارة السيسي لروما كانت فرصة أيضا لتوضيح اختلاف نهج روما في التعامل مع الأزمة الليبية، عن سعي القاهرة لمحاربة "الإخوان المسلمين" حتى داخل ليبيا، والفصل بين قضية مكافحة الجماعات الإرهابية والجهد السياسي - الديبلوماسي الهادف إلى تحقيق المصالحة في ليبيا.
وفي هذا السياق كان وزير الخارجية الإيطالي قد أوضح في مقابلة مع صحيفة لا ريبوبليكا أنه لا يمكن الخلط بين "الإخوان المسلمين" وتنظيم الدولة الإسلامية".