لا شك أن الكثير من التفاؤل بات يخيم على المشهد الليبي بعد التطورات التي شهدتها الأسابيع الماضية والتي توجت بارساء حكومة وحدة وطنية لادارة المرحلة الانتقالية وانهاء الانقسامات في البلاد. وبات الليبيون على مرمى حجر من انهاء سنوات من الألم كرستها الفوضى والعنف،فيما باتت العديد من الدول تشخص بأبصارها الى البلد الغني بالثروات طمعا في التموقع هناك ونيل نصيبها.
ولعل ايطاليا الدولة الأكثر حرصا على التواجد في الساحة الليبية التي كانت منطقة نفوذ لروما، فجغرافيًا لا تفصل ليبيا عن إيطاليا إلا أمواج المتوسط، وتاريخيًا كانت ليبيا أهم المستعمرات الإيطالية في إفريقيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم تنقطع الصلات بين البلدين حتى عندما كانت ليبيا في عزلة جراء العقوبات التي فرضت عليها عام 1992، فقد ظلت شركة "إيني" الإيطالية المستثمر الأساسي في الغاز والنفط الليبي، وكانت روما إحدى بوابات عودة ليبيا للمجتمع الدولي التي بدأت تدريجيًا 2003.
وتحرص ايطاليا التي ما فتئ موقفها إزاء الأزمة الليبية يتغير ويتحول تبعاً لتحول الأزمة،على مواكبة التطورات الحاصلة في المشهد الليبي بعد انتخاب حكومة وحدة وطنية، حيث سعت روما جاهدة لاظهار دعمها منذ الاعلان عن نواة الحكومة الانتقالية،وواصلت عقب ذلك متابعة التطورات لتسارع للقاء رئيس الوزراء الجديد، أسبوعا واحدا بعد نيل حكومته الثقة من مجلس النواب.
ومثل ملف استئناف التعاون الاقتصادي بين ايطاليا وليبيا، أبرز محاور وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الجديدة عبد الحميد الدبيبة. وقال حينها المسؤول الايطالي في تدوينة على صفحته بإنستغرام أنه "بالإضافة إلى قضية الهجرة، ذكّرت بأنه من الضروري بالنسبة إلينا إعادة إطلاق التعاون الاقتصادي بين بلدينا وأكّدتُ التزام إيطاليا دعم عملية السلام والأمن في ليبيا". مشددا على أن "إيطاليا وليبيا تجمعهما مصالح جيواستراتيجية مهمة".
وفي 25 مارس الماضي، عاد وزير الخارجية الإيطالي دي مايو ضمن وفد اوروبي ضم وزراء خارجية فرنسا وألمانيا الى العاصمة طرابلس، حيث جدد الوزير الايطالي دعمه لحكومة الوحدة الوطنية عن أمله في "نجاح السلطات الليبية خلال المرحلة الانتقالية وصولًا إلى الانتخابات الديمقراطية المقبلة". ولم ينس تقديم خدمات روما قائلا "نحن مستعدون للتعاون مع السلطات الليبية في المحطات القادمة من المسار الانتقالي".
وبالتزامن مع ذلك كان السفير الايطالي لدى ليبيا جوزيبي جريمالدي بديوان يواصل اجتماعاته المكوكية مع المسؤولين الليبيين حيث زار ديوان مجلس المفوضية واستعرض مستجدات العملية الانتخابية، واستعدادات المفوضية للاستحقاق المقرر في 24 ديسمبر من العام الجاري. وأبدى جريمالدي استعداد بلاده لدعم هذه المرحلة المفصلية من تاريخ ليبيا وبحث ما يمكن تقديمه من الدعم والخبرات المساندة في مجال إدارة وتنفيذ الانتخابات.
كما التقي جريمالدي مع وزير الحكم المحلي بحكومة الوحدة الوطنية بدر الدين الصادق التومي، وتم خلال اللقاء بحث ملف دعم علاقات التعاون الثنائية بين السلطات الإيطالية ووزارة الحكم المحلي، ومناقشة سبل تطوير العلاقات بين البلدين، مع التأكيد على موقف ايطاليا المساند لبرامج وأنشطة الوزارة.
واستعرض اللقاء مستويات الإنجاز في المشاريع التي تدعمها ايطاليا في البلديات.واتفق الطرفان على أهمية العمل سويا من أجل معالجة الصعوبات التي تواجه بعض البلديات في تنفيذ برامجها ومشاريعها الميدانية من خلال تكثيف اللقاءات والزيارات بما من شأنه تعزيز برامج ومشاريع قادرة على توفير الخدمات للمواطن.
وعلى وقع هذه التحركات الايطالية،جاءت تصريحات رئيس وزراء ليبيا الجديد، عبد الحميد الدبيبة، بمثابة طمأنة لروما بنيلها نصيبا هاما في مستعمرتها القديمة. وقال الدبيبة في مقابلة مع صحيفة "كوريري ديلا سيرا" الإيطالية، موجها حديثة للايطاليين "ليبيا منزلكم، ونحن نرحب بكم".
واكد الدبيبة اعتزامه "إعادة فتح الباب في أقرب وقت ممكن للمستثمرين والشركات الإيطالية،قائلا "وأود منهم أن يعتبروا ليبيا بيتهم وليس مجرد استثمار".واعرب عن امله في رؤية "العديد من الشركات الإيطالية الصغيرة تعود إلى ليبيا"،مشيرا الى انه "هناك حاجة ملحة لتعزيز صناعة الطاقة والبنية التحتية الوطنية، بالإضافة إلى المشاكل الهائلة مع شبكة الكهرباء، كما أن الرعاية الصحية محطمة، بغض النظر عن حالة الطرق".
وتوقع رئيس الوزراء الليبي أن يصل حجم التبادل الإيطالي الليبي السنوي إلى أكثر من 16 مليار دولار، وطالب بضرورة إعادة فتح الرحلات الجوية كالسابق.وتحدث أيضا عن أعمال شركة "إيني" الإيطالية، بقوله: "هي شريك رئيسي في مجال النفط والغاز، وأتوقع تمديد الاستثمار بيننا في مجال الدفاع عن بيئتنا وتنميتنا أيضا، وكذلك تحسين مستشفياتنا، ومشاركة الفنيين في استكشاف آبار جديدة في برقة".
وتشجع تصريحات الدبيبة ايطاليا على مزيد التحرك لضمان مكان مناسب في الساحة الليبية حيث أعلن رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي عزمه زيارة ليبيا في 6 أو 7 أبريل الجاري، وستكون أول زيارة خارجية له منذ توليه منصبه في فبراير الماضي. وقال دراجي، في تصريحات، إن "السياسة الخارجية للحكومة الإيطالية هي دعم حكومة الوحدة في ليبيا، بهدف إجراء انتخابات في مطلع ديسمبر".
لا شك ان هذه التطورات تمثل منعرجا هاما لايطاليا وفرصة مواتية للتموقع في الساحة الليبية بعد ان ظلت خلال السنوات الماضية تتحسس موقعها في مستعمرتها السابقة بشيئ من الحذر والتردد،وسارعت لعقد اتفاقات مع عدة اطراف للوصول الى مصالحها ووصل بها الأمر الى إبرام صفقات مع ميليشيات تهريب البشر فى ليبيا.