يبدو أن الرهان الدولي على حكومة عبد الحميد الدبيبة، الذي بدأ بتفاؤل حذر في عام 2021، يقترب من نهايته. فالمؤشرات تتزايد يومًا بعد يوم، لتشير إلى أن الوعود بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وإخراج ليبيا من أتون الفوضى، صعبة التحقيق. فهل حان وقت التخلي عنه، والبحث عن بديل قادر على توحيد البلاد المنقسمة؟
ووفقًا لمصادر ليبية نقلها موقع نيوزماكس الأمريكي، فإن حكومة الدبيبة قد تكون خارج السلطة خلال الشهر المقبل على أقصى تقدير. ورغم أن الأمر ليس نهائيًا بعد، لكن أن تأتي الترجيحات من مصادر أمريكية فيعني ذلك أن الأخبار لا تخلو من جدية.
وذكر الموقع الأمريكي أن جذور الأزمة تكمن في فشل حكومة الدبيبة في تحقيق الهدف الرئيسي الذي تم تشكيلها من أجله، وهو إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. هذا الفشل لم يؤد فقط إلى فقدان الدعم الشعبي، بل أثار أيضًا غضب القوى الدولية التي كانت تأمل في رؤية ليبيا تستعيد استقرارها. فالاتهامات الموجهة إلى الدبيبة بتعطيل العملية الانتخابية، وتكريس سلطته، أصبحت تتردد بقوة في الأوساط السياسية والدبلوماسية. وقد اتهمه مؤخرًا رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بـ"افتقار الشرعية"، مؤكدًا أن الممثلين المنتخبين "سحبوا الثقة" منه.
ومن بين أبرز المؤشرات على تغير الموقف الدولي، ظهور اسم عبد الكريم امقيق كمرشح محتمل لخلافة الدبيبة. فاجتماعاته الأخيرة مع أعضاء لجنتي العلاقات الخارجية في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، وحديثه عن خططه لتوحيد ليبيا وإصلاح قطاع النفط، يشيران إلى أنه يحظى بدعم قوي من قوى مؤثرة. ولا يمكن تجاهل حقيقة أن امقيق يتمتع بخبرة دولية واسعة، اكتسبها من خلال إشرافه على تفكيك الترسانة النووية الليبية، مما يجعله شخصية مقبولة لدى العديد من الأطراف. وقد صرح امقيق لنيوزماكس أن "البند الأول على جدول أعماله سيكون إعادة حفتر إلى ليبيا موحدة"، مؤكداً على أن "حفتر يؤمن بتوحيد ليبيا".
لكن الطريق أمام امقيق، أو أي بديل آخر، ليس مفروشًا بالورود. فالانقسام الليبي، الذي يشبه إلى حد كبير الانقسام الأمريكي خلال الحرب الأهلية، يمثل تحديًا هائلاً. فوجود حكومتين متنافستين، إحداهما في طرابلس والأخرى في بنغازي، يزيد من تعقيد الوضع، ويجعل من الصعب تحقيق أي تقدم. فليبيا منقسمة إلى حد كبير، حكومة الدبيبة في طرابلس، التي تعترف بها الأمم المتحدة ومعظم الغرب، وحكومة في الجزء الشرقي من ليبيا (بنغازي) برئاسة المشير خليفة حفتر.
ولا يمكن تجاهل الدور الذي يلعبه تهريب الوقود في تأجيج الصراع. هذا النشاط غير القانوني، الذي يدر إيرادات ضخمة للجماعات المسلحة، يساهم في زعزعة الاستقرار، ويعيق أي جهود لإعادة بناء الدولة. وإصلاح هذا القطاع، كما يرى امقيق، لن يتحقق إلا من خلال تعاون بين حكومتي طرابلس وبنغازي، وهو أمر يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي. وفقًا لصحيفة فاينانشال تايمز، يُهرَّب الوقود ليُباع بأسعار السوق السوداء أو بوثائق مزورة.
يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للأمم المتحدة، التي فقدت نفوذها في ليبيا، أن تلعب دورًا في تسهيل عملية انتقال السلطة؟ وهل يمكن للولايات المتحدة، التي يسعى امقيق إلى بناء قناة قوية معها، أن تدعم مرشحًا يحظى بقبول واسع؟ امقيق يرى أن الأمم المتحدة والولايات المتحدة قادرة على "تسريع العملية".
في الختام، يبدو أن الرهان الدولي على حكومة الدبيبة قد انتهى بالفعل. ولكن التخلي عنه لن يكون نهاية المطاف. فليبيا تواجه تحديات هائلة، تتطلب حلولًا مبتكرة، وجهودًا دولية متضافرة. والمرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل هذا البلد الذي مزقته الصراعات.