بالرغم من التحركات الاقليمية والدولية التي تصاعدت خلال الايام الماضية بحثا عن حل للازمة المتنامية في ليبيا،لازال التوتر سيد الموقف خاصة في ظل استمرار المناوشات بين الأطراف المتصارعة والتي تغذيها التدخلات التركية المتواصلة وهو ما يهدد بانهيار تام للهدنة الهشة التي تم التوصل اليها منذ أيام.
ولم تتوقف الاشتباكات المسلحة بجميع محاور العاصمة طرابلس منذ يومين رغم الهدنة المتفق عليها في مؤتمر برلين حول ليبيا، وسط اتهامات متبادلة بخرق وقف إطلاق النار.وقالت البعثة الأممية إلى ليبيا، إن الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ في 12 يناير الجاري، بموافقة حكومة الوفاق والقيادة العامة للجيش أصبحت مهدّدة، بعدما تم تسجيل انتهاكات للالتزامات التي تعهدت بها البلدان المعنية بالأزمة الليبية في برلين قبل أسبوع، حيث تم رصد وصول طائرات شحن ورحلات جوية إلى المطارات الليبية لتزويد الأطراف بالأسلحة المتقدمة والمركبات المدرعة والمستشارين والمقاتلين، ما يهدد بإغراق البلاد في جولة متجددة من القتال.
ودفعت التطورات "شركة الخطوط الجوية الأفريقية" إلى الإعلان، في بيان مقتضب، مساء أمس، عن قيامها بتغيير مسار رحلاتها للذهاب والعودة من مطار معيتيقة إلى مطار مصراتة حتى إشعار آخر. وأرجعت الشركة هذا القرار إلى ما وصفته بـ"ظروف مطار معيتيقة الأمنية"، دون أن تقدم مزيداً من التفاصيل. كما أعلنت شركة طيران محلية أخرى أنه "نظراً لتعليق الملاحة الجوية بالمطار، وحفاظاً على استمرار رحلاتها، عن تسيير رحلاتها أمس من مطار مدينة مصراتة الدولي، على بعد 200 كيلومتر شرق العاصمة".


وياتي ذلك وسط تواصل الحديث عن التدخلات التركية التي تؤجج الصراع في ليبيا،حيث أعلن الجيش الليبي، السبت، عن إصابة 4 مرتزقة سوريين في المعارك الجارية في العاصمة طرابلس.وأفاد المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، التابع للجيش، بـ"وصول أربع حالات إصابتهم خطرة من المرتزقة السوريين إلى مستشفى غوط الشعال (وسط طرابلس)".
وأشار المركز، عبر صفحته على "فيسبوك" إلى أن العناصر المصابة وصلت إلى المستشفى،"وسط حراسة مشددة وتكتم شديد".وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أفاد، الثلاثاء الماضي، بمقتل 28 مسلحا من "المرتزقة السوريين"،مشيرا الى أن "القتلى سقطوا خلال الاشتباكات على محاور حي صلاح الدين جنوب طرابلس، ومحور الرملة قرب مطار طرابلس بالإضافة لمحور مشروع الهضبة، فيما يتم إسعاف الجرحى والقتلى إلى كل من 3 نقاط طبية، تعرف باسم مصحة المشتل ومصحة قدور ومصحة غوط الشعال".
ومازال الرئيس التركي مصرا على خرق الالتزامات الدولية عبر إرساله المزيد من المرتزقة،وكشف مدير إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة العربية الليبية العميد خالد المحجوب،في تصريح لبوابة افريقيا الاخبارية،عن معلومات تفيد باعداد الرئيس التركي رجب اردوغان خطة لارسال احد عشر ألف عنصر ارهابي إلى ليبيا.واضاف المحجوب أن أردوغان يسعى لاغراق ليبيا بالارهابيين كمرحلة اولى من خطته في المنطقة ككل.


من جهته،قال الناطق باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري،أن الرئيس التركي رجب أردوغان يقوم بنقل عناصر جبهة النصرة من سوريا إلى ليبيا بوتيرة عالية، لافتاً إلى أن عدد المسلحين الذين تسعى تركيا لنقلهم من سوريا إلى ليبيا يصل إلى 8 آلاف.واعتبر المسماري، تصريحات أردوغان الأخيرة  خرقا لوقف إطلاق النار، واستفزازا للقوات المسلحة العربية الليبية، مشددا على أن ليبيا لن تكون نقطة انطلاق أو ارتكاز للإرهاب.
وأكد المسماري إن العمليات التي قامت بها القوات المسلحة، الأحد، في منطقة أبو قرين لا تعتبر خرقا لوقف إطلاق النار.مشيرا في مؤتمر صحفي عقده مساء الأحد،الى أنها "عمليات استباقية ورسالة للميليشيات، وجاءت عقب ورود معلومات عن وجود تجهيزات وتحركات مشبوهة في مدينة مصراتة وتحشيدات للهجوم على وحدت القوات المسلحة المتمركزة غرب مدينة سرت".
وأعلن الجيش الليبي، الأحد، إن قواته سيطرت على منطقتي القداحية والهيشة وأبوقرين بالكامل الواقعة شرق مدينة مصراتة.وقال الجيش الليبي إن قواته أجبرت مسلحي مصراتة على الفرار من بلدة بوقرين، وتمكنت من السيطرة على عدة آليات عسكرية تابعة للميليشيات وكذلك أسر عدة أفراد.وذكر الجيش أن قواته تتقدم بشكل كبير نحو وسط مدينة مصراتة وباتت على بعد 100 كم، في حين أكدت "غرفة عمليات أجدابيا" التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي، اندلاع مواجهات عنيفة ضد ميليشيات الوفاق، بالقرب من منطقة الهضبة القاسي وأبوسليم جنوب العاصمة طرابلس.


من جانب آخر،أكد الجيش الليبي أحباطه هجوماً كبيراً على منطقة أبو قرين غربي مدينة سرت.وقالت المتحدثة باسم غرفة عمليات سرت الكبرى انتصار محمد إن "الجيش أحبط سيناريو شبيه بالسيناريو الذي حدث في مدينة غريان العام الماضي، حين شنت المليشيات المدعومة بالطيران التركي المسير هجوماً قوياً في محاولة للسيطرة عل مناطق استراتيجية غربي سرت.
ونقل موقع "ارم نيوز" عن المتحدثة قولها  أن "الاشتباكات ومطاردات وحدات الجيش للمليشيات الفارة من أرض المعركة توقفت، بعد أن كبدت القوات المسلحة المليشيات خسائر فادحة في الأرواح والمعدات وأسرت العديد منهم".وبينت انتصار محمد أن الأسرى اعترفوا بوجود مقاتلين سوريين شاركوا في الهجوم معهم.
وبالتزامن مع هذه التطورات.أعلنت قيادة الجيش الليبي عن تكليفات جديدة،حيث أصدر القائد العام المشير خليفة حفتر قرارين بتشكيل غرفتي عمليات خاصة بتحرير مدينتي الزاوية غرب طرابلس، والأخرى خاصة بتحرير مدينة مصراته شرق طرابلس.وبحسب ما نشره المكتب الإعلامي لقيادة الجيش الليبي عبر صفحته على "فيسبوك"، فإن القائد العام كلف بموجب هذين القرارين كل من اللواء عبدالله نور الدين أمرا لغرفة تحرير مدينة مصراتة، واللواء سالم درياق آمرا لغرفة عمليات تحرير مصراتة.
ويرى مراقبون أن الجيش الليبي يستعد لعمليات جديدة تستهدف انهاء سطوة المليشيات المسلحة وهو ما أكده عضو مجلس النواب الليبي، إدريس المغربي،بقوله أن "الجيش الليبي عازم على القضاء على الميليشيات رغم الهدنة".وأوضح المغربي في تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية أن الهدنة في ليبيا "هشة"، لافتا إلى أن الجيش الليبي حقق تقدمات كبيرة جدا باتجاه العاصمة.
كما أكد النائب أن الجيش لن يوافق علي الهدنة لأن الشعب بالكامل ملتف حول قوات الجيش للقضاء على "الميليشيات".وأشار إلى أن الجيش الليبي سيعود مرة أخرى للقضاء على "الميليشيات" وهو يسيطر حاليا على معظم أراضي ليبيا، وبقي فقط مصراته وطرابلس وهي تمثل 5% من مساحة ليبيا.وحول الاجتماع المقرر للمسؤولين العسكريين في جنيف هذا الأسبوع، قال عضو مجلس النواب الليبي إن "الإجتماع لن يأتي بنتيجة لأن نقاط الخلاف موجودة، فالمجموعة المسلحة التي تنتمي لحكومة الوفاق تريد الدخول  ضمن الجيش الوطني، الأمر الذي توقع أن يقابل بالرفض من الجيش لأنهم ليس لديهم الخبرة الكافية والمؤهلات للالتحاق بالجيش".
ومن المنتظر انعقاد اجتماع هو الأول من نوعه بين المسؤولين العسكييون من الطرفين في جنيف الأسبوع الحالي.ومن المقرر أن تشكل بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا لجنة الـ"40" التى تضم 13 نائبا عن البرلمان ومثلهم من المجلس الأعلى للدولة، و14 شخصية مستقلة تمثل كافة المدن الليبية تختارهم البعثة الأممية لخلق نوع من التوازن والشروع فى حوار سياسى فاعل بين الأطراف الليبية.
ويأتي هذه الاجتماع في اطار تواصل الجهود الدولية للوصول الى تسوية شاملة في ليبيا وانهاء حالة الانقسامات والصراع المستمر منذ سنوات.وكانت العاصمة برلين قد احتضنت منذ أيام قمة حول ليبيا بمشاركة عدد من الدول التي أكدت دعم وقف إطلاق النار في ليبيا ورفض التدخلات الخارجية التي تزايدت وتيرتها في ظل انخراط تركيا العلني في الصراع الليبي ومساعيها الرامية إلى تأزيم الأوضاع في البلاد وهو ما لا تخدم أمن واستقرار ليبيا والمنطقة، ولن يحظى بأي تأييد دولي وإقليمي.


كما احتضنت الجزائر العاصمة الخميس الماضي مؤتمر لوزراء خارجية دول جوار ليبيا،تمخض عن توافق جيران ليبيا على رفض التدخّل الخارجي في الأزمة، مشدّدين على ضرورة الحوار بين الليبيين، مع التأكيد على حظر تدفّق الأسلحة، وإشراك الاتحاد الإفريقي في جهود الحل، في وقت كشفت الجزائر عن مساعٍ لجمع فرقاء الأزمة قريباً لعقد لقاءات برعاية مشتركة بين الأمم المتحدة ودول الجوار الليبي.
 وبالرغم من هذه التحركات الاقليمية والدولية التي تترافق مع أخرى محلية تقودها القبائل الليبية لانهاء الأزمة المستعرة في البلاد،فإن فرص الوصول الى تسوية شاملة تبقى بحسب المتابعين للشأن الليبي رهينة انهاء وجود المليشيات المسلحة التي تمثل عائقا أمام أي استحقاق سياسي في البلاد،ناهيك عن اغلاق الباب أمام التدخلات الخارجية وخاصة التركية التي تعمل على تحويل البلاد الى ملاذ للمرتزقة والعناصر الارهابية الموالية لأنقرة وهو ما يشكل تهديدا لأمن ليبيا والمنطقة عموما.