إن وحدة الصف المنشودة التي توصل إلى الاستقرار والأمان وبناء الدولة طريقها الحوار والمصالحة والتقريب بين وجهات النظر المختلفة وجعل مصلحة الدين والوطن فوق كل اعتبار، وأسمى من كل هدف آخر.
ورابطة علماء ليبيا إذ تبارك مساعي أهل الخير وتشد على أيدي أصحابها من الليبيين الغيورين على الوطن من أجل جمع الكلمة وعقد مصالحة وحوار وطنيين تجمع كل الأطراف والتوجهات؛ لتحقيق الخير للجميع فإنها تدعو إلى أن تكون مظلة الحوار ليبية صرفة.
وتُذكِّر الجميع بأن الليبيين يملكون الكفاءة والقدرة والخبرة لرعاية هذه المبادرات والحوارات الوطنية، وهم الأدرى بشؤونهم وواقع بلادهم وبخصائص مجتمعهم من غيرهم، ولا يحتاجون إلى مظلات خارجية أوربية أو عربية تخدم طرفاً على حساب أطراف أخرى.
وتكرر الرابطة نداءها لأهل الحل والعقد وأرباب الحكمة والعلم والمشورة بأنها على استعداد تام لرعاية حوار وطني شامل لا يُقصي أحدًا ويقف من الجميع على مسافة واحدة؛ للوصول بالوطن إلى بر الأمان.
حفظ الله ليبيا من كل سوءتناولت تقارير إعلامية باقتضاب شديد توجه راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة التونسية إلى العاصمة الليبية طرابلس للترويج لمبادرته التي أطلقها منذ فترة حول إبرام مصالحة وطنية فى ليبيا. واكتفت هذه المصادر بالقول إن راشد الغنوشى يسعى إلى استنتساخ تجربة الحوار الوطنى الذي أُنجزت في بلاده من أجل تطبيقها في ليبيا. فما هي البواعث الحقيقية لهذه الزيارة ؟ وما صداها المتوقع؟ وكيف ُينظر إليها داخل المشهد الليبي ؟
 

الغنوشي والوساطة من أجل الوساطة

والحال أن هذه ليست المرة التي يعلن فيها الغنوشي عن مبادرات له في مناطق خارج تونس. فقبل ليبيا ، أكد رئيس حركة النهضة الاسلامية ما راج حول اعتزامه لعب دور وساطة بين فتح وحماس في فلسطين ، وذلك  خلال لقاء إذاعي قال فيه "يشرفني أن أكون واسطة خير بين فتح وحماس، وأتمنى النجاح في ذلك". كما كان أقر سابقا بزيارته الدوحة لإجراء جملة من الاتصالات بدأها برئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل.

كما سبق للغنوشي أن التقى برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان،  وبمسؤولين من "حزب السعادة" الإسلامي، في محاولة منه "لتقريب الرؤى بين مسؤولي الحزبين ". كما حاول الغنوشي الترويج سابقا لوساطة بين الإخوان المسلمين و الحكومة المصرية، إلا أن موقفا صارما من الأخيرة برفض التعاطي مع الإرهاب حمل الغنوشي على إقبار "مشروعه الإصلاحي" في مصر في مهده.

لا نتائج ملموسة لوساطات الغنوشي

قد لا يحتاج المرء إلى كبير عناء ليخرج بخلاصة واضحة مؤداها أن وساطات الغنوشي لا تؤتي في الغالب أكلها ، ففي ما يتعلق بعلاقات فتح وحماس مثلا ، والتي تشكل أبرز مثال على هذا الفشل الذريع ، ما زال التأزيم سيد الموقف رغم اتصالات الغنوشي في الدوحة بزعيم المكتب السياسي لحركمة حماس خالد مشعل ولقاءاته بالقيادي في فتح عزام الأحمد . والمثير للدهشة أنه ما أن تؤول وساطة إلى الفشل حتى يفاجأ المتتبع بإعلان الغنوشي عن خوضه غمار وساطة جديدة وربما في ملف أعقد وأسخن.

وساطات خارجية بحسابات داخلية

يتضح من الترويج لهذه الوساطات ، أن الغنوشي يسعى عمدا أو من حيث لا يحتسب إلى "تجيير" التجربة الانتقالية لحسابه باعتبارها  "إشعاعا كبيرا" يحظى دوليا بإعجاب أطراف خارجية, والغنوشي يحاول بذلك تقزيم دور باقي الأحزاب التونسية وبخسها جهودها في بناء العملية الانتقالية. على أن هناك أهدافا أضيق تستهدف في رسائلها دوائر مقربة "داخل حزب النهضة" ، وهي رسالة مفادها أن الغنوشي يبقى "قطب الرحى" و "كبير الجماعة" . 

 حظوظ منعدمة  لنجاح وساطة الغنوشي في ليبيا

يقول محللون إن الغنوشي لا يمكنه بالنظر إلى الوضع الليبي والفاعلين فيه أن يلعب دور الوسيط بين الفرقاء الليبييين لافتقاره لشروط موضوعية ، لعل أبرزها الحياد التام إذ أن تحالفه المعلن مع حزب العدالة والبناء الجناح السياسي لجماعة إلأخوان المسلمين في ليبيا والذي كان يسيطر على المؤتمر الوطني العام من خلال كتلة "الوفاء" حقيقة لا ينكرها إلا جاحد ، كما أن حركة النهضة التونسية شريكة في التحالف القطري التركي الإخواني الذي إنتفض الليبيون رفضا له غير مرة ، وحمّله الشارع الليبي مسؤولية عرقلة بناء مؤسسات الدولة كالجيش والأمن بل والتحالف مع  الجماعات المتشددة والمسلحة . وبناء عليه ،  قد تبدو مهمة الغنوشي أقرب إلى زوبعة في فنجان لأن القوى المدنية والديمقراطية في ليبيا باتت تتهم جماعة الإخوان المسلمين بالتبعية لقوى خارجية وبتخريب الإقتصاد والمجتمع وتهديد السلم الأهلي وبالتحالف مع القوى المتشددة ومنها تنظيم أنصار الشريعة الذي صنفته تونس كتنظيم إرهابي غير أن عناصره يجدون في ليبيا مساحة للحركة والعمل والتسلّح والمشاركة في الحكم. وفوق كل هذا وذاك ، تبدو الأزمة الليبية أعقد من أن تحل بجهود جهة لا تحظى بإجماع الداخل الليبي.

رد الفعل الليبي على "مبادرة " الغنوشي

ورابطة علماء ليبيا إذ تبارك مساعي أهل الخير وتشد على أيدي أصحابها من الليبيين الغيورين على الوطن من أجل جمع الكلمة وعقد مصالحة وحوار وطنيين تجمع كل الأطراف والتوجهات؛ لتحقيق الخير للجميع فإنها تدعو إلى أن تكون مظلة الحوار ليبية صرفة.
وتُذكِّر الجميع بأن الليبيين يملكون الكفاءة والقدرة والخبرة لرعاية هذه المبادرات والحوارات الوطنية، وهم الأدرى بشؤونهم وواقع بلادهم وبخصائص مجتمعهم من غيرهم، ولا يحتاجون إلى مظلات خارجية أوربية أو عربية تخدم طرفاً على حساب أطراف أخرى.
وتكرر الرابطة نداءها لأهل الحل والعقد وأرباب الحكمة والعلم والمشورة بأنها على استعداد تام لرعاية حوار وطني شامل لا يُقصي أحدًا ويقف من الجميع على مسافة واحدة؛ للوصول بالوطن إلى بر الأمان.
حفظ الله ليبيا من كل سوءلا ببلابد  من ملاحظة  أولية بهذا الصدد وهي أن المبادرة التي أعلنها الغنوشي ليس معلومة لدى كافة الساسة الليبيين. كما أن كثيرا من الليبيين لا يشاطرون الغنوشي مقولته "الليبيون معجبون إعجابا كبيرا بالتجربة التونسية ويتمنون أن تقوم تونس بدور توفيقي"، خاصة وأن المقولة لا تخفي سعي قائلها إلى اختزال تونس الدولة والشعب في شخصه وحركته. ومن الشخصيات الليبية التي انبرت للرد على الغنوشي ولو بشكل مبطن الأستاذ الدكتور عارف علي النايض عضو رابطة علماء ليبيا رئيس أهلي بنغازي . ويعتبر الدكتور النايض من الشخصيات التي بذلت جهودا كبيرة لبناء القدرات العلمية والإدارية لشباب ليبيا ، وأثرت التعليم الديني المالكي ومواقف رابطة علماء ليبيا من إصلاح ذات البين نحو المصالحة الليبية الشاملة ..  كما تميز النايض الذي يشغل منصب سفير ليبيا لدى الإمارات العربية المتحدة,  بدور مميز ورائد في التنسيق بين المجموعة الدولية وثوار ليبيا وقادتها الجدد، منذ الأيام الاولى للثورة.

مقاربة الحوار الليبي في مواقف الدكتور عارف علي النايض : لا للإستحواذ الحزبي الإقليمي على حوارنا الوطني

بدون مواربة ، يعلن الدكتور النايض رفضه الصريح والمطلق للمظلات الخارجية للحوار بين الليبيين، ويرى أنه بإمكان رابطة علماء ليبيا، بالتعاون مع مجالس الحكماء ومؤسسات المجتمع المدني، وكافة دعاة الحوار والإصلاح أن توفر مظلة وطنية ليبية مستقلة تساهم في حوار جميع الليبيين مع بعضهم البعض للوصول بالوطن إلى بر الأمان.

وإذا كان الدكتور النايض مع إصلاح ذات البين، فإنه يرفض الاستحواذ الحزبي الإقليمي على الحوار الوطني الليبي كما يرفض بعض التلوينات السياسية والحزبية التي تسقطها الرعاية الرسمية على عملية التحاور ، فـ "الرعاية الرسمية لمساعي الحوار والإصلاح والتوفيق" وإن كانت مطلوبة، فإنها "قد تفشل في تشجيع الحوار".

 

النايض: الليببون ليسوا بحاجة لتدخل حزبي إقليمي في حوارهم الوطني 

ويقول الدكتور النايض على موقعه على فيسبوك :" نعم، الأمم المتحدة - كممثلة للإرادة الدولية الجماعية - يمكن أن تدعم وتساعد الحوار، ولكن ليس من حقها شرعنة إشراف حزبي من دول الجوار على حوارنا الوطني - ولو بالتصوير البروتوكولي مع قيادات هكذا حزب".  ويضيف :"نعلم إنهم يجالسون الجميع ويصورون مع الجميع، ولكن للحوار الليبي يجب أن يجالسوا الليبين لا جيرانهم."
 

النايض يرفض تكرار التجارب الحوارية السابقة

ويتابع الدكتور النايض ، "اليوم، يتوافد داعمو حزب معين إلى قائد نظير ذاك الحزب عينه في بلد مجاور - ونحن نحترم ونقدر جميع جيراننا- ليدعوا إلى حوار وطني ليبي تحت مظلة غير ليبية وحزبية بامتياز! وللأسف نجد بعض ممثلي الدبلوماسية الدولية تجالس قيادات ذاك الحزب، فيستخدمها أتباعه في ترويج دعائي حزبي يعتمد تلك الصور البروتوكولية برهانا على إهتمام ذاك الحزب بالحوار ومفصلية الحزب إقليميا، لا فقط وطنيا."

ويتابع :"الليبيون والليبيات يحاورون بعضهم البعض كل يوم على المستوي الشعبي الفطري. وأن المشكلة تكمن  بالتالي "في أحزاب متناحرة تعتمد على سياسة الإستحواذ على مفاصل كل شئ، حتى مفاصل الحوار!"
ويخلص الدكتور النايض أنه "لنجاح الحوار يجب أن يتسع للشعب الليبي عامة لا لنخبة سياسية حزبية أثبتت أنها من أهم عوامل التناحر في البلاد".
 

النايض: نعم للحوار لا للاستحواذ عليه

ويكتسي الحوار من منظور الدكتور النايض صبغة خاصة ، إنه  الحوار الذي لا "يستحوذ عليه حزب أو جماعة أو طائفة أو منطقة أو قبيلة أو شخصية سياسية معينة ذات مآرب خاصة."

ويقول النايض على صفحته على فيسبوك ، لنجاح الحوار يقال لهؤلاء: "إن أردتم نجاح الحوار فدعوا الحوار وشأنه! ادعموه بدعواتكم وبتوجيه أتباعكم ومنتسبيكم إلى احترام إرادة الشعب، وترك أساليب الإستحواذ، وتخفيف أسباب الإحتقان، ولكن لا تحاولوا الإستحواذ على الحوار في إطاره وخطواته."

ويرى الدكتور النايض أن مما يفسد الحياة العامة أن تعتمد الأفرقة السياسية على محاولة فرض رأيها بالقوة متوهماً كل فريق أنه يستطيع تحقيق أهدافه بقوة السلاح، وباستخدام الإعلام المؤجِّج للفتن وللانقسام والاقتتال.
"إن كل ليبي عاقل يعلم أن الوطن لا يُبنى إلا بالتوافق والتحاور والتداول السلمي للسلطة بنيةٍ صادقة في الحرص على مصلحة الوطن والمحافظة على أمنه واستقراره ووحدته." يقول الدكتور النايض مشيرا إلى أن " المصالحة الوطنية المبنية على حوار وطني وعدالة انتقالية تحق الحقوق وترفع المظالم هي الطريق الصحيح لإخراج هذه البلاد مما هي فيه، عدل ثم عفو وتصالح ومحبة، عدل وإحقاق للحقوق مع رحمة وتعاون وبناء".