نحو 52 عاماً مرت على عمر مبنى شركة التأمين الوطنية الشامخ في محافظة نينوى، لكن شموخه أمسى عالة على حياة أهالي المحافظة، إذ بعد أن كان الغرض من إنشائه تأمين حياة أهالي الموصل، أصبح وسيلة لإعدام شباب المدينة من قبل تنظيم "داعش"، الذي كان يرميهم مكبّلين من أعلى الطابق السابع للمبنى، بتهم مختلفة كيدية.
وباتت العمارة، التي اعتنى بتصميمها المعماري العراقي رفعت الجادرجي عام 1966 والواقعة في قلب الجانب الأيمن من الموصل، شاهدة على التغيرات الاجتماعية والسياسية عبر عقود متداولة، وأضحت مرآة على التحولات التي عصفت بالبلاد، والتي أنهاها قصف التحالف الدولي، بعد أن كان اتخذها "داعش" مرتفعاً لتنفيذ عمليات القنص ومنصة للإعدامات، ومخبأً لعناصره.
يذكر أن الحكومة العراقية كانت قد كلفت المكتب الاستشاري العراقي برئاسة الجادرجي بتصميم مختلف لشركة التأمين الوطنية، بحيث يكون ذات لغة تصميمية منفردة بحل تكويني استثنائي، مع الاحتفاظ بالانتماء الوطني.
أما اليوم فما تبقى مما يعرف بالأورزدي لدى أهالي الموصل، أصبح محل جدل بين أبناء المدينة، حول إزالته، بين مؤيد ورافض لتلك الفكرة.
"ضحية قد لا يمكن إعادته إلى الحياة"
فبحسب قائممقام مدينة الموصل، زهير الأعرجي، كانت الأضرار قليلة جداً، لكن صاروخين استهدفا القناصين وعناصر "داعش" جعل من المبنى ضحية قد لا يمكن إعادته إلى الحياة.
وقال الأعرجي إنه بانتظار التقرير الفني الذي من المحتمل أن يدعو إلى إزالته لتشكيله خطورة على المدينة حتى بعد ترميمه.
من جهته، صرح الناشط الموصلي، أسامة خليل، لـ"العربية.نت"، أنه على الرغم أن الدمار الذي لحق بالمبنى جعله غير صالح لمزاولة أي عمل، لكن ذلك لا يمنع من أن يكون صرحاً يخلد التاريخ المرير الذي نفذه التطرف بارتكابه جرائم بحق البشر والحجر.
في حين، عبّر آخرون عن خشيتهم من استغلال حجة إزالة آثار دمار الحرب ليسري ذلك على باقي معالم الموصل.
"محل رعب لمعظم أهالي الموصل"
أما المؤيدين لفكرة إزالة المبنى، فعللوا رأيهم بأنه تحول إلى محل رعب لمعظم أهالي الموصل.
وقالت الناشطة تهاني صالح لـ"العربية.نت" إن بقاء المبنى سيشكل حاجزاً نفسياً لكل من يمر بقربه، خاصة وأنه كان يعتبر منصة إعدام بحق الشباب من قبل "داعش".
وتابعت حديثها: "رغم أنه يعز علينا مشاهدة إزالة صرحاً كان شاهداً على عقود من الزمن من التحولات في المدينة، لكنه تحول إلى ذاكرة سيئة بالنسبة للكثيرين الذين عاشوا فترة الظلام إبان تواجد داعش".
وحول إنشاء المبنى، قال الأستاذ في قسم التاريخ بجامعة بغداد، الدكتور زين العابدين آل جعفر، لـ"العربية.نت"، إنه كان يمكن رؤية العمارة المتفردة ذات التشكيلات الفنية غير المألوفة بشكل يمكن لمس تأثيرها إلى أيامنا هذه، مبيناً أن موقع المبنى المميز، الذي يطل على مركز المدينة أضفى على تلك العمارة وضوحاً وصفاءً كبيراً، من خلال إسهامه في رؤية تفاصيلها التي تم العمل بها وفق درجة عالية من الدقة.
كذلك أوضح آل جعفر أن الجادرجي اجتهد ليكون حضور تلك التفاصيل في عناصر الواجهة بشكل فعال ووافر، لافتاً إلى أن ذلك التميز برز من خلال اختيار المصمم لمادة "الحجر" المحببة كي تكون المادة الإنشائية لسطوح واجهاته.
وأردف قائلاً: "جميع تلك العناصر أصبحت اليوم تراباً ولا بد من البحث عن جادرجي آخر لتنفيذ المعالم الحضارية المنفردة في الموصل".
المصدر: العربية نت