هاجمت مجموعة إرهابية مسلحة قوة عسكرية مصرية ترابط على الحدود مع ليبيا في أقصى الجنوب الغربي لمصر، (محافظة وادي الجديد)، مخلفة 21 قتيلا وعددا من الجرحى بعد اشتباكات دامت لساعات مع 30 مهربا ينتمون إلى تنظيم القاعدة.

ورغم تحذيرات السلطات المصرية للمجتمع الدولي والدول المحيطة بمصر، أن المنطقة بشكل عام تواجه مخاطر أمنية متزايدة في ظل انتشار الإسلاميين المسلحين، فإن وتيرة الهجمات التي تستهدف الجيش المصري قد زادت، بل واتخذت اتجاها تصعيديا بفتح جبهة حدودية مع الجيش من الخارج، في تكامل مع هجمات الإرهابيين في سيناء. وهو ما يؤكد أن “مصر تدفع ضريبة حرصها ودعمها لكل المجهودات الليبية للقضاء على خطر الإرهاب الإسلامي المتشدد المتاخم لها من الجهة الغربية”.

في أعقاب قيام قوات اللواء خليفة حفتر بشن عملية عسكرية أطلق عليها اسم “الكرامة في ليبيا”، ضد الجماعات الإرهابية في بنغازي، توالت المعارك في مدن ليبيا حتى وصلت إلى العاصمة طرابلس، وبدورها قامت مصر بإغلاق جزئي لحدودها الغربية لتجنب أي تداعيات سلبية لهذه الاضطرابات، حيث تربط بين البلدين حدود برية مشتركة تمتد على أكثر من ألف كيلومتر.

ففي 20 مايو الماضي أغلقت السلطات المصرية الحدود مع ليبيا تماما، وتم منع المصريين من السفر إلى ليبيا ومنع الليبيين من دخول مصر، منعا لتهريب الأسلحة وتحسبا لدخول الإسلاميين المتشددين إلى الحدود الشرقية في سيناء، خاصةً في ظل الفراغ الأمني في البلدين، وعدم قدرة الجانب الليبي على السيطرة على عمليات تهريب الأسلحة والأشخاص، بعد أن أكدت تقارير أن تنسيقا ما بين الإرهابيين في الجانبين الليبي والمصري تقوم به دوائر استخبارية لتشتيت جهود المصريين في القضاء على الإرهاب بفتح جبهتين في الآن ذاته.

رغم تحذير الرئيس عبدالفتاح السيسي للمجتمع الدولي مرارا من مخاطر أمنية متزايدة بسبب انتشار الإسلاميين في المنطقة، إلا أن الحذر لم يمنع قيام المهربين بتنفيذ هجوم بالقرب من الحدود المصرية مع ليبيا، حيث خلّف أكثر من عشرين قتيلا وإصابة العشرات في نقطة تفتيش للجيش في واحة الفرافرة بالوادي الجديد، الأمر الذي يسلط الضوء مجددا على التحدي الأمني والعسكري المتزايد في المنطقة، والتهديد المتنامي للحركات الجهادية، التي وضح أنها تمتلك من الأسلحة والمعدات ما يؤهلها لتنفيذ هجوم على وحدات ومعسكرات الجيش.

ووفقا للمتحدث باسم الجيش الذي قال على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، “إن قوى إرهابية قامت بتنفيذ تفجير منشأة لتخزين الأسلحة عن طريق قذيفة صاروخية في تبادل لإطلاق النار بين الطرفين”، وهو ما يشير إلى تطور بارز في نوعية الأسلحة المستعملة والوقت الذي استغرقه منفذو العملية في التدرب على مثل تلك الأسلحة والخطط الهجومية.

وقد دفع ذلك إلى الاقتناع شيئا فشيئا بأن الوصول إلى هذه النقطة من اتقان الهجمات على جيوش نظامية مدربة مثل الجيش المصري يرتكز إلى عاملين أساسيين: أولهما أن المجموعات الإرهابية تتلقى تدريبا عالي الدقة والتركيز والاتجاه ذاهب إلى أن ضباطا من جيوش نظامية إقليمية تقوم على التدريبات من هذا النوع، وثانيهما هو أن الأسلحة والخطط وتكتيكات الهجوم تتطلب مساحات واسعة للتدريب والتجمع والمناورة. وهذان العاملان يتوفران في ليبيا الآن، بالنظر إلى غياب الدولة الليبية التي تحفظ الأمن وتحتكر القوة في مناطق بعيدة عن المركز في طرابلس، وبالنظر أيضا إلى سهولة دخول وخروج ضباط الاستخبارات الأجنبية الذين يشرفون على تدريب الإرهابيين لتنفذ الأجندات الخاصة والإقليمية المطلوبة منهم، وعلى رأسها زعزعة استقرار مصر والمنطقة.

ويوضح محمد قدري سعيد رئيس وحدة الدراسات العسكرية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن “الجيش المصري الحر الذي يتم إعداده في ليبيا على الحدود الليبية المصرية، وراء مجزرة الوادي الجديد، حيث بدأت بؤرة المتطرفين المدججين بالسلاح من الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة الموالية لتنظيم القاعدة القيام بعمليات إرهابية بين الحين والآخر، لزعزعة استقرار وقلب النظام الاجتماعي السياسي المصري الحالي”، وهي إشارة واضحة إلى وقوف حلفاء الإخوان المسلمين وراء استهداف الجيش المصري.

ويأتي تنفيذ الهجوم في محافظة الوادي الجديد، والتي تقع على الحدود مع كل من السودان جنوبا وليبيا غربا ليثبت مرة أخرى أن تلك المناطق الحدودية “أصبحت مرتعا أمام المتشددين والمهربين لنقل الأسلحة، بما فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية من الدول المجاورة إلى مصر” حسب رأي الخبراء.

ووفقا لخبراء عسكريين وسياسيين مصريين فإن هناك متشددين إسلاميين يعملون من ليبيا ويريدون إقامة علاقات مع الإسلاميين في سيناء، وهو تحالف يمكن أن يطيل حالة عدم الاستقرار في مصر، لتخويف السلطة وهروب المستثمرين، مؤكدين أن طموحات قوى الجهاد المنشقة عن تنظيم القاعدة مثل داعش التي سيطرت على مساحات واسعة من العراق، تريد إسقاط السيسي وإنشاء ما يسمى بالخلافة في مصر.

إن حادث مقتل الجنود في نقطة تفتيش الفرافرة بالوادي الجديد، يدفع عديد المراقبين إلى ضرورة النظر عن كثب في ما تمارسه جماعة الإخوان المسلمين من تكثيف دعوات لمزيد من الهجمات ضد السلطات المصرية، وخاصة في ضوء ما يدعيه الإخوان من وجود دعم مصري لجهود إسرائيل ضد حماس في أحداث غزة، وهنا تكمن الدعاية غير المباشرة للمس من الجيش وإيجاد تبريرات لاستهدافه وتحييد الرأي العام عن مساندته.

ورغم أن ليبيا في حالة من الحرب الأهلية والأزمات المتتالية، جراء قيام اللواء خليفة خفتر بعملية عسكرية ضد الجهاديين والمتطرفين في ليبيا، إلا أن الجماعة وحلفاءها لن تتردد في استخدام حدود شرق ليبيا باعتبارها منطقة التوغل لمهاجمة الجيش ونقاط التفتيش، رداً على مساندة الجيش لحفتر. إذ يشير اللواء سامح سيف اليزل مدير مركز الجمهورية للدراسات السياسية، إلى أن المهاجمين استخدموا قاذفات بعيدة المدى وقنابل ورشاشات ثقيلة، “وهو ما يتطلب إعادة تسليح قوات حرس الحدود ونقاط التفتيش بمعدات وأسلحة متطورة، توازي الأسلحة التي يمتلكها هؤلاء المتطرفون، في ظل وجود حدود واسعة النطاق بين مصر وليبيا، والتي يصعب مراقبتها عن كثب”.

ويؤكد سيف اليزل أن السلطات المصرية عليها أن تركز أكثر على منطقة الحدود الشمالية ضد التنظيمات الإرهابية كأنصار بيت المقدس، وأيضاً حماية الحدود الغربية من هجمات قادمة من ليبيا، “فمعركة الحرب على الإرهاب لن تنتهي بسهولة، وإنما ستزداد الخسائر في المنطقة، في ظل رغبة بعض الجهات الإقليمية في توريط القاهرة في صراع جهادي مع المتطرفين”. والهدف من كل ذلك، إفساح المجال أمام الإسلاميين للسيطرة على الحدود الشمالية والغربية، بما يسمح بإسقاط السيسي ويعطي الفرصة للمجتمع الدولي بوضع الحدود المصرية تحت المراقبة الدولية.

 

*نقلا عن العرب اللندنية