ماذا علينا أن نعرف؟ وماذا علينا أن نعمل؟
في الجزء الرابع من ملف المدينة (الأسبوع المغاربي، العدد85)، وبعد مدخل وجيز عن المدينة الذكية، تساءلت الروائية الشابة ليلى عيون: "هل وهران حقّا يمكن أن تتحول الى مدينة ذكية؟"، وبعد أن استرسلت في الحديث عن وهران ومعالمها التاريخية وذاكراتها المتعددة، "المغراوية والمرابطية فالفاطمية والأموية والموحدية والزيانية والحفصية ثمّ الاسبانية والعثمانية والفرنسية". وبعد أن استعرضت، في لمحات خاطفة، صورا عن المدينة في أزمنتها المتعددة، فتحت نافذة صغيرة عن راهن المدينة وكيف أصبحت بعد العشرية السوداء بعد طقس الخوف والنزوح الريفي "آلاف من النّازحين القادمين من الأرياف ومناطق الظّل استقروا بوهران خوفا من آلة الدّم، حاملين معهم طقوسهم الخاصّة متوسعين أفقيا ومشكلين طوقا من البنايات الهشة حول المدينة. وأثر ذلك تأثيرا بالغا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمدينة. مما أسهم في تشكيل طبقات اجتماعية جديدة وسلوكات أُفْرِزَت بغرض التكيّف الاجتماعي". ثم تختم مقالها بجملة من التساؤلات: حول عودة الوعي بما تجلبه تكنلوجيا المعلومات، وإدماج المواطنين في نسق اجتماعي مديني، وتوفر المناخ الاقتصادي والسياسي، ومقاييس المدّينة الذّكية. و"إنّ السؤال الذي يفرض نفسه اليوم بشدّة ماذا علينا أن نعرف؟ وماذا علينا أن نعمل؟ تساؤلات قادمة من المستقبل على مشرط الفرضيات".
الصحفي والمترجم مصطفى حفيظ، فضل الكتابة عن الحياة الثقافية والترفيهية في المدينة الجزائرية. وبعد حديثه المقتضب عن اقتران المدينة بالحيوية والحركة حتى الساعات المتأخرة من الليل حيث تنشط المسارح ودور سينما والنوادي الليلية، المطاعم والأمسيات الموسيقية والشعرية، فتكون مزار السياح، غير أن المدن الجزائرية على العكس، مدن تنام باكرا، كما لو أنها لا تمتلك ثقافة مضادة للضجر والكآبة، بالرغم من أننا "نملك من المقوّمات ما يجعل مدننا جميلة وحيّة ثقافيا وترفيهيا، بل وسياحيا أيضا، فهناك دور السينما، والمسارح، والمكتبات والمقاهي وحتى الجمعيات الأدبية والثقافية، كما هناك متاحف ودار للأوبرا كذلك، هل تفتح أبوابها كل يوم؟ هل ما زال المسرح الجزائري نفسه؟ هل هناك عروض تقدم يوميا، أسبوعيا؟ شهريا؟ أو شيء من هذا القبيل"؟
وينهي مقاله بالقول: "ربما يعيش الجزائري حالة من "الديقوطاج" وهي عبارة شائعة في اللهجة الجزائرية وتعني الكآبة، أو الضجر من وضع ما، ولعل كآبة الحياة التي يعيشها جراء اهتمامه بالماديات أكثر هو ما جعله لا يعرف طريقا للسهر أو الترفيه ولا التمتع بكل ما هو ثقافي، وقد يكون سبب هذه الكآبة هو اهتمام الناس بالماديات أكثر من الثقافة، ربما بسبب غلاء المعيشة، وقلة وسائل النقل ليلا، وضعف الدخل الفردي لفئات واسعة من المجتمع، كل هذا قد يجعل الذهنيات تنشغل بالخبز اليومي للحياة أكثر من الترفيه والثقافة".
الجديدة/ مازغان، وهي من المدن المغربية التي تركت في نفسي مشاعر طيبة منذ زرتها أول مرة وربطتني ببعض مثقفيها علاقة صداقة من ضمنهم الشاعر التاشفيني. مدينة الجديدة تطل على الساحل الأطلسي وتربض على مقربة من أم الربيع أحد أكبر أنها المغرب، تقع جنوب العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء وتبعد عنها حوالي مئة كلم. مدينة جميلة بمحيطها الطبيعي الساحر وشواطئها ومعالمها الأثرية كالحي البرتغالي. وهي، أيضا، مدينة الناقد والسوسيولوجي المتميز عبد الكبير الخطيبي والمؤرخ الشهير المفكر عبد الله العروي وعبد الكريم الخطيب ذي الأصول الجزائرية أحد أبرز رجالات السياسة في المغرب، وهي مدينة ثلة من الأصدقاء من ضمنهم سعيد التاشفيني وسعيد عاهد وإدريس طاهي وأحمد جواد ومراد كوثري ومراد الخطيبي، والراحل الشاعر والصحفي حكيم عنكر، ومدينة المفكر السوري خالص جلبي الذي اختار العيش فيها، عندما التقيت به بدعوة منه في بيته بالجديدة، قلت له مازحا: أهلا بالأستاذ خالص الدُكّالي. ودُكّالة هي اسم المنطقة التي تقع فيها الجديدة، منطقة تاريخية تقع بين الدار البيضاء شمالا ومراكش شرقا وعبدة جنوبا والمحيط الأطلسي غربا.
والجديدة، أيضا، مدينة الفروسية ومزار حوالي مليونين من عشاق موسم مولاي عبد الله أمغار أحد أشهر المهرجانات السنوية العريقة في المغرب حيث يجتمع الفرسان من كل الجهات لصناعة الفرجة والفانتازيا أو كما يسميها المغاربة "التبوريدة" أو "أصحاب البارود" كما يسميها الجزائريون.
يهيم الشاعر سعيد التاشفيني بمدينته عشقًا وحنينا إلى زمنها الجميل الذي حاول استعادته عبر الإيقاع في لامية تفيض شوقا ومجازا. يستهل سعيد قصيدته مناديا البحر، ويرجوه في صيغة استفهام أن يخبره بما جرى لمدينته. الشاعر الذي خانته حيلته وطار النوم من جفونه يبحث عن ضالته لدى البحر لعله يساعده على معرفة ما حدث لمدينته:
يا بحر هل تقوى لتخبر شاعرا
قد بات يمنعه المنام ســـــــؤال
ماذا جرى لمدينة تاريخهـــــــا
قد وثقته بعشقها الأجيــــــــــال
ويمضي الإيقاع بالشاعر في مرثاته، تساؤلا واستغرابا وحسرة على ما تعرضت له المدينة على يد شبكات الفساد التي عاثت فسادا في العقار والشواطئ. ويعترف الشاعر أن المسؤولية يتحملها أهل المدينة ولا سيما نخبتها: "نحــــــن الجناة بصمتنا أنـــــــــذال"، وينهي قصيدته برسالة إلى أهل المدينة:
لا تتركوها بالتغاضي عرضـــــــــة
للسبـــــــــــي إن سكوتنا إهمًـــــــال
في ضوء الخراب الذي طال عددا من المدن في اليمن وسوريا والعراق... بسبب الحروب والإرهاب، يجد المواطن المغاربي نفسه أمام جملة من التحديات بحثا عن أفضل السبل التي تنأى بمدينته عن الخراب والفوضى وتجعل منها مدينة يطيب فيها العيش. كيف يمكن تحرير مدننا من الفساد الإداري والتسيب واللامبالاة؟ إلى متى نفهم أن الغرب قد ضاق بنا ولم يعد يتسع للفارين من أوطانهم؟ ألم يحن الوقت بعد لكي نتعلم من الغرب بدل الهروب إليه؟ ماذا علينا أن نعرف؟ وماذا علينا أن نعمل؟
** عندما تجفّ روح المسؤولية
مؤخرا تداول نشطاء السوشل ميديا صورة لبناية قيد الإنجاز تقع على حافة جرف هار، جرف شديد الخطورة ببئر مراد رايس، وبعد هطول الأمطار انهار جزء من الجرف وأصبحت البناية على وشك السقوط، والمثير للاستغراب أن البناية تتكون من سبع طوابق علوية وأربع طوابق أخرى سفلية. هذه البناية التي تم إنجازها فوق منحدر، يقول رئيس نادي المخاطر الكبرى عبد الكريم شلغوم، لا يمكنها أن تقاوم لأن انزلاقات التربة متزايدة وليس هناك خيار آخر سوى تدميرها. وهذا مثال على التسيب وثقافة الفوضى وانعدام روح المسؤولية، والأمر ليس مدعاة للاستغراب إذا علمنا أن مدينة "ذكية" بكاملها كانت دراساتها الهندسية مزورة وفق ما تداوله مواطنون.
فكرة هذه المدينة تعود إلى 1997، وذلك بإنشاء "المؤسسة العمومية لتهيئة المجمع الجديد في سيدي عبد الله"، وهي النموذج الأول للمدينة الذكية، ومدينة "الأحلام" هذه تم التسويق لها أنها تتشكل من "الأحياء الذكية بالغة الدقة، ووفق مقاييس عالمية تضمن تحسين الظروف المعيشية للمواطن. وستحتضن "سيدي عبد الله" القطب (البيو تكنولوجي) الرابع من نوعه عالميا، وهو يندرج ضمن مشروع شراكة جزائرية أمريكية، ولن يكتف "قطب الامتياز" بتغطية المتطلبات الدوائية للجزائر فحسب، بل يشمل أيضا أفريقيا والشرق الأوسط على غرار القطبين الجهويين اللذين تمّ إنشاؤهما بكل من سنغافورة وإيرلندا.
غير أن رئيس لجنة حي الإحسان، بن يحي سيد علي، أشار "أن السكان يعانون من عدة مشاكل إلى يومنا هذا، على غرار بعد المدارس الابتدائية عن مقر سكناهم، وغياب الثانوية والمحلات التجارية ناهيك عن عدم توفر الخدمات وأهم ضروريات الحياة، وهو ما يشعرهم بعدم الراحة والأمان، مضيفا أنه بعد سنة ونصف من استلام مفاتيح سكناتهم لم يرو أثار الذكاء، بل بالعكس طغت صفة الغباء على المدينة" وبخصوص حيهم يضيف "لا وجود لأماكن الترفيه ولا للملاعب ولا لوسائل النقل، ناهيك عن انعدام الأمن والأمان والنظافة، كما أن التهيئة الحضرية غائبة على كل المستويات، ضف إلى ذلك غياب المراكز الصحية ومشكل الإنارة العمومية" وفق ما ورد في الشروق يوم 21 فبراير 2021.
لا شك أن هذا الارتجال ناجم عن انعدام روح المسؤولية، المسؤولية هنا تبدأ من الجهة المختصة وتمتد إلى كل الأطراف المعنية، بما في ذلك المواطن الذي لا يكلف نفسه عناء التعلم كيفية الدفاع عن حقوقه والنضال من أجل حياة أفضل ومتابعة الجناة. إنه وسط موبوء تنتشر فيه ثقافة الأنانية والحسد والطمع والكسل واللامبالاة، وسط يتبجح بالدفاع عن قضايا يجهلها ويعمى عن رؤية قضاياه الحقيقية.
** التاريخ، ذلك المُعلّم
أسباب زوال المدن عديدة، قد تزول بسبب الزلازل والفيضانات والبراكين، كما قد تزول بسبب الأوبئة أو بسبب الحروب. غير أن أفظع الكوارث هي تلك التي ضربت مدينة تشيرنوبيل وحوالي مليون ونصف مليون هكتار من الأراضي الزراعية في أوكرانيا وبلاروسيا. الكارثة التي وقعت عام 1986، هي أكبر كارثة نووية شهدها العالم، إذ خلفت آلاف القتلى، بينما صُنفت كأسوأ حادث للتسرب الإشعاعي والتلوث البيئي في تاريخ البشرية. أما بريبيات المدينة الأوكرانية، فقد اشتهرت بمدينة الأشباح، هذه المدينة سيئة الحظ لم تعمر سوى 16 عاما. عام 1970 تم إنشاؤها، عندما كانت أوكرانيا في ذلك الوقت جزءاً من الاتحاد السوفيتي، وحملت المدينة صفة محافظة/ولاية. وقد بُني فيها مفاعل تشرنوبل عام 1979، لغرض بناء البرنامج النووي المدني للطاقة الكهربائية. وفي عام 1986، شهد المفاعل النووي انفجارا بسبب خطأ العلماء النوويين العاملين فيه، فقامت الحكومة السوفيتية بإجلاء أكثر من 100 ألف من سكانها إلى خارج المدينة.
ومع ذلك، وفي عصر الطاقات النظيفة، نجد دولا مازالت تصر على الصناعة النووية غير آبهة بالمخاطر التي قد تنجم عنها حتى ولو كانت لأغراض سلمية، فما بالك بالدول التي مازالت تنفق الأموال الطائلة على الأسلحة النووية والكيمياوية بشكل سري.
وإذا كانت بريبيات لم تعمر سوى 16 عاما ثم انعدمت فيها شروط الحياة، فتفرق أهلها وأصبحت مدينة للأشباح، فإن عددا من المدن نشأت منذ عشرات القرون واستمرت الحياة فيها حتى عصرنا الحاضر، هناك مدن عمرها أكثر من خمسين قرنا.
لا شك أن هناك سرا وراء المدن التي حافظت على وجودها والمدن التي بادت أو تعرضت إلى الخراب. وبالموازاة هناك مدن رغم تعرضها إلى الدمار بقيت صامدة، مثل مدينة "تيمقاد" الجزائرية التي بقيت حتى اليوم "أكبر متحف على الهواء الطلق" وشاهدا على عصر الرومان في الجزائر، هي المدينة الرومانية الوحيدة في أفريقيا التي بقيت محافظة على شكلها، إضافة إلى كونها أكبر وأجمل مدينة رومانية في أفريقيا. مع تقهقر الإمبراطوريا الرومانية إثر الغزو الوندالي في القرن الخامس الميلادي هجرها السكان ولم تعد تتوفر على شروط الاستقرار، ورغم مرور عدة قرون على هجرانها بقيت أطلالها صامدة حتى عصرنا الحاضر.
مؤخرا، قام فريق بحثي إيطالي بإعادة تشكيلها بتقنية الأبعاد الثلاثية (انظر الصورة). هذه المدينة الأثرية على غرار مئات الأماكن الأثرية في الجزائر تمثل كنزا ثقافيا وسياحيا لو أحسنت السياسات المتعاقبة حسن استغلاله. وفي سياق التقارب الجزائري الإيطالي نأمل أن تنهج السياسة الجزائرية نهجا متبصرا وبراغماتيا في حسن استثمار المواقع الأثرية الرومانية وتحويلها إلى مشاريع ثقافية وسياحية ونافذة للحوار الحضاري المفتوح على مستقبل أكثر ازدهارا وسلاما.
** مجتمعات المعرفة والمدن المستدامة
"وفق اليونيسكو، يعيش أكثر من نصف سكان العالم اليوم، أي 3.9 مليار نسمة، في المدن، وهي زيادة بنسبة خمسة أضعاف مقارنة بعدد السكان عام 1950. هذا وسيستمر عدد سكان المناطق الحضريّة بالتزايد بمعدّل غير مسبوق. ومن المتوقّع أن يعيش كل شخصين من أصل ثلاثة أشخاص في المدن بحلول عام 2050. وتمثّل المناطق الحضريّة اليوم حوالي 70% من الناتج الإجمالي المحلّي حول العالم بوصفها واحداً من أهم مصادر الازدهار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ولكن النموّ الحضري السريع يمارس الضغط على البيئة الطبيعيّة والصحة العامة فضلاً عن مساهمته في تفشّي الفقر، والإدماج الاجتماعي، والهجرة الجماعيّة، والأزمات الاقتصاديّة والتغيرات المناخيّة والصراعات.
وتعرب اليونسكو عن التزامها في تعزيز استدامة المدن وذلك من خلال إسداء المشورة في مجال السياسات وتقديم المساعدة التقنيّة وبناء القدرات بالاعتماد على خبرتها التشغيليّة والمعياريّة الطويلة في قطاعات التعليم والعلوم والثقافة والتنمية. وبفضل التعاون متعدّد المجالات بين قطاعات اليونسكو المختلفة، بالإضافة إلى شبكتها الواسعة من الخبراء من جميع أنحاء العالم، اكتسبت المنظمة دوراً رائداً في تعزيز التنمية الحضريّة المستدامة من جهة، وتنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 على نحو فعّال.
وبما أن المعارف والمعلومات ذات تأثير كبير على حياة الناس. فتبادل المعارف والمعلومات بشتى الوسائل، ولا سيما من خلال تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، يفضي إلى تحويل الاقتصادات والمجتمعات. وتعمل اليونسكو في سبيل بناء مجتمعات معرفة جامعة وتمكين المجتمعات المحلية عن طريق زيادة الفرص المتاحة للانتفاع بالمعلومات والمعارف في جميع مجالات اختصاص المنظمة، وصونها وتبادلها. ولا بد من بناء مجتمعات المعرفة على أربعة أسس هي حرية التعبير؛ وتعميم الانتفاع بالمعلومات والمعارف؛ واحترام التنوع الثقافي واللغوي؛ وتوفير التعليم الجيد للجميع.
والمنظمة ملتزمة ببناء مجتمعات المعرفة انطلاقاً من قناعتها بأن تعميم الانتفاع بالمعلومات هو عامل أساسي في بناء السلام وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وإقامة الحوار بين الثقافات. وتعزز اليونسكو مبدأ "الانفتاح" في المضامين والتكنولوجيات ومختلف العمليات من خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة في مجال التوعية ورسم السياسات وبناء القدرات. وتشمل الحلول المتاحة في هذا الصدد الانتفاع الحر بالمعلومات العلمية، والموارد التعليمية المفتوحة، والبرمجيات الحرة والمفتوحة المصدر، وبرنامج التدريب المفتوح، وكذلك التعليم المفتوح والتعليم عن بعد. وتتيح هذه الموارد للباحثين والمبدعين استخدام البيانات وتبادلها على نحو أسهل، كما توفر للطلبة والمعلمين في شتى أنحاء العالم فرصاً غير مسبوقة للانتفاع بالمعارف والمعلومات.
وتكتسي أنشطة صون التراث الوثائقي أهمية مركزية في مهمة تعزيز السلام والحوار بين الثقافات التي تضطلع بها اليونسكو. وتدعم المنظمة هذه الأنشطة عن طريق تدعيم أطر الصون القائمة، وتشدد على أهمية صون المعلومات المرقمنة والمعلومات المنتجة رقمياً في الأجل الطويل. وإلى جانب ذلك، تعزز اليونسكو التعدد اللغوي واحترام التنوع الثقافي في المجال السيبرني، وتشجع على إنتاج المضامين المحلية بلغات مختلفة، كما تسهم في النقاشات الدولية المتعلقة بإدارة الإنترنت من خلال المشاركة في منتدى إدارة الإنترنت ومؤتمر القمة العالمي لمجتمع المعلومات.
وبغية التقدم بنجاح في هذه البيئة التي تتغير باستمرار، وحل المشاكل المرتبطة بجميع جوانب الحياة على نحو فعال، يتعين على الأفراد والمجتمعات المحلية والدول اكتساب المهارات اللازمة للبحث عن المعلومات وتحليلها بحس نقدي ولإنتاج معلومات ومعارف جديدة. وتوفر لنا الدراية المعلوماتية فرصاً جديدة لتحسين نوعية حياتنا كما ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمهارات استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصالات وبالمعارف الرقمية والدراية الإعلامية.
وقامت اليونسكو، بمناسبة اليوم العالمي للمدن الموافق 31 أكتوبر، بتعيين 66 مستوطنة حضرية ستُدرج في شبكة المنظمة للمدن المبدعة، التي تضم اليوم 246 مدينة. وتجمع الشبكة المدن التي تتخذ من الإبداع أساساً لتطورها، وذلك في مجالات الموسيقى والفنون والحرف الشعبية والتصميم والسينما والأدب والفنون الإعلامية وفن الطبخ. المدن العربية التي شملتها اللائحة أربعة من (الإمارات، العراق، البحرين والمغرب).
وتبقى الإمارات نموذجا للبلد الذي عرف كيف يتعلم من غيره، وعرف كيف يستثمر ثروة النفط في التنمية؛ ومن أجل تعزيز مفهوم الاستدامة والتصدي للتغيرات المناخية، تتبنى الإمارات الأفكار الإبداعية لتكون في مصاف البلدان العالمية في مجال إنشاء مدن مستدامة ضمن رؤية مبتكرة، تستشرف من خلالها المستقبل، بحيث تهدف إلى تحسين جودة حياة قاطنيها والحفاظ على متطلّبات الأجيال المقبلة، وتوفير فرص للأبحاث حول كيفية قدرة المجتمعات السكنية بتقليل انبعاثات الكربون والحفاظ على البيئة.. فما هي المدن المستدامة؟ وما هي معايير تأسيسها؟ وأهدافها؟ وكيف تسهم في التصدي للتغيّرات المناخية؟
أوضح يوسف أحمد المطوع، المدير التنفيذي لمدينة الشارقة المستدامة أن الاستدامة بالنسبة للبشر تعني الحفاظ على جودة الحياة التي نعيشها على المدى الطويل، وهذا بدوره يعتمد على الاستخدام المسؤول للموارد الطبيعية بطريقة تلبي احتياجات الأجيال الحالية والمقبلة المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، موضحاً أن تأسيس المدن المستدامة يتم وفق عدة معايير وعناصر يجب مراعاتها أثناء تصميم وبناء المدن المستدامة، أهمها الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تعد العناصر الأساسية لضمان استدامة المجتمعات.
وأضاف: خلال السنوات الماضية تغير الناتج الاجتماعي للنشاط الاقتصادي، أو ما يعرف بالتنمية الاجتماعية من ناحية الشروط، حيث دخلت معايير الاستدامة وحماية الموارد والحفاظ على المسطحات الخضراء وحماية الصحة العامة، والحد من انبعاث الغازات السامة على قائمة شروط التنمية عموماً، بل أصبحت هذه المعايير الحديثة قاعدة أساسية للتنمية المستدامة ومطلباً دولياً ملحاً لا يمكن تجاهله.
وعن معايير المدن المستدامة أكد أنه في مدينة الشارقة المستدامة يتمّ تشغيل المدينة كلياً بالطاقة المتجدّدة التي يتمّ إنتاجها بواسطة الألواح الشمسية مع إعادة تدوير المياه والنفايات، كما تتمّ فيها زراعة مختلف أنواع الخضار والفاكهة باستخدام التكنولوجيا الحديثة في البيوت الخضراء، إضافة إلى ذلك، تمّ تجهيز الفلل بمعدّات وأجهزة لتوفير استهلاك المياه، كما تتميّز المدينة بحلول التنقل الكهربائي، بما في ذلك محطات شحن المركبات الكهربائية، وتوفير مسارات بطول 2.4 كم مكرّسة للمركبات الكهربائية ذاتية القيادة.