أثار الإعلان من مدينة سبها عن قيام مجلس إقليم فزان الفيدرالي جدلا واسعا في الأوساط الليبية ، واعتبرته أطراف عدة إيذانا بتقسيم ليبيا التي تواجه أزمة مستفحلة منذ تسع سنوات ، زادها التدخل التركي السافر حدّة.

وبينما كانت إيطاليا أول جهة أجنبية أعلنت تأييدها للمجلس ، قرر الجيش الوطني الليبي منع أي مظاهرات تهدف لزعزعة الأمن والاستقرار داخل مدينة سبها، بعد رصده تحركات مشبوهة، محذرا كل من يخالف التعليمات بإجراءات أمنية وقانونية رادعة.

 وأوضح أمر المنطقة العسكرية سبها، العميد عبد القادر النعاس، إن هذه الخطوة جاءت للحفاظ على وحدة البلاد من التقسيم من قبل من وصفهم بالعملاء، مؤكدا إن هناك أيادي خارجية تريد إدخال البلاد في نفق مظلم.

واتهم النعاس في بيان، من سماهم بدعاة التقسيم ، بإنهم يحنون لعودة الاستعمار من جديد للمنطقة الجنوبية، مردفا :«نحن لن نكون تحت رحمتهم مرة ثانية»

وقالت مصادر عسكرية  أن قوات الجيش المنتشرة في الجنوب لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات الدفع الى تقسيم البلاد من بوابة فزان ، وأن التعليمات واضحة بالتصدي لأي مشروع فتنة قد يطل برأسه لتنفيذ أجندات خارجية هدفها تمزيق الجغرافيا الليبية والنسيج الاجتماعي ونهب ثروات البلاد ، مضيفة أن هناك مؤامرات تحاك تحت ساتر الظلام لإعادة خلط الأوراق في البلاد وضرب وحدتها الترابية ،

 وكان عدد من النشطاء أعلنوا الإثنين قبل الماضي من أمام قلعة القاهرة شمال مدينة سبها عن تشكيل مجلس اقليم فزان ، وتضمنت الوثيقة التأسيسية جملة من المبادئ ،  من بينها «التحول للامركزية عبر إيجاد وتوطين وتمكين كيان لامركزي مدني حاكم لفزان تكون له صلاحيات واسعة والذمة المالية المستقلة وتقديم الخدمات وإيجاد الحلول للمختنقات » والتأكد على إن «الأهلية الوطنية لفزان تكمن في وجود تمثيل سياسي عادل له وفقا لقرار الأمم المتحدة سنة 1949»وإن «مكونات إقليم فزان بثقافاتها المتعددة يجمعها تاريخ ومصير مشترك.»

ورغم أن الوثيقة شددت على «إن ليبيــا وحدة واحدة ولا تقبل القسمة ولا التجزئة وإن وحدة ليبيا وسلامة أراضيها هي قاعدة الهرم للكيان اللامركزي الحاكم لفــــــــــزان » إلا أن رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان على بوسبيحة، حذر من أن تشكيل أي جسم بإقليم فزان يعد إرهاصة من إرهاصات تقسيم البلاد.

كما أعتبر عدد من الدبلوماسيين والسياسيين والنشطاء من المنطقة الجنوبية إن هذا الجسم قد شُكل من قبل لجنة تحضيرية غير منتخبة وغير معينة من أي من السلطات المتنازعة في ليبيا ، وقالوا في بيان « إن ظهور هذا الكيان المجهول يأتي بعد أسابيع قليلة من إعلان بعض أعضاء مجلس النواب عن إنشاء كتلة برلمانية وحراك فزان وغيرها من الكيانات التي ستتنازع فيما بينها في حق تمثيل فزان الامر الذي سيضيع في النهاية حق فزان واهلها ويدخل المنطقة في صراع اجوف لا طائل من وراءه » مشيرين الى « إن غياب الاهداف والمبادئ الحاكمة لكيان ( مجلس إقليم فزان ) تبث الريبة حول أهدافه وغاياته الحقيقية وتطرح جملة من التساؤلات المشروعة حول انتماء هذا الكيان ومدى سيادية توجهاته، ومخاوف حقيقية باستغلال استيلاب حقوق ومعاناة أهل فزان وتحويلها لفرصة في اقتناص دور في سلطة مرتقبة قد تستغل من ضعاف النفوس لفصل الاقليم عن بقية الوطن»

وأكد عضو مجلس النواب علي السعيدي، أن الجنوب الليبي لازال يعاني عدد كبير من المشاكل وعلى رأسها الوضع الأمني والاقتصادي المتردي.

وقال السعيدي، في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية"، :"فزان تعاني كثير من المشاكل منها الأمن، والسيولة، والمحروقات، وغاز الطهي، وعدم تفعيل مطار سبها، أيضا مشاكل الهجرة غير شرعية، وتهريب المحروقات إلى خارج التراب الليبي عن طريق فزان، وتواجد المليشيات التي ترعى وسهل عمليات الهجرة غير شرعية، وعمليات تهريب المخدرات وتهريب المحروقات والسلع التموينية إلى خارج البلاد".

وفيما يتعلق بـ"مجلس إقليم فزان"، رأى السعيدي أن هذا المجلس ولد ميتا، لافتا إلى أن المجلس ليس لديه رؤية واضحة لهذا المشروع.

وقال السعيدي، :"مجلس فزان يحتاج إلى رؤية واضحة، ونؤكد أننا لسنا انفصالين نحن مع وحدة التراب الليبي، وستبقى ليبيا دولة آمنة مستقرة، ولكن في نفس الوقت لدينا الحق نحن  كأهل فزان في اتخاذ القرار المناسب لدعم أبنائنا في الجنوب من خلال توفير الأمن والأمان والحقوق، ونحمل الحكومات المتعاقبة ونخص بالذكر حكومة الأمم المتحدة المتمثلة في المجلس الرئاسي والحكومة الليبية المنبثقة من مجلس النواب المسؤولية، فهاتان الحكومتان لا يعتقدوا أن هناك مكان أسمه الجنوب في ليبيا، مع العلم أن فزان تعتبر من مصادر الدخل الليبي حيث أن ثلث نفط ليبيا يأتي من فزان التي تعاني من شح المحروقات وعليه نحن مع وحدة التراب، ولكننا سوف ندعم هذا المشروع إذا لم تستجب هذه الحكومات لأهالي فزان".

وحمّل رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان علي بوسبيحة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق مسؤولية ما يحدث من إرهاصات لتقسيم البلاد.

وقال بوسبيحة،، “ألم تكن هجمتنا على مجلس إقليم فزان اللا مركزي حفاظا على وحدة تراب الوطن؟ إذا ما هو السر في سكوتنا على الاعتراض على مبادرة عقيلة صالح؟ والتي بنيت على أساس الأقاليم التاريخية” على حد قوله.

وأضاف رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان: “من الناحية الأخرى لماذا لا توجه أصابع الاتهام إلى المجلس الرئاسي لكل ما يحدث من إرهاصات للانقسام بسبب تهميشه للمنطقة وأيضا إصراره على استمرار الحرب بمساعدة قوى أجنبية”.

وتابع بوسبيحة: “هذه الأمور تجعل منا قوى ضاغطة أساسية في سبيل وحدة الوطن ويكون مجلس إقليم فزان ومثيلاته وسائل ضغط إضافية للحصول على حقوق فزان”.

بالمفابل رد مؤيدو قيام المجلس سبب القرار الى حالة التهميش التي يواجهها الجنوب ، وقال عضو مجلس إقليم فزان، الطيب الخيالي، إن سبب تشكيل المجلس هو تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والخدمية في الإقليم واستمرار الانقسام السياسي في ليبيا إلى جانب غياب أي تمثيل لفزان في جهود التسوية السياسية بين برقة وطرابلس، وفق قوله.

وأوضح المحلل السياسي يوسف عبد الرحمان أن « فزان تواجه اليوم كل أشكال التهميش ، وأهلها يواجهون تحدي كورونا التي كشفت عورات الحكومات المركزية، كما عادت إلينا أمراض القرن السابع عشر ، فزان التي تضخ يوميا في شرايين الدولة 350 آلف برميل نفط ، و30 آلف متر مكعب من الماء ، يموت أطفالها بسم العقارب ومشافيها مغلقة ، ويشترون لتر الماء بدينار ، ولتر البنزين بأربع دينارات ، وفزان التي يباع غازها بسنتات معدودة لتدفئة المنازل في إيطاليا وأوروبا ، تلهث عجائزها لشراء أسطوانة غاز الطهي ب250 دينار ، وتطول قائمة المعاناة  » وأضاف « الحكومات التي صرفت 350 مليار دولار منذ العام 2011 ، لم تردم حفرة واحدة بطرقات الجنوب ، وطبعا لا ننسي معاناة فزان مع دواعش المال العام والإخوان المتأسلمين الذين أفسدوا الحياة السياسية في البلاد ، ما أدى الى تحول ليبيا الى ساحة للمرتزقة والتدخلات الخارجية »

ويرى بعض المراقبين أن الصراع القائم حاليا بين الإقليمين التاريخيين برقة ( شرق ) وطرابلس ( غرب ) أدى الى تهميش الإقليم التاريخي الثالث فزان ،الذي يحتكم على خصوصيات اقتصادية وجغرافية واستراتيجية مهمة، كونه بوابة منطقة الصحراء الإفريقية الكبرى ، ولديه حدود ترابية بمسافة تصل الى 2000 كلم مع الجزائر والنيجر وتشاد ، إضافة الى الثروات الطائلة التي تعتبر الأهم من نوعها في ليبيا

وفي خطوة لافتة، أعلنت وزارة الخارجية الإيطالية ترحيبها بتشكيل مجلس في فزان بجنوب ليبيا، واصفة إياه بأنه تطور متعلق بعملية المصالحة السياسية في تلك المنطقة اللييية.

وقالت وزارة الخارجية الإيطالية أن تشكيل مجلس فزان، يمثل العديد "من الحقائق الاجتماعية والعشائرية في المنطقة" ، واعتبرت فزان "منطقة إستراتيجية لتحقيق التوازن بين ليبيا والمنطقة بأسرها، ويمكن أن تقدم مساهمة مهمة لتحقيق الاستقرار في البلاد بأكملها".

وأكدت الخارجية الإيطالية "دعمها الكامل للمبادرة لهذا السبب، ورغبتها في تعزيز التطورات الإيجابية الجارية في المنطقة وفي الإطار الأوروبي أيضا".

كما عقد سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، آلن بوجيا اجتماعا افتراضيا مع ممثلي ما يسمى بـ”مجلس إقليم فزان” بادعاء أن الأمر يأتي في إطار المصالحة السياسية في الإقليم الجنوبي.

وقال ممثل الدبلوماسية الأوروبية في ليبيا، في تغريدة نشرتها البعثة الأوروبية، طالعتها وترجمتها “أوج”: “لقد شجعتني جهودهم من أجل تحقيق المصالحة وإعطاء صوت موحد للمنطقة”.

واعتبر بوجيا، أن التحديات التي يواجهها أهل فزان تحتاج إلى مزيد من الاهتمام من قبل السلطات الليبية والمجتمع الدولي.

يذكر أن فزان كانت طوال تاريخها دولة مستقلة أو جزءا من الممالك الإفريقية المجاورة ، ثم أصبحت بعد ذلك دولة تسمي بدولة أولاد محمد التي استمرت ثلاثة قرون وانتهت مع نهاية القرن عشر ،الى أن سيطر عليها العثمانيون ونصبوا عليها واليا منهم ،وفي أوائل 1911 احتلت فزان من قبل إيطاليا، إلا أن سيطرتها على المنطقة لم تكن مستقرة حتى العام 1923 حين صعدت الفاشية إلى الحكم في إيطاليا ، وأثناء الحرب العالمية الثانية قامت قوات فرنسا الحرة بطرد القوات الإيطالية واحتلال مرزق وهي بلدة رئيسية في فزان في 16 يناير 1943، وظلت المنطقة تحت السيطرة العسكرية الفرنسية حتى 1951 عندما أصبحت ولاية فزان جزءا من النظام الفيدرالي بعد استفتاء شعبي أعلن الملك ادريس السنوسي على إثره المملكة الليبية المتحدة في 24 ديسمبر 1951، ومنذ ذلك الحين تداول على حكم الإقليم ثلاثة من شيوخ قبيلة أولاد سليمان العربية وهم أحمد وعنر وغيث سيف النصر ، الى أن تم في العام 1963 إلغاء النظام الفيديرالي.