قال مركز مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في تقرير حديث له إن مصر تقترب بشكل خطير نحو الإفلاس، مشيرا إلى أن بوادر هذا الأمر تظهر في تشديد الحكومة القيود على العملة الأجنبية، واجبار البنوك على شراء أدوات الدين، وارتفاع متأخرات الديون.

وأرجع التقرير الصادر خلال الشهر الجاري توقعاته تلك، إلى الاحتياجات الاقتصادية للبلاد والموروثات من السياسات الاقتصادية غير المتماسكة  من الماضي المستمرة حتى الوقت الحالي، وتابع: "التحديات السياسية للإصلاح الاقتصادي، واحتمال التعرض للصدمات الاقتصادية الخارجية يجعل أزمة الإفلاس محتملة بشكل كبير، وذلك رغم المساعدات الخليجية التي حصلت عليها".  

ودعا  التقرير، الذي أعده الباحث ستيفن كوك المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والسياسة في العالم العربي،  الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الخليج وأوروبا، وآسيا للاستعداد لهذه النتيجة.

وأوضح التقرير الصادر عن المركز الذي يعد أكثر مراكز صنع القرار تأثيرا ونفوذا خارج الحكومة الأمريكية، أن الولايات المتحدة رغم مشاكلها المالية لا تزال قادرة على متابعة العديد من الإجراءات التي يمكن أن تساعد في منع إفلاس مصر اقتصاديا، مثل توفير ضمانات القروض، حيث يمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والحلفاء في أسيا تجميع الموارد وتقديم ضمانات قروض لمصر.

وذكر التقرير أن تقديم ضمانات القروض يوفر فائدتين للجهات المانحة والمتلقية فهي وسيلة فعالة للحصول على كميات كبيرة من المال، وإذا لم تتخلف مصر عن السداد، يمكنها الاقتراض من الأسواق التجارية بأسعار فائدة منخفضة.

وقال إن هناك اجراءات وقائية من الممكن أن تتخذها أمريكا لمساعدة مصر، وتشمل تخفيف ديونها، حيث بلغت الديون الخارجية على القاهرة 47 مليار دولار في نهاية يناير الماضي منها 3.5 مليار دولار مستحقة للولايات المتحدة، وهذا الدين الخارجي صغير نسبيا  كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع الدين الداخلي.

وقال التقرير إنه إذا اتخذت الولايات المتحدة خطوات لتخفيف العبء المالي على مصر، يمكن أن يرسل إشارة هامة إلى الدائنين على مصر، مشيرا إلى أن واشنطن في عام 2011، سعت إلى " مبادلة " الديون المقومة بالدولار لتسديدها بالجنية المصري، بما يصب في صالح تمويل برامج التعليم وتوفير فرص العمل للشباب .

وذكر التقرير إن تخفيف الديون المصرية لا يزال خيارا حكيما بالنسبة للولايات المتحدة، مشيرا إلى أن تخفيف عبء الديون، مثل ضمانات القروض، يتطلب تفويضا من الكونجرس وخفض الانفاق لتعويض هذه المساعدة، على الرغم من أنه سيكون أقل من مبلغ الدين .

وتضم سلسة الخيارات الوقائية، سداد الدين المحلي المصري، مطالبا الولايات المتحدة أن تشجع المصريين على استخدام المساعدات الخارجية لسداد الدين المحلي العام، والذي يستقر عند 240 مليار دولار بدلا من زيادة الإنفاق على الدعم  والحد الأدنى للأجور، وحزمة التحفيز التي لا يتوفر وسيلة لتمويلها .

وتتضمن الخيارات الوقائية، أيضا حل أزمة الكهرباء التي تضرب البلاد، فبدلا من ترك المسألة إلى السعودية والإمارات والكويت، يمكن للولايات المتحدة أن تنشئ مجموعة من المانحين الدوليين لتسهيل استيراد مصر من الغاز الطبيعي اللازم لتوليد الكهرباء، وتوفير الأموال في الميزانية للتركيز على مواجهة تهديدات الاستقرار الاقتصادي في مصر على المدى الطويل.

ويشير التقرير إلى أن الكونجرس الأمريكي قد يكون مترددا في مساعدة مصر بهذه الطريقة لأنها تتطلب إجراء تخفيضات في الموازنة.

كما تضمن التقرير،  سلسلة خيارات تخفف من حدة الأزمة الاقتصادية التي تضرب مصر حاليا،  وتضم في المقدمة، دعم الجيش المصري، في حال حدوث إفلاس اقتصادي فمن المرجح أن يتدخل الجيش في السياسة، وينبغي على الولايات المتحدة تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي للقيادة العليا بالجيش لمنع مصر من أن تصبح دولة فاشلة، مشيرا إلى أنه في حالة الإفلاس فإن الجيش سيكون القوة الوحيدة المنظمة نسبيا والمتماسكة القادرة على منع الانزلاق الى الفوضى.

ويطالب التقرير السلطات الأمريكية أن تنشئ مجموعة اتصال خاصة بمصر بحيث يمكن البلدان الغنية تقديم مساعدات مالية فورية لمصر، وتشمل المجموعة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الآسيوية الكبرى، ودول الخليج، مشيرا إلى أنه يمكن لمصر أزمة ملاءة مالية حتى مع تلقي المساعدة من الدول الغنية في الخليج، وهذا يوضح لماذا يتعين على بقية العالم أن تحشد المزيد من الموارد  لتعويم الاقتصاد المصري.     

كما يطالب التقرير بإعادة إرسال معونات غذائية إلى مصر، والتي توقفت في عام 1992، مشيرا إلى أن مصر تشعر بحساسية كبيرة للتغيرات في الأسعار العالمية للقمح، موضحا أنه بين عامي 2009 و 2011، زاد انعدام الأمن الغذائي في مصر بنسبة 3 %، ويمكن أن يؤدي الانهيار الاقتصادي إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي.

كما دعا المركز إدارة أوباما إلى العمل مع الكونجرس الأمريكي لدعم مصر بمساعدات إضافية، موضحا أن يمكن للولايات المتحدة أن تضع شروطا لتقديم المساعدات الجديدة للقيام بالإصلاح الاقتصادي الضروري، ولا يرجح أن يؤتي هذا أكله في ضوء  المساعدات الخليجية المتاحة لمصر بدون شروط مسبقة واضحة، ولهذا السبب يجب على واشنطن تركيز جهودها الدبلوماسية لإقناع الدول العربية الغنية وغيرها لتشجيع القاهرة على إجراء إصلاحات مهمة.

كما يطالب التقرير إدارة أوباما والسلطة التشريعية بإلقاء نظرة بعيدة المدى على مصر،  ويرى أن تركيز إدارة أوباما على وضع الأقباط في مصر، والتزامات الحكومة المصرية بحقوق الإنسان والديمقراطية، وعلاقات مصر مع إسرائيل، تعد أمور ثانوية بالنسبة لأزمة الملاءة التي تهدد بانهيار مصر، والتي من شأنها أن تؤثر بالتأكيد على كل القضايا التي تثير قلقا لدى الكونجرس.  

ويقول التقرير إنه يتعين على الولايات المتحدة الاستعداد للحظة تتجاوز المشاكل الاقتصادية في مصر المساعدات الخليجية وأن تستخدم نفوذها الدبلوماسي في أجزاء أخرى من العالم لتأمين مساعدات.

ويوضح أن إفلاس مصر يضر بمصالح الولايات المتحدة ويهدد سلامة المواطنين والممتلكات الأمريكية مشيرا إلى أن شركة "أباتشي كورب" الأمريكية باعت حصة تبلغ 33 % من أعمالها في مصر إلى شركة "سينوبك" الصينية نهاية العام الماضي.

وانخفضت حصة أباتشي في مصر من الإنتاج من 26 % إلى 16%، كما أن الشركات متعددة الجنسيات الكبيرة الأخرى مثل "كوكا كولا" لا تزال تعمل بمصر في ظل الاضطراب قليلا، ولكن الأزمة الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي قد يؤثرا سلبا على تلك الشركات .

ووفق التقرير، يؤثر إفلاس مصر اقتصاديا على القوات الأمريكية والوضع العسكري في منطقة الخليج، حيث تعتمد البحرية الامريكية على العبور السريع في قناة السويس،  كما أن طلعات سلاح الجوي الأمريكي بصورة شبه يومية في الأجواء المصرية في الطريق إلى الخليج يمكن تقليصها أو توقفها نتيجة لانهيار مصر.

كما أن الولايات المتحدة وغيرها من الأطراف المعنية بما في ذلك الدول الأوروبية والخليجية، ستواجه أزمة إنسانية كبرى في مصر، الأمر الذي سيخلف متاعب في تأمين الضروريات الأساسية لـ 86 مليون نسمة.

ويقول التقرير إن إفلاس مصر اقتصاديا والتداعيات السياسية اللاحقة لها يمثل تهديدا لأمن إسرائيل بينما أصبحت منطقة  شمال سيناء، نقطة انطلاق لشن هجمات على مدن وبلدات في جنوب اسرائيل، وإذا أدى هجوم إلى قتل أو جرح أعداد كبيرة من الإسرائيليين، فإنه سيجبر تل أبيب على الرد، ما يعرض معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل للخطر، ركيزة سياسة الولايات المتحدة بالشرق الأوسط.

ويذكر التقرير أن استمرار العنف، والاحتجاجات السياسية وعدم اليقين السياسي، حتى بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، جنبا إلى جنب مع خليط من السياسات الاقتصادية غير المتماسكة، كلها تنذر باستمرار التدهور الاقتصادي في مصر.

ومن المقرر أن تجري مصر انتخابات الرئاسية في 26 و 27 مايو  المقبل، ولم تحدد بعد موعد اجراء انتخابات البرلمان الذي يمثل آخر الاستحقاقات الانتخابية في البلاد.

وأشار التقرير أن هذا يمكن أن يخلق حلقة مفرغة من عدم الاستقرار السياسي، والعنف، والتدهور الاقتصادي، وبالتالي زيادة فرص وقوع الكارثة الاقتصادية والاضطرابات السياسية مجددا، بما في ذلك المظاهرات الحاشدة، وعمليات القمع والصراع على السلطة وربما تفكك سلطة الدولة.

ويقول التقرير إن الصورة الكلية للاقتصاد المصري تثير القلق بعمق حيث أن الاحتياطي الأجنبي بالمركزي يكفي تكاليف واردات الغذاء والوقود نحو ثلاثة أشهر بالكاد، كما أن الدين الحكومي يمثل 89.2%  من الناتج المحلي الإجمالي كما أن الدين الكلي أكثر من 100 % من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني فإن "مطالبات البنوك على الحكومة المصرية تمثل 67٪ من إجمالي الموجودات المصرفية."

وقال التقرير إن تمويل الإنفاق الجديد من خلال المنح المقدمة من الخليج، يرحل المشاكل المالية لمصر إلى المستقبل القريب، كما أن تلقي المزيد من المساعدات يضع أقنعة على المشاكل التي تضرب بجذورها في السياسات الاقتصادية المتضاربة وغير العقلانية.

كما رصد التقرير مؤشرات تحذير تساعد المسؤولين الامريكيين وغيرهم من المراقبين تحديد ما إذا كانت مصر تواجه أزمة ملاءة مالية وشيكة،  وتتضمن تشديد الحكومة القيود على العملة الأجنبية، فعندما تمنع الحكومة الأفراد والشركات من تحويل كميات معينة من العملة الصعبة خارج مصر، فإن ذلك إشارة واضحة أن المسؤولين المصريين يشعرون بالقلق من الملاءة المالية للبلاد.

واعتبارا من يناير كانون الثاني عام 2014، سمحت السلطات المصرية للأفراد  تحويل  ما يصل إلى 100 ألف دولار إلى خارج البلاد سنويا، وهو تخفيف للقيود السابقة التي سمحت بتحويل نفس المبلغ ولكن لمرة واحدة فقط خلال الثلاث سنوات السابقة للقرار.

ومن ضمن مؤشرات التحذير الذي ذكرها التقرير، إلى قيام الحكومة بإعادة هيكلة ديونها وإجبار البنوك على شراء أدوات الدين، الأمر الذي يفرض ضغوطا إضافية على القطاع المالي في مصر، كما أن إجبار السلطات البنوك على شراء السندات وأذون الخزانة لتمويل العجز، أو تمويل البنك المركزي المصري مشتريات الحكومة، يشير إلى أن البلاد تقترب من أزمة ملاءة مالية .

وتتضمن مؤشرات التحذير أيضا، ارتفاع متأخرات الديون في مصر ربما كان أوضح مؤشر على أن مصر تتجه نحو الإفلاس، موضحا أن ارتفاع المتأخرات قد يكون نتيجة لتسوية التزامات معينة قبل الأخرى، لكنه يشير إلى أن التأخر عن السداد هو احتمال قوي .

وللشركات الأجنبية العاملة في مجال البترول متأخرات مالية لدى الحكومة تقدر بنحو 6.2 مليار دولار، قامت الحكومة بسداد 1.5 مليار دولار منها نهاية العام الماضي، وقالت إنها ستسدد الباقي على أقساط.

كما واجه المستثمرون الأجانب في سوق الأسهم والسندات المصرية صعاب في تحويل أرباحهم واستثماراتهم إلى الخارج، وذلك قبل أن يبدأ البنك المركزي عبر آلية تسهيل خروجهم من السوق، وأعلن مطلع الشهر الجاري أنه أوفى بكافة طلبات المستثمرين الراغبين في تحويل أموالهم إلى الخارج.

وذكر التقرير إن إظهار مصر اهتماما في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يشير إلى أن القاهرة قلقة بشأن الملاءة المالية لديها.

ونفى مسئولون مصريون أكثر من مرة سعي بلادهم للحصول على قرض صندوق النقد الدولي، لكنهم قالوا إنهم سيتبعون إجراءات لترشيد دعم الطاقة وهي مشابهة لمطالب الصندوق.