دخلت الأزمة الليبية مرحلة معقدة وشائكة، خاصة في ظل التوتر الميداني المتواصل الذي تغذيه التدخلات الخارجية وعلى رأسها التدخلات التركية الساعية الى اجهاض أي محاولات لإنهاء الانقسامات في البلاد خدمة لأجنداتها ومخططاتها الرامية الى السيطرة على ثروات ليبيا ومد نفوذها في المنطقة عموما.

بالرغم من إصرار المجتمع الدولي على أن الحل في ليبيا لابد أن يكون سياسياً،إلا أن أفق الحل السياسي للأزمة الليبية يضيق يوماً بعد الآخر مع تواصل تعنت الأطراف الليبية،حيث علق مجلس النواب الليبي مشاركته في المسار السياسي في جنيف،فيما طالب مجلس الدولة التابع لحكو الوفاق البعثة الأممية بتأجيل الحوار السياسي إلى حين تحقيق تقدم وتفاهم في المسار العسكري.




وأعلن النائب الثاني لرئيس مجلس النواب في بنغازي احميد حومة ،خلال مؤتمر صحفي ،تعليق مشاركة المجلس في المسار السياسي لحوار جنيف المقرر له،الأربعاء 26 فبراير 2020،وذلك احتجاجا على طريقة تعامل بعثة الأمم المتحدة مع الأسماء المختارة من المجلس للمشاركة في الحوار.وأكد حومة أن مجلس النواب طالب أعضاء اللجنة الذين ذهبوا لجنيف بالعودة فورا.

وكان مجلس النواب أعلن في وقت سابق عن تشكيل لجنة للمشاركة في مفاوضات جنيف برئاسة النائب الأول للمجلس أحميد علي وبعضوية 17 نائبا ،واشترط مجلس النواب على اللجنة المشاركة في الحوار السياسي التقيّد بالثوابت التي أقرها سابقا وعدم إتخاذ أي قرارات أو مواقف شخصية أو التوقيع على أي وثائق أو اتفاق إلا بعد الرجوع إلى مجلس النواب.

وفي المقابل،طلب المجلس الأعلى للدولة في ليبيا التابع لحكومة الوفاق،من البعثة الأممية، مساء الاثنين 24 فبراير/شباط، تأجيل البدء في الحوار السياسي الذي سيعقد الأربعاء إلى ما بعد الجولة الثالثة من المسار العسكري.وقال رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، خالد المشري، في مؤتمر صحفي الاثنين: "المجلس الأعلى للدولة يعلن أنه يطلب من البعثة الأممية تأجيل البدء في الحوار الذي سيعقد الأربعاء القادم إلى ما بعد الجولة الثالثة من المسار العسكري".

وأكد المشري أنه "لن نبدأ مفاوضات سياسية إلا بعد حصول تقدم في المسار العسكري"، مشيرا إلى أن المجلس الأعلى للدولة قرر تعليق مشاركته في لقاءات جنيف حتى حدوث تقدم في المسار العسكري.وأضاف أن "المجلس الأعلى للدولة تعامل مع الاتفاق السياسي بكل إيجابية إلا أن مجلس النواب بطبرق يعرقل الاتفاق السياسي".على حد تعبيره.




وكان المجلس الأعلى للدولة في ليبيا،أعلن مساء السبت، تعليق مشاركته في الحوار السياسي المزمع عقده في جنيف.وقال المجلس، في بيان له، نشره عبر حسابه على "فيسبوك"، إن "الأعضاء صوتوا بالإجماع على تعليق الذهاب إلى جنيف، لحين تحقق عدة عوامل".وأشار البيان، إلى أن "أهم تلك العوامل، تحقيق تقدم في المسار العسكري "5+5"، والاعتداد برأي فريق الضباط الخمسة المكلفين من المجلس الرئاسي في حوار اللجنة العسكرية".

وأضاف المجلس أن تلك العوامل هي "الالتزام بالاتفاق السياسي، كونه القاعدة والمرجعية الأساسية لأي اتفاق".كما أشار المجلس، إلى "ترقبه رد البعثة الأممية على بعض التساؤلات أهمها، توضيح آلية اتخاذ القرار في لجنة الحوار، ووضوح الرؤية حول أجندته، وماهية المواضيع المطروحة، وضمان تمثيل المرأة".

مجلس النواب الموازي في طرابلس،أعلن بدوره تعليق مشاركته في الحوار السياسي المزمع عقده في مدينة جنيف إلى حين إحراز تقدم في المسارين العسكري والإنساني،بحسب ما أكده المكتب الإعلامي لمجلس النواب الموازي.وأكد المجلس تمسكه بالمادة (12) من الاتفاق السياسي الموقع بمدينة الصخيرات في ديسمبر من العام 2015م، وضرورة إفصاح البعثة عن أسماء المشاركين من كتلة المستقلين ومعرفة المعايير التي تمت بناءً عليها عملية اختيارهم.

وتاتي هذه التطورات بالتزامن مع اعلان البعثة الأممية في ليبيا،انتهاء  الجولة الثانية من محادثات اللجنة العسكرية المشتركة الليبية 5+5، الاثنين،التي عقدت في قصر الأمم في جنيف بحضور ومشاركة رئيس بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا غسان سلامة، والتي شكل عملها أحد المسارات الثلاثة، التي تعمل عليها البعثة الأممية إلى جانب المسارين الاقتصادي والسياسي.

وأكدت بعثة الأمم المتحدة، في بيان لها، على أنها عملت مع الطرفين على إعداد مسودة اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، وتسهيل العودة الآمنة للمدنيين، مع وجود آلية مراقبة مشتركة تقودها وتشرف عليها كل من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا واللجنة العسكرية المشتركة.واتفق الطرفان على عرض مسودة الاتفاق على قيادتيهما لمزيد من التشاور على أن يلتقيا مجدداً الشهر القادم في جنيف لاستئناف المباحثات واستكمال إعداد اختصاصات ومهام اللجان الفرعية اللازمة لتنفيذ الاتفاق المنشود.




واللجنة العسكرية هي إحدى ثمار مؤتمر برلين الدولي الذي عقد في 19 يناير/كانون الثاني المنصرم، للبحث في سبل إنهاء النزاع في ليبيا.ومن مهام هذه اللجنة الاتفاق على شروط وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب قوات الطرفين من بعض المواقع.وكانت الجولة الأولى من هذه الاجتماعات قد انتهت، في وقت سابق من الشهر الجاري، دون نتيجة.لكن المبعوث الأممي غسان سلامة، قال وقتها إن هناك "مزيداً من الأمل" هذه المرة لا سيما بسبب إصدار مجلس الأمن الدولي قرارا يدعو إلى "وقف دائم لإطلاق النار".

وأعربت السفارة الأمريكية لدى ليبيا، عن أشادتها بما وصفته بـ "الجهود الجادة" التي قام بها وفدي القوات المسلّحة العربية الليبية وحكومة الوفاق خلال الجولة الثانية من محادثات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، لإنهاء العنف حول طرابلس، وإعادة الأمن إلى المناطق المدنية، وحماية البنية التحتية الحيوية.ورأت السفارة في تغريدة نشرتها عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، أن هذه الحوارات تؤكد أنه من الممكن تحقيق مستقبلًا أكثر إشراقًا عندما يجتمع الليبيون بسلام للتفاوض حول القضايا التي تفرق بينهم.

ومن جهته،اعتبر السفير الهولندي لدى ليبيا لارس تومرز، أن محادثات لجنة "5+5" العسكرية تعد خطوة مهمة نحو وقف دائم لإطلاق النار.وقال تومرز في تغريدة له بموقع "تويتر"، إن المحادثات "خطوة مهمة نحو وقف دائم لإطلاق النار" ،مضيفا "يستحق الشعب الليبي استعادة الأمن والسلام والازدهار".

وبالرغم من هذا التفاؤل فان المسار العسكري يبقى بحسب الكثيرين صعب الحسم في ظل استمرار وجود المليشيات بالاضافة الى الوجود التركي في الساحة الليبية.حيث وضع الجيش الوطني الليبي عدة شروط للموافقة على أي مخرجات لمحادثات جنيف، وعلى رأسها سحب المتشددين الأتراك والسوريين.بحسب ما أعلن عنه الناطق باسم الجيش الليبي، اللواء أحمد المسماري.

وقال المسماري خلال مؤتمر صحفي، مساء الأحد:"تتمثل الشروط في ضرورة مواصلة الحرب على الإرهاب والقضاء عليه، وأن يتم سحب الإرهابيين الأتراك والسوريين الذين جاءت بهم تركيا إلى مصراتة وطرابلس، والرجوع بهم إلى تركيا تحت إشراف الأمم المتحدة".وأضاف أن "من ضمن هذه الشروط أيضًا سحب العتاد والسلاح التركي من كافة المواقع في مصراتة وطرابلس، ووضع تدابير عاجلة وقابلة للتنفيذ لحل الميليشيات وسحب سلاحها من الشارع وتسليمه للجيش الليبي".

وأكد أن "من شروط الجيش الليبي توقف أردوغان عن التدخل أو التصريحات المستفزة أو المشاركة في أي حوار خاص بليبيا"، لافتًا إلى أنه "بالرغم من تمسك الجيش بالهدنة، إلا أنه يحتفظ لنفسه باتخاذ ما يراه مناسبًا ضد أي تهديد لقواته أو للشعب الليبي".وأوضح المسماري أن "المتشددين يتجمعون في ليبيا الآن، ومقصدهم بعدها دول الجوار وأفريقيا وأوروبا، مما يعني أن ما يحدث في ليبيا الآن سيكون أثره مدمرًا على العالم".






وتابع أن"المجموعات المسلحة تتكون من 3 أصناف، الصنف الأول مجموعات متشددة لا يمكن لها التقيد بأي معاهدات أو اتفاقات ولا يجدي معها سوى القتال، والصنف الثاني جماعات ارتكبت جرائم جنائية ومطلوبة في عدة قضايا، وأفرادها يجب أن يعادوا للسجون وتنفذ فيهم الأحكام التي هربوا منها".أما الصنف الثالث، وفق المسماري، عبارة عن "أفراد ميليشيات جهوية يتبعون بعض المناطق والمدن، وهؤلاء يمكن الوصول إلى حلول معهم في حالة رضوخهم للدولة والقانون"، مؤكدًا أن "قيادات الميليشيات التي وضعت بشأنها مذكرات أمنية وبطاقات تعريف ستتم ملاحقتها قضائيًا".

ويشير مراقبون الى أن حكومة الوفاق باتت رهينة لتركيا التي تسيطر بالفعل على القرار في طرابلس وهو ما أكدته التصريحات المتتالية للمسؤولين الأتراك التي تؤكد أن القرار في يدهم.وأخرها تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي نقلتها وكالة الأناضول،الجمعة،حين قال أنه لا يعتبر قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حتفر "محاورًا" له، وصفًا إياه بـ"المرتزق".

وشاركت أنقرة في مؤتمر برلين حول ليبيا في يناير/كانون الثاني وهو الأول الذي يعقد على وقع التدخل التركي العسكري، إلا أنها لم تلتزم بمقرراته على الرغم من ادعاءها الدفع نحو حل سياسي ينهي الصراع.واستمرت في إرسال الأسلحة والمرتزقة والارهابيين إلى طرابلس، متجاهلة كل الدعوات الدولية والإقليمية للتوقف عن تأجيج الصراع.

وتسعى تركيا لتعطيل المسار السياسي المدعوم دوليا وأمميا،حيث يبدو واضحا أنه ليس من مصلحة أردوغان التوصل إلى التهدئة في ليبيا ومنها إلى مصالحة وطنية تحفظ للبلاد النفطية سيادتها وتحصنها من التدخلات الخارجية وتقطع الطريق على أطماع أنقرة التي باتت مفضوحة للجميع.وتعني التوافق بين الفرقاء، سواء كان وقفا لإطلاق النار أو حوارا سياسيا أو تسوية سياسية، ضربة للمشروع التركي في ليبيا والمنطقة ككل.