أسابيع فقط بعد انطلاق حملة شعبية ضد المتشددين الإسلاميين شرق البلاد، يبدو أن الجنرال الليبي خليفة خفتر بدأ بالفعل يفقد الدعم في مهمته.

قابل الكثير من الليبيين بحذر إعلان العملية العسكرية التي قادها حفتر لطرد المتطرفين الإسلاميين من مدينة بنغازي، شرق ليبيا. وبعد سنوات من المعاناة جراء الهجمات المسلحة دون استجابة تذكر من الحكومة، رأى الليبيون في حفتر شخصية شجاعة وذات إرادة قوية للرد على المسلحين الذين يملؤون الشوارع بالعنف.

لكن عملية الجنرال أدت إلى مأزق حقيقي، أودى بحياة 200 شخص على الأقل، وفق ما ذكرته الحكومة، دون أن تسفر هذه المواجهة عن انتصار أحد الطرفين. كما خلفت دعوة حفتر للتخلص من الإسلاميين مخاوف من تنامي طموحات سياسية وراءها، ما يزيد من درجة الحذر تجاه هذه الحملة.

"أقحم حفتر نفسه في سيناريو يبدو فيه فارسا على حصان أبيض جاء لإنقاذ البلاد من الوضعية الحالية"، يصرح محمد عبد الله، عضو المؤتمر الوطني العام، متحدثا عن عودة حفتر الدراماتيكية للمشهد السياسي في ليبيا هذا العام. وكان حفتر، 71 عاما، قد انشق عن نظام معمر القذافي القوي عام 1987 بعد أن شغل منصب ضابط في الجيش وعاد إلى ليبيا في وقت لاحق للقتال في صف ثورة 2011.

لكنه لم يتمكن من الاستفادة من امتيازات حملته العسكرية الحالية، حسب عبد الله، على الرغم من استقطابه للدعم وأسلحة قوات الأمن النظامية.

"إن القوة العسكرية التي يتوفر عليها حفتر محدودة للغاية"، يقول عبد الله، مضيفا، "لم يتمكن من السيطرة على الوضع".

يقول مسؤولون حكوميون إنه بالإضافة إلى سقوط عشرات القتلى، فإن القتال الدائر على مدى الشهرين الماضيين أدى الى إجلاء العديد من الأحياء في ضواحي بنغازي. وفي المقابل، يرد المسلحون بإلحاق خسائر فادحة بين رجال حفتر وتنفيذ اغتيالات تستهدف مسؤولين محليين.

منذ الإطاحة بالقذافي، عانت ليبيا من التنامي المكثف للميليشيات المسلحة المتنافسة على السلطة. يلوم الكثير من الليبيين المؤتمر الوطني العام، الذي يهيمن عليه الإسلاميون، لتجاهله ليس فقط الميليشيات التي تتناوب على حراسة ونهب السكان ولكن أيضا على استفادته من قوتهم العسكرية في بلد لا وجود فيه للجيش النظامي والشرطة إلا بالاسم.

إن السلطة التي تمارسها الميليشيات المحلية في بنغازي، وفي معظمها إسلامية، كانت وراء تشكيل مجموعة أنصار الشريعة الجهادية التي يشتكي غالبية السكان من تورطها في معظم أعمال العنف التي تشهدها المنطقة.

وكان حفتر قد تعهد في بداية حملته بملاحقة عناصر أنصار الشريعة، الذين يشتبه في ضلوعهم في هجمات 2012 على البعثة الدبلوماسية الأمريكية وملحق السي آي آيه في بنغازي. لكنه سرعان ما وجه نيرانه صوب مجموعات إسلامية أخرى في بنغازي، بالإضافة لترأسه عملية اقتحام مقر المؤتمر الوطني العام في العاصمة طرابلس.

إن توسيع مهمة حفتر قد تؤدي إلى الباب المسدود في هذه المواجهة العسكرية مع ميليشيات بنغازي المسلحة. وقد جاء في حديث مسؤولين ومقيمين أن إحدى قبائل منطقة بنغازي التي ضاق سكانها ذرعا بالقتال الدائر والأضرار التي لحقت المزارع والمواشي طالبت قوات حفتر بالرحيل عن المنطقة مهددة بالاصطفاف والقتال ضدهم إذا رفضوا ذلك.

"الأمن غائب و الفوضى في كل مكان، وقد كان من المفروض أن تنتهي حملة حفتر بسرعة"، يقول كمال كيمو، وهو من سكان طرابلس.  

تلمح مناورات حفتر أيضا إلى ما يقوله بعض المراقبين على أنها تطلعات سياسية للجنرال المتمرد.

في البداية دعا لحكومة طوارئ لتحل محل المؤتمر الوطني العام لدفع البلاد نحو انتخابات جديدة. لكن، منذ ذلك الحين أشارت اتهاماته المبطنة للإسلاميين والجهاديين في ليبيا إلى أنه يسير على منوال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو جنرال سابق قاد حملة على جماعة الإخوان المسلمين في مصر خلال العام الماضي.

"عندما جاء في البداية قال إنه 'يحارب الإرهاب'، وكنا وراءه"، تقول رانا، وهي من سكان بنغازي تبلغ من العمر 33 عاما، لم تذكر اسمها العائلي خوفا من الانتقام. لكن عندما استهدف حفتر الإسلاميين والمؤتمر الوطني العام "فقد اقتحم بوضوح عالم السياسة"، تضيف رانا، "وأنا لا أتفق مع ذلك".

في مؤتمر صحفي عقد مؤخرا في بنغازي، وصف حفتر فرع جماعة الإخوان المسلمين الليبية بـ"الوباء" الذي "لن تتقبله التربة الليبية".

وقد فاجأ خطابه الإسلاميين غير الموالين لأنصار الشريعة، لكنهم يشعرون الآن أنهم مستهدفون.

"كلا الجانبين، أنصار الشريعة وقوات حفتر، هي مجموعات غير شرعية تعمل خارج إطار الدولة"، يقول عضو سابق في كتيبة راف الله السحاتي، لم يكشف عن هويته لأنه ما زال على اتصال بالجماعات المسلحة في المدينة. "هناك مأزق يحيط بالجميع، ونحن لا نحب أي منهما. نحن قلقون من المآل الذي سيؤدي إليه كل هذا".

قال عبد الله، الذي عمل بجانب حفتر قبل ثورة 2011 في المعارضة التي كانت ترعاها الولايات المتحدة ضد القذافي، أنه يعتقد أن الجنرال يتوق إلى منصب رفيع في أي حكومة جديدة. وقد أجريت الانتخابات لاختيار برلمان جديد في 25 يونيو الماضي.

"إنه متعطش دائما لمزيد السلطة"، يقول عبد الله، مضيفا، "هناك الكثير من الحركات السياسية التي أرادت الركوب على شعبيته. لكن الناس بدأوا في التراجع إلى الوراء ".

"لن يتوقف حتى يصبح سيسي ليبيا"، يختم عبد الله قوله.