لم تترك الانقسامات التي أدت إليها الحرب الأهلية في ليبيا الصراع مفتوحا فقط بين حكومتين تتقاتلان من أجل الانفراد بالسلطة ولكنها أدت أيضا إلى منافسة قوية بين محافظي البنك المركزي، تمهيدا لصراع محتمل حول الاستحواذ على عائدات النفط واحتياطيات العملة الصعبة.

يوجد الصديق عمر الكبير على رأس البنك المركزي في طرابلس، رغم أنه أُقيل من منصبه في شهر سبتمبر من قبل البرلمان المعترف به دوليا، والذي اضطر منذئذ لاتخاذ طبرق، شرق البلاد، مقرا له.

يواصل الكبير، الذي رفع دعوى إقالته إلى المحاكم، صرف رواتب الدولة والإعانات في مختلف أرجاء ليبيا، لكنه أوقف إنفاق الميزانيات الأخرى التي تم الاتفاق عليها قبل انقسام الحكومة.

وقد عين برلمان طبرق علي حبري، نائب محافظ البنك السابق، مكان الكبير، لكنه لا يستطيع الوصول إلى الأصول المالية الوطنية، والتي لا زالت تُدار من طرابلس العاصمة.

وتهدد مطالب أطراف الصراع المتنافسة على المؤسسات الوطنية، في ظل المعارك الدائرة في جميع أنحاء البلاد، بدفع البلاد الى الهاوية.

"من الصعب جدا بالنسبة للحكومة [في الشرق] لأنها لا تتوفر على أموال"، يقول عبد السلام نصاية، رئيس لجنة المالية في برلمان طبرق، مضيفا، "لا يمكن أن نستمر على هذا الحال العام المقبل، عندما ستصبح لدينا ميزانية جديدة. كما أن هبري وعد البرلمان بأنه سيتخذ الإجراءات اللازمة لتحويل الحسابات من طرابلس".

وصرح حبري لصحيفة فاينانشال تايمز أنه يهدف الى استعادة السيطرة على حساب عائدات النفط بحلول يناير كانون الثاني إذا لم يتم التوصل إلى "صيغة توافقية" مع طرابلس، الواقعة في أيدي الإسلاميين الذين يساندون تحالف فجر ليبيا.

وبالرغم من أن حبري قلل من صعوبات الولوج إلى هذه الحسابات، إلا أنه اعترف أن اتخاذ إجراء مثل هذا يمكن أن يؤدي إلى رد فعل قوي من جانب طرابلس. وقال "إن تحويل العائدات سيكون سهلا جداً، لكننا بصدد دراسة رد الفعل من الجانب الآخر" مضيفا، "نتوقع أي شيء، لذلك يجب أن نقوي الجانب الأمني. إذا سيطرنا على الأصول، سيؤجج ذلك الحرب الدائرة. ونحن حريصون جدا بشأن هذا الموضوع".

لتمويل نفقاتها في الربع الأخير من 2014، باعت حكومة طبرق 2.3 بليون دولار من سندات الخزينة للبنوك المحلية، يضيف هبري.

ومع ذلك، فالخدمات المصرفية في شرق البلاد تكاد تكون منعدمة بسبب العلاقة مع طرابلس، وفقا لجمال عبد الملك، رئيس مجلس إدارة مصرف التجارة والتنمية.

وقال إن "البنك المركزي في الغرب يتوفر على كل شيء عكس نظيره في الشرق". وأضاف، "يمكن أن تقوم فروعنا في الشرق بتحويلات محدودة، بواسطة ويسترن يونيون، والتي لا تمر عن طريق البنك المركزي في طرابلس. كما أننا نرسل رسائل بالبريد الإلكتروني، لكنها لا تلقى ردا من قبل [البنك] في الغرب، أما البنك المركزي في الشرق فليس لديه ما يكفي من الأموال".

إن الدبلوماسيين الغربيين، الحريصين على تجنيب ليبيا حالة التفتت، منشغلون بمعرفة كيفية تعامل الجانبين مع البنك المركزي وغيرها من المؤسسات مثل الهيئة الليبية للاستثمار والصندوق السيادي الليبي والمؤسسة الوطنية للنفط.

أعلن برناردينو ليون، رئيس بعثة دعم الأمم المتحدة في ليبيا، عن محادثات سلام محتملة بين القوات الموالية لسلطات طبرق وطرابلس الأسبوع الماضي، رغم أن لا أحد من الجانبين أعلن عن حضوره هذه المحادثات.

"نحن بالتأكيد نشجع الجانبين على عدم استغلال هذه المؤسسات"، يقول دبلوماسي غربي. "أعتقد أن واحدة من ضمن النقط الأساسية التي سوف تخرج بها محادثات الأمم المتحدة تتعلق بالاتفاق على [المسائل التنظيمية[."

كما هو الحال بالنسبة للبنك المركزي، تتزعم المؤسسة الليبية للاستثمار و المؤسسة الوطنية للنفط شخصيات متنافسة على إدارة هذه المؤسسات. ووفقا للدبلوماسي نفسه، التقى المديران المتنافسان حول إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار صدفة عندما وجدا نفسيهما وجها لوجه بنفس الفندق في لندن مؤخرا.

هذا وقد حضر  محافظ المؤسسة الوطنية للنفط المعين من قبل حكومة طبرق اجتماع أوبك في فيينا الشهر الماضي، في حين بقي منافسه، الذي منع من المشاركة، في طرابلس، حيث يشرف على قطاع النفط ويدير الصفقات مع الشركات الدولية.

وقد حذر  مسؤولون دوليون ومراقبون آخرون من خسارة ليبيا لثروتها النفطية الكبيرة إذا ما استمرت حالة الحرب الدائرة فيها. ويمثل إنتاج 800،000 برميل نفط يوميا نصف معدل سياسة التنمية التي كانت تحققه ليبيا في السابق وقد أدت انتكاسة أسعار النفط إلى استخدام الاحتياطيات لسد العجز في الميزانية الذي ارتفع ليصل نصف الناتج المحلي الإجمالي.

إن ثمن الفشل في التوصل إلى اتفاق قد يكلف ليبيا غاليا. "هناك إحساس بالغموض فيما يتعلق بمسألة السلطة الحاكمة في ليبيا"، يقول محمد الجراح، وهو محلل ليبي وزميل غير مقيم في المجلس الأطلسي. "لكن هناك من الجانبين من يعي جيدا أن جهود [السيد] ليون يجب أن تنجح لأنه في حالة عدم التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة بالتراضي، فإن الأمر سيؤدي حتما إلى خسارة كل شيء".

 "إن كل تراجع في أسعار النفط بنسبة 10 % سيفاقم عجز الميزانية بنسبة 2 %"، يقول محمد القرش، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى ليبيا. وقال بأنه يعتقد أن البلاد بحاجة إلى سعر يراوح 135 دولارا للبرميل، بالنظر إلى مستوى الإنتاج الحالي، من أجل تحقيق الموازنة، التي وصلت إلى 47 بليون دولار هذا العام.

الاثنين الماضي فقط، استقر السعر في 67،55 دولار للبرميل.

أما احتياطيات العملة فقد تجاوزت بقليل 100 بليون دولارا في أغسطس الماضي، وفقا لإحصائيات صندوق النقد الدولي، مسجلة انخفاضا مع بداية السنة الجارية قدر ب 121بليون دولار. ويحذر القرشي

"إذا ما استمروا على هذا الوضع وبقي الصراع قائما، فسوف تُستنفد الاحتياطيات في أربع سنوات".