تشهد ليبيا منذ أشهر ظروف بالغة التعقيد حيث تزداد وتيرة القتال على تخوم العاصمة الليبية في وقت تتواصل فيه الخلافات بين أطراف النزاع الداخلية سياسياً وعسكريا.وفي ظل هذه الأجواء المشحونة والتوترات الكبيرة،تتواصل المحاولات الدولية لايجاد حل سياسي ينهي أزمة الصراع القائم في دولة ويصل بالبلاد الى تحقيق توافق شامل من شأنه انهاء سنوات من الحروب والفوضى.
إلى ذلك،تشهد الساحة الليبية مؤخرا زيارات لمسؤولين في مسعى لحلحلة الأزمة المتفاقمة في البلاد.حيث وصل هايكو ماس وزير الخارجية الألماني ال لى مدينة زوارة، في زيارة اعتبرت  محاولة تستهدف إنقاذ مؤتمر برلين، الذي أعلنت بلاده اعتزامها استضافته قبل نهاية العام، للبحث عن حل للأزمة الليبية.
ووصل ماس والوفد المرافق له،الأحد،قادما من تونس في زيارة مفاجئة لم يسبق الإعلان عنها، للقاء السراج وغسان سلامة رئيس بعثة الأمم المتحدة، تحضيراً لمؤتمر برلين الدولي الذي لم تحدد ألمانيا موعداً رسمياً لعقده بعد.وكان في استقباله رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، رفقة وزير الخارجية المفوض محمد سيالة.
وأكد وزير خارجية ألمانيا، في بداية الاجتماع على دعم بلاده للمسار السياسي، ومساعدة الشعب الليبي على اجتياز الأزمة الراهنة، مجددا حرص المانيا على العمل مع حكومة الوفاق لتحقيق الاستقرار في ليبيا.مشيرا في ذات الوقت الى دعم بلاده لخطة المبعوث الأممي لحل الأزمة الليبية.
من جانبه أكد رحب السراج،بمؤتمر برلين، مشيرا إلى أهمية الاستفادة من الأخطاء الماضية، وضرورة بحث وتقييم أسباب اخفاق اللقاءات التي عقدت في السابق في تحقيق تقدما على الأرض.وأشار السراج، إلى أن الانقسام الدولي شجع بعض الأطراف على عدم الالتزام بمخرجات المؤتمرات السابقة، وعرقلة محاولات الوصول إلى تسوية.
وتسعى ألمانيا لاستضافة مؤتمر حول ليبيا لحلحلة الأزمة الشائكة فيها،وأكدت المستشارة الألمانية "أنغيلا ميركل"، في سبتمبر/أيلول الماضي، نية بلادها استضافة مؤتمر دولي حول ليبيا، إلا أنه حتى الساعة لم يجرِ الإعلان عن موعده وأجنداته والأطراف المشاركة فيه وسط حديث عن عزم ألمانيا توفير أكبر قدر من شروط النجاح عبر مشاورات غير معلنة للتوصل إلى  توافق دولي.
وأكد وزير الخارجية الألماني، بأن دعوة الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الدولي يأتي ليكون هناك التزام من المجلس بما يتم التوصل إليه، وأن هناك دول دعيت للاطمئنان على وقف الإمدادات العسكرية لليبيا وترسيخ مبدأ عدم التدخل، مشيرا إلى أهمية وقف إطلاق النار كأساس لنجاح المؤتمر.
وأكد وزير الخارجية الألماني،"إن المانيا حريصة على مشاركة جميع الأطراف المؤثرة في مؤتمر برلين للوصول إلى نتائج جوهرية، وأن البيان الختامي للمؤتمر لن يصدر الا بعد التوافق الكامل بين المشاركين".موضحا بأن دعوة الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الدولي يأتي ليكون هناك التزام من المجلس بما يتم التوصل إليه، وأن هناك دول دعيت للاطمئنان على وقف الإمدادات العسكرية لليبيا وترسيخ مبدأ عدم التدخل، مشيرا إلى أهمية وقف إطلاق النار كأساس لنجاح المؤتمر.
‫بدوره قال المبعوث الأممي غسان سلامة في الإيجاز الصحفي مع وزيري الخارجية الليبي والألماني: "تمكنا من إعطاء صورة للسراج ووزير الخارجية عن التقدم الذي توصلنا إليه في مسيرة برلين، وهي مسيرة جادة تهدف لترميم الموقف الدولي المتصدع. وهذا ما تطوعت الحكومة الألمانية لمساعدة البعثة به".وأضاف سلامة "عقدنا ثلاثة اجتماعات متتالية ومعمقة والاجتماع المقبل خلال الأسابيع القادمة ضمن مسيرة برلين والتي ستكلل بقمة تؤيد المبادئ التي توصلنا اليها عبر التفاوض مع مختلف الأطراف. كما سيخرج عن القمة لجنة لمتابعة تنفيذ مقرراتها وهذا وما يوفر فرص نجاح هذه المسيرة".
وتحاول ألمانيا التوفيق بين مواقف الدول الحاضرة في الساحة الليبية،حيث يرى مراقبون أن مفتاح نجاح مؤتمر برلين القادم مرتبط بالاضافة الى تحقيق التوافق بين الأطراف الليبية بمدى نجاح ألمانيا في لم شمل الرأي الدولي وإقناع الخصوم بصياغة رؤية موحدة بشأن مصالحها المتضاربة في ليبيا.
وتعتبر فرنسا وايطاليا احدى أبرز الدول التي تتنافس في الساحة الليبية وتزايدت حدّة هذا التنافس خلال السنتين الماضيتين، حيث تفاقمت مخاوف الطرفين من سيطرة أحدهما على الملف الليبي، ما عكسه تنظيم مؤتمريْن دولييْن في العام الماضي في كل من باريس وروما.وظهر الخلاف الفرنسي الايطالي الى العلن من خلال التصريحات المتبادلة بين الطرفين.
في غضون ذلك،وبالتزامن مع زيارة المسؤول الألماني الى زوارة،وصل دبلوماسي أمريكي،إلى بنغازي شرقي ليبيا، في أول زيارة لمسؤول أمريكي منذ نحو 5 سنوات، حيث أجرى مشاورات مع عدد من الشخصيات الليبية.بحسب بيان لسفارة الولايات المتحدة الأمريكية، عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك".
وأكد البيان أن نائب رئيس البعثة جوشوا هاريس،سافر إلى مطار بنينا الدولي بمدينة بنغازي شرقي ليبيا"، مشيرا إلى "إجراء مشاورات مع مجموعة من الشخصيات الليبية حول الجهود المبذولة لإنهاء القتال حول طرابلس والسعي لتحقيق العدالة للضحايا الأمريكيين الذي قضوا جراء هجوم 11 سبتمبر/ أيلول 2012 ضد المنشآت الدبلوماسية الأمريكية في بنغازي".
وتعد هذه أول زيارة من نوعها إلى مدينة بنغازي شرقي ليبيا منذ أن علقت الولايات المتحدة عملياتها الدبلوماسية في ليبيا في عام 2014، بحسب البيان.وكانت مجموعة مسلحة شنت في سبتمبر/أيلول من عام 2012،هجوما على مقر القنصلية الأمريكية في بنغازي، ما أدى لمقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز.
وأعلنت الولايات المتحدة في يوليو/تموز 2014،اخلاء سفارتها بالعاصمة الليبية طرابلس من جميع الموظفين والمسؤولين الي تونس،في ظل ارتفاع حدة الاشتباكات بين الجماعات المسلحة.وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري،حينها إن اخلاء السفارة في ليبيا ناجم عن "خطر حقيقي" على حياة الدبلوماسيين الاميركيين.
وأضاف البيان أن "نائب رئيس البعثة هاريس شدد خلال اجتماعاته على وجهات النظر الأمريكية فيما يتعلق بالحاجة الملحة للأطراف الليبية لتخفيف حدة القتال في طرابلس والعمل من خلال العملية السياسية بوساطة الأمم المتحدة لتحقيق أهدافها".وأعرب هاريس عن قلق بلاده  "إزاء الخسائر في أرواح المدنيين"، داعيا "جميع الأطراف إلى مضاعفة جهودها لحماية أرواح المدنيين والبنية التحتية.
وأكد البيان على "دعم الولايات المتحدة الجهود الليبية الرامية إلى تعزيز استقرار قطاع الطاقة في ليبيا، والمضي قدما في الإصلاحات التي من شأنها أن تعزّز الشفافية في تخصيص الموارد الطبيعية الليبية لمنفعة وازدهار جميع الليبيين، مؤكدة أن واشنطن "لن تدخر الولايات المتحدة أية جهود للعثور على مرتكبي الهجمات ضد الموظفين الأمريكيين في بنغازي وتقديمهم إلى العدالة، ضمن الشراكة الأمريكية الليبية لدحر الإرهاب".
وتزامنت زيارة المسؤول الأمريكي إلى بنغازي مع تصريحات المتحدث باسم القيادة الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" العقيد كريس كارنس، إذ أكد أن 4 غارات جوية أمريكية قضت على 25% من الإرهابيين التابعين لتنظيم داعش الموجودين في ليبيا.وأشار المتحدث، في تصريحات إعلامية السبت، إلى أن تلك العناصر كانت تتجمع في معسكرات بالجنوب الليبي لتجنيد عناصر جدد، مضيفاً أن قوات أفريكوم ستستمر في مراقبة الوضع حتى لا تصبح ليبيا محطة رئيسية للإرهابيين مجدداً.
وشنت القيادة الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" سلسلة غارات في سبتمبر الماضي على تجمعات لتنظيم داعش في الجنوب الليبي نتج عنها مقتل 46 قيادياً إرهابياً من بينهم حمزة التباوي المطلوب دولياً، وأحد عناصر قوة حماية الجنوب التابعة لحكومة الوفاق.وتشير تصريحات المسؤولين إلى إستمرار الضربات الغربية في ليبيا ضد التنظيمات الإرهابية حتى القضاء عليها نهائيا.
وتأتي هذه التحركات الدولية في وقت مازالت فيه المعارك مستمرة على تخوم العاصمة الليبية طرابلس بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق وذلك منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي حين أطلقت القيادة العامة عملية "طوفان الكرامة" بهدف انهاء نفوذ المليشيات المسلحة والقضاء على العناصر الارهابية في المدينة،وزاد من حدة المعارك دخوا أطراف خارجية على رأسها تركيا التي تسعى لمساعدة المليشيات الموالية لها مازاد من تأجيج الصراع وتعقيد الأوضاع.