أكد المحلل السياسي الجزائري، الدكتور إسماعيل خلف الله، أن حل الأزمة الليبية مبني على الحوار الليبي الليبي بدون أي تدخلات خارجية.

وأوضح خلف الله في حوار مع "بوابة إفريقيا الإخبارية"، أن الجزائر من عقيدتها ومبادئها أنها لا تتدخل في أي دولة سواء كانت دولة شقيقة أو دولة أخرى، كما أنها تعارض التدخلات العسكرية، لافتا إلى أن المقاربة الجزائرية تقول دائما إن تعقيدات الأزمة الليبية جاءت نتيجة للتدخل الأجنبي.

وقال خلف الله، "إن تصريحات الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، ومناورات الجيش الجزائري على الحدود الجزائرية الليبية ليست من باب أن الجزائر سيكون لها دور للتدخل عسكريا في ليبيا، وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة، والواقع أن الجزائر تريد أن تحمي حدودها بالدرجة الأولى، ثم تريد أن تبين قوتها لهؤلاء العابثين بالأمن الليبي". وإلى نص الحوار:


-الجزائر في 2011 كان لها موقف رافض لتدخل الناتو في ليبيا.

-الجزائر لا يقلقها تدخل المغرب في الملف الليبي، بل تسعى لحل الأزمة في أسرع وقت.

-المناورات الجزائرية رسالة لأي تهديدات أمنية على الحدود الجزائرية من أي طرفا كان.

-العامل الرئيسي لاستعادة استقرار ليبيا هو أن تكون منطقة الجوار الليبي مستقرة أمنيا وسياسيا. 

-ليبيا تمثل بعد أمني واستراتيجي للاستقرار والأمن في الجزائر.

-حل الأزمة الليبية مبني على الحوار الليبي الليبي بدون تدخلات خارجية.


بداية.. ما قراءتكم للموقف الجزائري من الأزمة الليبية منذ 2011؟

كما هو معلوم أن الجزائر ومنذ البداية كان لها موقف رافض لتدخل قوات الناتو في ليبيا، ثم بعد هذا الموقف بقيت الجزائر على الحياد ولم يكن لها تدخل في الشأن الداخلي الليبي، وربما الجزائر استقبلت في البداية بعض من أفراد النظام السابق وهذا فسره البعض على أن الجزائر تقف ضد ثورة فبراير وأنها تقف مع النظام السابق. وبعد ذلك وخلال أزمة مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، غابت الجزائر عن الملفات الإقليمية والدولية. 

والجزائر لم يكن لها دور أو موقف أو دور فاعل في ليبيا، ولكنها في 2014-2015 استضافت بعض جولات الحوار الليبي، ولكنها وللأسف الشديد وفي ظل غياب الدبلوماسية الجزائرية، انتقل هذا الملف إلى مدينة الصخيرات المغربية، وبقيت الجزائر تقريبا غير فاعلة أو مؤثرة في الملف الليبي حتى جاءت انتفاضة 22 فبراير الجزائرية التي انبثقت عنها السلطة الجديد برئاسة عبدالمجيد تبون، وربما تريد هذه السلطة الجديدة أن تعيد الدور الجزائري في المشهد الإقليمي وخاصة فيما يتعلق بالملف الليبي، وذلك كون الجزائر تعتبر ليبيا جزء من بعدها الأمني، كما أنها دولة جارة وشقيقة ولها حدود طويلة وعريضة مع الجزائر، وبالتالي من مصلحة وأمن الجزائر أن تكون ليبيا أمنة مستقرة تمتلك مؤسسات شرعية وبعيدة عن التدخل الأجنبي.

أما الموقف الجزائري فهو ثابت، فالجزائر دائما ترفض التدخل الخارجي في ليبيا وخاصة ما يتعلق بالتدخل العسكري، وبالتالي فهذا موقف ثابت ومازالت الجزائر تؤكد على هذا الموقف، وأريد أن أوضح أنه عندما ذكرت الآن أن الجزائر عائدة بقوة للملف الليبي فربما البعض قد يفسر هذا على أن الجزائر تنازع المغرب في هذا الملف، وهذا ليس بالحقيقة وإنما هو تزوير للحقيقة، فالجزائر لا تنكر دور المغرب في الملف الليبي، كما أن هناك متدخلون كثر في الملف الليبي فهناك الأوروبيون، وتركيا، ومصر، وروسيا، والأمم المتحدة، وغيرها، فلاعبي الملف الليبي كثيرون، وبالتالي اعتقد أن الجزائر لا يقلقها أن تتدخل المغرب في هذا الملف بل بالعكس نحن نسعى لحل هذه الأزمة في أسرع وقت.


كيف تابعت ملف المناورات الجزائرية على الحدود الليبية؟

الجزائر دولة مستهدفة من جميع النواحي سواء فيما يتعلق بالجريمة المنظمة العابرة للحدود، المخدرات، الاتجار، الهجرة غير الشرعية، وما إلى غير ذلك، كذلك هناك التهديدات الإرهابية التي عاشتها الدولة الجزائرية، فالجزائر عانت كثيرا من الإرهاب ومن تسلل الجماعات الإرهابية إلى التراب الجزائري وهناك عمليات كثيرة كانت تحدث في الإقليم الجزائري، ونقول إنه عندما كانت الدول لا تعاني الإرهاب، الجزائر كانت تعاني الإرهاب وحصدت الأرواح والأملاك، فالجزائر كانت هي الضحية الأولى في هذا العالم من آفة الإرهاب. 

هذا بالإضافة إلى الملفات الأخرى، وهي أن هناك تدخلات أجنبية كثيرة في المنطقة الساحل، وفي ليبيا، وفي كل ما يحيط بالجزائر وكل حدودها مشتعلة، وبالتالي هذا المناورات للجيش الجزائري تأتي لتوضيح أن الجيش الجزائري لن يقف متفرجا إذا كانت هناك تهديدات أمنية على الحدود الجزائرية من أي طرفا كان، وهذه هي رسالة الجيش الجزائري التي أرد إيصالها.


ما الأسباب.. وما تداعيات هذا على المشهد الليبي؟

اعتقد أن ليبيا من مصلحتها أن تكون بجوارها دولة قوية مثل الجزائر، فمن يريد أن يؤثر على الأمن الجزائري سيترك ثغرات أمنية في ليبيا، والدولة الليبية الآن تعاني من الانفلات الأمني، ومن اللادولة، واللاأمن، فمن يعيد لها هذا؟ ونحن نرى أن العامل الرئيسي لاستعادة استقرار ليبيا هو أن تكون منطقة الجوار الليبي مستقرة أمنيا وسياسيا فهذا سيخدم الاستقرار الأمني والسياسي الليبي. 

كما أن من يعمل على تهديد الأمن الجزائري فبطبيعة الحال هو يضرب الأمن الليبي، وقضية الاستقرار والأمن هي قضية تتعلق بالطرفين (ليبيا-الجزائر) فأمن واستقرار ليبيا أو الجزائر يخدم المنطقة ويخدم الشعبين، ونحن نؤيد هذا وندعم بقوة هذا لتحقيق الاستقرار الليبي الذي نسعى ونتطلع له وإلى بناء مؤسسات شرعية تحكم تحت الإرادة الشعبية الليبية.


ماذا عن تصريحات الرئيس الجزائري حول ليبيا؟ وإلى أي مدى يمكن أن تتدخل الجزائر في ليبيا؟ 

اعتقد أن كل الدول صرحت وكل الدول تتكلم عن الملف الليبي، فلماذا تلام الجزائر عندما تكلمت على الملف الليبي؟ هذا سؤال اعتقد أنه كان من المفروض أن يوجه للذين يأتون من أوروبا ومن وراء البحار ويتكلمون عن هذا الملف، ويتكلمون على استقرار ليبيا. 

ليبيا تمثل بعد أمني واستراتيجي للاستقرار والأمن في الجزائر، وبالتالي التصريحات التي تحدث عنها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بشأن حماية العاصمة طرابلس تدخل ضمن الحفاظ على هذا الهدف الذي تكلمنا عنه.


برأيك.. هل تتنافس الجزائر مع المغرب على لعب دور محوري في مستقبل ليبيا؟

الجزائر من عقيدتها ومبادئها أنها لا تتدخل في أي دولة سواء كانت دولة شقيقة أو دولة أخرى، كما أنها تعارض التدخلات العسكرية، والمقاربة الجزائرية تقول دائما إن تعقيدات الأزمة الليبية جاءت نتيجة للتدخل الأجنبي، وبالتالي تصريحات الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، ومناورات الجيش على الحدود الجزائرية الليبية ليست من باب أن الجزائر سيكون لها دور للتدخل عسكريا في ليبيا، وهذا في اعتقادي أنه بعيد كل البعد عن الحقيقة، والواقع أن الجزائر تريد أن تحمي حدودها بالدرجة الأولى، ثم تريد أن تبين قوتها لهؤلاء العابثين بالأمن الليبي.


ما تعليقك على ما يتداول حول أن (الخلاف مع المغرب هو المحرك الأساسي للتحركات الجزائرية) وأن الجزائر لا تسعى للعب دور في ليبيا بقدر ما تسعى إلى معاكسة جهود المغرب الإقليمية؟ 

لماذا السؤال لا يكون عكسيا، بحيث يقال (لماذا تريد المغرب أن تنافس الجزائر في هذا الملف؟)، الجزائر هي الأولى من المغرب بالملف الليبي للأسباب التي أسلفنا ذكرها، لماذا القاعدة أصبحت عكسية؟، وحتى مع وجود هذه الفرضية فأنا اعتقد أن الجزائر بعيدة كل البعد على أن تنافس المغرب، وهناك أيضا من يقول إن الجزائر لها أطماع في ليبيا وهذا أيضا غير صحيح فالجزائر لديها البترول والشركات، والجزائر ليست لها أطماع داخل ليبيا ولا تريد أن تنافس أحد أو أن تجعل ليبيا ساحة للتنافس الإقليمي أو الدولي، فالجزائر هدفها هو تحقيق الاستقرار الليبي ومن ثم الذهاب إلى تأسيس الدولة الليبية تحت إرادة شعبية ليبية ليبية بدون أي تدخل خارجي.

أما الخلاف المغربي الجزائري والذي يتمحور بالأساس حول قضية الصحراء الغربية، فما علاقته بالملف الليبي، الصحراء الغربية ليست وليدة الأزمة الليبية، والصحراء الغربية موجودة منذ السبعينات، فلماذا اليوم الجزائر ستجعل الملف الليبي سببا لفتح هذا الملف؟ اعتقد أن هذا مجرد تسويق وتشويه للحقيقة.

كما أن ملف الصحراء الغربية هو ملف أممي تشرف عليه الأمم المتحدة، وليس للجزائر ألا أن تسير مع هذه الشرعية الأممية فقط، الجزائر تدعم قضية تقرير المصير من خلال المقاربة الأممية التي تدعو إلى إقامة الاستفتاء، وهذا هو الموقف الثابت للجزائر، ثم القضية الأخرى وهي أن الجزائر ربما عانت من الإساءة المغربية، وفي اعتقادي إذا أردنا أن يحل هذا الخلاف بين الدولتين فيجب أن يكون هناك مصارحة بأن هناك إساءة مغربية للجزائر، ومن ثم نذهب إلى حلحلة هذه الملفات.


أخيرا.. ما السيناريوهات المتوقعة خلال المرحلة المقبلة؟

السيناريوهات ليست بعيدة عن واقع اليوم، والتي تعكسها الدول التي ليس لديها نية حقيقة لحل الأزمة الليبية، فها هي اللقاءات تعقد تلو الأخرى وتبوء بالفشل، وها هو حوار جنيف الذي كان يعول عليه الكثير قد انتهى بدون توافق، لذا اعتقد أن حضور الجزائر وخبرة الجزائر في قضية المصالحة وحل هذا النزاع الليبي سيكون مبني على الحوار الليبي الليبي بدون تدخل أي جهة كانت فهذا هو الذي سيحل الأزمة. 

ومن هنا أقول إن تدخل الجزائر في الملف الليبي سيكون له أثر كبير، وربما سينتج عنه تصالح بين الفرقاء الليبيين الذين لربما لو يتنازلون من أجل مصلحة ليبيا ليكون الحل خلال 24 ساعة، أما إذا بقي كل طرف متسمك بما يريده ففي اعتقادي أن هذه الأطراف الخارجية والأطراف الأجنبية لا تريد لهذا البلد أن يستقر، بل تسعى لتحقيق مصالحها فقط، وهذه هي الحقيقة فهذه الدول تعمل على مصالحها وربما هي تستغل هذا الملف لتصفية حساباتها في هذه الرقعة وربما لتجعلها مكان للتنافس الدولي.