الفوضى التي تلت الإطاحة بالقذافي حولت بعض الجامعات إلى ساحات حرب - مع وجود طلاب بين مقاتلين، يقول دارين لينفيل.

في ربيع عام 2015، وجد فريدريك ويهري، وهو زميل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، نفسه نائما على سرير في مرآب خارج سرت، ليبيا.

وكانت معه مجموعة من الطلاب الذكور من جامعة مصراتة. ولكن هؤلاء الطلاب لم يجدوا فقط طريقهم إلى الكلية كطلاب ميكانيك ، ولكن كانوا يعملون مع ميليشيات تقاتل عناصر الدولة الإسلامية.

هذه المهمة اليومية القاتلة لا تعني أنهم كانوا يهملون دراستهم. إذ ، مع كلاشنيكوف، جلبوا معهم جنبا إلى جنب واجباتهم المنزلية في الاقتصاد والهندسة الكهربائية.

هذا هو واقع الحياة الجامعية في ليبيا، يقول لي ويهري وهو خبير في الشؤون الليبية.

منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011، واجهت الدولة مجموعة متنوعة من الصراعات الداخلية. وقد تم تشكيل حكومة "وحدة" مدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس، لكنها تواجه معارضة من حكومتين متنافستين ومن مجموعة متنوعة من الميليشيات، فضلا عن تنظيم الدولة الإسلامية.

وتعمل المدن في الواقع كدول مستقلة. وفي الوقت نفسه، تخلف الأزمة الاقتصادية المتفاقمة نقصا بجميع أنواعه، بما في ذلك انقطاع الكهرباء. ولكن الحياة اليومية يجب أن تستمر - بما في ذلك التعليم.

مدعومين بأكبر احتياطيات للنفط في أفريقيا، كان الطلاب الليبيون وأعضاء هيئة التدريس جزءا هاما من المجتمع الأكاديمي العالمي لعقود، ومآزقهم الحالية ينبغي أن تهمنا وتقلقنا جميعا.

وقد سلط مؤتمر للقادة الأكاديميين الليبيين، انعقد في تونس مؤخرا، الضوء على العديد من العقبات التي يواجهونها. وكان من بين نقاط النقاش الرئيسية التي نظمها مركز البحوث المغاربية الذي مقره واشنطن ومؤسسة هانز سيديل ومقرها ميونيخ، تأثير نشاط الميليشيات على التعليم العالي الليبي.

ليس من غير المألوف أن يتم إلغاء الدراسة بسبب القتال القريب. وقد تعرض الأساتذة للاختطاف طلبا للحصول على فدى، وغالبا ما يبتعد الطلاب عن الدراسة بسبب "الرواتب" المرتفعة نسبيا التي يقدمها المسلحون.

وقد كان للقضايا الأمنية في ليبيا آثار خفية أيضا، بتغييرها ديناميكية الفصول الدراسية بطرق مزعجة.

ولاحظت الكلية أن الطلاب باتوا أكثر ميلا للتشكيك في سلطتها منذ الثورة، وخاصة من جانب أولئك الذين لديهم علاقات مع الميليشيات.

وفي الآونة الأخيرة ، باتت التفاعلات التعليمية المعتادة سابقا تنتهي بتهديدات ضد الأكاديميين - وهذه الحوادث ستجعل حتما أعضاء هيئة التدريس يفكرون مرتين قبل إعطاء درجة سيئة إلى طلاب مدججين بالسلاح.

كما عانت البنية التحتية الجامعية أيضا. ووفقا لأحد الأساتذة الليبيين الذين تحدثت إليهم، فقد علقت جامعة بنغازي الفصول الدراسية في عام 2014 عندما أصبح الحرم الجامعي على خط المواجهة في الصراع مع داعش.

بنغازي هي جامعة رائدة في ليبيا، وكانت من بين أكثر الجامعات احتراما في العالم العربي.

أعيد فتح الفصول الدراسية الجامعية في عام 2015 ولكن كان لا بد من تنظيمها في المدارس الابتدائية في جميع أنحاء المدينة بعد عودة الأطفال إلى ديارهم في نهاية اليوم.

ومن المقرر إعادة فتح الفصول الدراسية في الحرم الجامعي في سبتمبر ، ولكن البعض يتساءل عن مدى قدرة الجامعة على العودة بسرعة وبكامل طاقتها.

كما يشكل الافتقار إلى التمويل مصدر قلق كبير. قبل سقوط القذافي، كان التمويل يأتي من الحكومة المركزية، لكن أعضاء هيئة التدريس الذين قابلتهم أفادوا بأن الصراع السياسي عطّل اليوم هذا المصدر. ويعتبر نقص التمويل للرواتب أمرا بالغ الأهمية.

في مايو ، خاض الأكاديميون إضرابا بعد قرار الحكومة إنهاء ترتيبات طويلة الأمد بشأن نظام المكافأة. وشهد هذا الإجراء تأجيل الامتحانات النهائية لكثير من الطلاب.

كما أن الكتب المدرسية المحدثة وغيرها من الأدوات المدرسية نادرة أيضا. ولا تزال قواعد بيانات البحوث غير متاحة.

وتفتقر بعض الجامعات إلى خدمة الإنترنت الأساسية، ما "يجبر المدربين على استخدام المناهج القديمة والمواد القديمة"، وفقا لطالب ليبي في الولايات المتحدة ، سبق أن درس في مصراتة.

ويَذكر أن الأهل والأصدقاء في ليبيا يلجأون إليه بشكل مستمر لمساعدتهم في الحصول على مواد بحثية غير متاحة في الوطن.

وبالنظر إلى كل هذا، ليس من المستغرب أن العديد من أفضل الأساتذة الليبيين سعوا وراء الفرص في الخارج، تاركين أعضاء هيئة تدريس أقل خبرة وتأهيلا لملء الفراغ.

ولكن الأخبار ليست كلها سيئة. فقد تحسنت الحرية الأكاديمية مقارنة بالأيام التي كانت فيها الترقية تعتمد غالبا على الدعم العلني لقيادة القذافي، وكان تدريس الكتاب الأخضر - وهو مجموعة من مبادئه السياسية والفلسفية - إلزاميا.

وتكاثر عدد المجموعات الطلابية، خارج اللجان الثورية المدعومة من الحكومة، رغم كل التحديات العملية. ووفقا للطالب الذي تحدثت إليه، هناك أندية للكتب والأندية الهندسية وأندية النقاش وأندية الترجمة وأندية التنمية البشرية، فضلا عن بعض الصحف التي يديرها طلاب.

وقد ألهم القصور أيضا الناس بالتعاون مع المجتمعات المحلية. في مصراتة، تمت توظيف مجموعات طلابية لتدريس مبادىء الصحة والإسعافات الأولية في مدارس ابتدائية محلية.

وقامت الشركات الليبية، من جانبها، برعاية مجموعة متنوعة من الفعاليات الطلابية في جميع أنحاء البلاد، وهو تشارك يجلب الإعلانات المجانية والنوايا الحسنة للمجتمع.

وهذا التعاون لم يكن ضروريا قبل عام 2011، ولكن نجاح هذه الجهود الإبداعية شعبيا يبعث على التفاؤل بشأن مستقبل ليبيا على المدى الطويل.

كما أن الشراكات مع الجامعات الغربية ستكون حاسمة بالنسبة لقدرة ليبيا في نهاية المطاف على بناء نظام تعليم صحي قادر على "إنتاج" الخريجين المهرة اللازمين للحفاظ على المؤسسات الاقتصادية والمدنية. فقط هذا ما سيسمح لها بالحفاظ على دولة حيوية.

ومما يؤسف له أن العديد من هذه الشراكات، التي يؤمل تفعيلها مباشرة بعد الثورة، ما زالت مجمدة إلى أجل غير مسمى بسبب الحالة الأمنية.

الخطوة الأولى هي حل ذلك. وحتى ذلك الحين، سيتعين على الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الليبيين مواصلة تحسين مستقبل بلادهم بأفضل ما يمكن، في ظل نظام مكسور وخطير في بعض الأحيان.

وحقيقة أن بعضهم يشعر أن أفضل طريقة للقيام بذلك تكمن في حمل الكتاب في يد وكلاشينكوف في اليد الأخرى يخبرك ربما كم من الوقت تحتاج الطريق للعودة إلى الحياة الطبيعية.

 

*بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة