أطلقت أوساط الأعمال التونسية صافرات الإنذار محذرة من دخول الشركات في منعطف أكثر خطورة، مع تتالي حالات الإفلاس، ولاسيما المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مع استحالة إنقاذ عدد منها أو الحيلولة دون إغلاق في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد منذ سنوات.
وشكلت تحذيرات جمعية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من دخول الشركات في أزمة أعمق لا يمكن التكهن بعواقبها بفعل تراكم المشاكل، إقرارا بفشل الخطط الاحترازية للسلطات، مع استمرار الخمول في الأنشطة الاقتصادية والذي ربما سيطول أكثر مما هو متوقع.
وكشف المتحدث باسم الجمعية عبدالرزاق حواص في تصريحات لوكالة الأنباء التونسية الرسمية الخميس أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تشهد حالات إفلاس سنوية بنسبة 39 في المئة، مشيرا إلى وجود قرابة 870 ألف شركة تعمل في القطاع.
وتواجه تونس أزمة اقتصادية خانقة في بلد لا تشجع حالة انعدام الاستقرار فيه المزمنة المستثمرين والمانحين، في الوقت الذي يسير فيه مناخ الأعمال إلى التقهقر.
وتعد الخسائر التي يتكبدها قطاع الأعمال منذ تفشي وباء كورونا ثم تداعيات الحرب في أوكرانيا ضربة كبيرة لجهود دفع مؤشر البطالة إلى النزول، خاصة وأن كافة المجالات دفعت ثمنا باهظا لذلك، وهذا الأمر سوف يصدع أسس الاقتصاد المبني على ركائز هشة أصلا.
وحول موقف الجمعية من العمل بمنصة الصكوك الجديدة وتشخيص أهم ملامح هذا النسيج الاقتصادي، قال حواص إن “معدل دورة حياة المؤسسة الصغيرة والمتوسطة في تونس يبلغ 18 شهرا.”
ولفت إلى أن الأسباب الكامنة وراء إفلاس الشركات وخروجها من الساحة الاقتصادية يتمثل بالأساس في الحاجة إلى تشريعات تدفع نحو مفهوم الحرية الاقتصادية.
وقال إن “العديد من القوانين تعود الى فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، والتي لم تعد تتماشى مع الوضع الحالي.”
ويبدو أن إرساء نظام الحوكمة عبر اعتماد معايير لإدارة الشركات ومراقبتها وتطبيق المعايير الدولية المستلهمة من مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لم يكن ضمن أولويات الحكومات المتعاقبة، وهو ما ألحق أضرارا هائلة بنسيج قطاع الأعمال.
كما أن استمرار البيروقراطية الإدارية والمتمثلة في طول فترة المعاملات الإدارية من أجل إنشاء مؤسسة اقتصادية، جعل الكثير من المستثمرين الشبان يتخلون عن فكرة بعث مشاريع للحساب الخاص.
وبسبب ذلك كان أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة على وجه التحديد الأكثر عرضة للمشاكل، فقد باتوا يفكرون في الانخراط في عمليات هجرة غير شرعية بعد إفلاس مؤسساتهم وإغلاقها.
وأوضح حواص أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تواجه أيضا صعوبات في النفاذ إلى التمويل، إذ أن التي تعمل في النشاط الزراعي أغلبها قائمة على التمويل الذاتي، في حين تتيح التمويلات الحكومية جزءا قليلا لأصحابها، فيما تأتي مساهمة البنوك ضعيفة جدا.
وأكد أن إحجام البنوك عن تمويل القطاع الزراعي يعود إلى عدم رغبتها في المخاطرة واعتباره من القطاعات غير المنتجة والتي تنطوي على مخاطر عالية.
تحسين مناخ الأعمال وتبسيط الإجراءات لإزالة العقبات التي تواجه الشركات المحلية، وذلك في علاقاتها المالية والتجارية مع الخارج
ويعكس غياب المراجعة الجادة لدور القطاع المصرفي الإصرار على التشبث بتوجه لم يثبت أنه ذو جدوى، وتدور في فلكه مآخذ كثيرة، ويبرز ذلك عبر الانتقادات، لاسيما من قبل المنظمات المحلية أو حتى المؤسسات الدولية المانحة ووكالات التصنيف الائتماني.
وتلك الانتقادات تصب في كون بنية البنوك وملاءتها المالية تبدوان ضعيفتين، وفي المقابل تسبب كارتيل من رجال الأعمال، الذين يسيطرون على القطاع، في جعل المنافسة على تمويل مشاريع البنية التحتية والشركات الصغيرة والناشئة أمرا ثانويا.
ولذلك دعا حواص البنوك إلى لعب دور أكبر في تمويل المؤسسات الاقتصادية والتخلي عن المقاربة القائمة على تجنب المخاطرة، خاصة وأن وظيفتها ليست التمويل فقط بل المشاركة في المخاطرة.
وتعاني الشركات الصغيرة والمتوسطة في تونس كذلك من مشاكل تتصل بالقدرة التنافسية، والتي تعود إلى تعدد كراسات الشروط وصعوبة الحصول على الوثائق اللازمة.
وإلى جانب ذلك سيطرت بعض الأطراف على حلقات التصدير التي تنضاف إلى مشكلة البيروقراطية المزمنة وعدم تبني التكنولوجيات والابتكار بشكل كاف والحاجة إلى تحسين البنى التحتية.
ويؤكد حواص في حديثه على أنه لا يمكن تمويل الاقتصاد في تونس، في ظل اقتصاد مغلق يحول دون تطور الشركات، وهو ما يتطلب إصلاحات جذرية تطال العديد من المجالات ولعل أهمها مجلة الصرف.
وفي مارس الماضي أقرت الحكومة مشروع قانون جديد لتطوير منظومة الصرف الأجنبي، مؤكدة أنه سيسهل التعاملات المالية والتجارية الدولية، وذلك في إصلاح طالبت به الشركات التونسية.
ويهدف القانون إلى تحسين مناخ الأعمال وتبسيط الإجراءات لإزالة العقبات التي تواجه الشركات المحلية، وذلك في علاقاتها المالية والتجارية مع الخارج.