هناك كمون وانفجار، وبين تلك اللافتتين مازالت أزمة دارفور ترواح مكانها جيئةً وذهاباً، رغم تعدد الاتفاقيات والمنابر التي تداعت بحثاً عن طوق النجاة في خضم أمواج الأزمة المتلاطمة، الانفجار الأخير للأزمة في ولايتي شمال وجنوب إقليم دارفور دفعنا تلقاء مسؤول مكتب سلام دارفور دكتور أمين حسن عمر الذي قدم رؤية مغايرة للأحداث، مفادها أن الأحداث الأخيرة لا تزيد عن كونها أعراضاً جانبية لعلاج الأزمة التي شقت طريقها للحل، كيف ذلك؟. التفاصيل في طيات هذه المقابلة..

< بعض الأحزاب في اليومين الماضيين دعت لإعلان الطوارئ في ولايات دارفور وتعيين حكام عسكريين. ما تعليقكم؟

> لكل إنسان أو حركة أن تقدم النصائح، ولكني أعتقد أن توفر المعلومات للحكومة ومقدرتها على تقييم المواقف يجعلها أفضل من المراقبين عن بعد، الحكومة تباشر هذا الموقف وتستطيع أن تكون الأقرب إلى الصواب في تقدير الموقف، وقد يكون هذا التقدير صحيحاً وقد يكون خطأً، والحديث حول هذا الموضوع سابق لأوانه على كل حال.

< عقب مرور حوالى أربعة أعوام على توقيع وثيقة الدوحة ألا ترى أنها بحاجة للمراجعة أو تنظروا في أمرها بشكل من الأشكال؟

> هذا دليل على أن الناس لا يفهمون ما هي وثيقة الدوحة، الوثيقة هي تمثيل أهل دارفور في الحكم، فإذا كان هناك من لديه فكرة أفضل من أن نمثل أهل دارفور بنسبة السكان ونراعي هذا في كل المؤسسات فليأتنا بهذه الفكرة، في إستراتيجية للتنمية في دارفور، وعملية دعم وجود أهل دارفور في الخدمة المدنية والحياة العامة، إذا كان هناك شخص لديه أفكار جيدة ليس بالضرورة أن ندمجها في الوثيقة ولكن يمكن أن ندخل في منظومة الحل، ولكننا لم نسمع من أحد لا من صحافة ولا أهل سياسة يا (أختي) أي كلام موضوعي يترتب عليه عمل، هو مجرد نقد مجاني ودوافعه معلومة لدينا، فلو جاءنا خبراء وقالوا نريد أن نستدرك على هذه القضية أو أن الحل في مجال معالجة أمر الأراضي في دارفور كنا سنرحب بهذا الحل بالطبع، نحن نريد الحلول ولا نكابر ولكننا لا نسمع مثل هذه الاقتراحات، وللأسف فإن الحياة السياسية كلها ليست في صحة وعافية فهي لا تقوم على معنى المعارضة، هناك فرق بين المعارضة والاعتراض، المعارضة أن تتقدم بشيء في مقابل شيء موجود، إذا قال شاعر تعارضه بقصيدة، أما الاعتراض هو أن تمنع جهة من أن تمضي في سبيلها وما نراه الآن في الحياة السياسية هو حالة اعتراض وليس معارضة، وحالة الاعتراض سلبية لأنها تعترض ما هو قائم ومتحرك ولا تقدم بديلاً، وللأسف هذا هو حال السياسة في السودان وهو حالة مزرية، ولا يمكن أن ينصلح هذا الحال إلا بتغيير جوهري، وهذا التغيير الجوهري لا أتوقعه مع وجود الجيل المتمترس في الحياة السياسية بمفاهيمه القديمة حتى هذه اللحظة.

< هل أنتم بوصفكم حكومة بعيدون عن هذا الوضع المزري وهو مقتصر على المعارضة فقط؟

> أنا الآن أتحدث عن العلاقة بين الحكومة والمعارضة، على الأقل الحكومة لديها مبادرات إيجابية تقدمها للمعارضة، وأنا لست بصدد الحديث عن مناقب الحكومة أنا أصف حالة عامة، إذا انت تفتكرين أن هذه الحالة صحية وجيدة قولي أنها صحية وجيدة، ولكني أصف حالة عامة أراها ببصري وأدركها تماماً وأنا تخصصي دراسة العلوم السياسية، وأعلم تماماً إذا كان هذا الوضع في الحياة السياسية صحي أم غير صحي، في بلدان كثيرة فيها معارضات يحتدم الصراع بينها وبين الحكومات القائمة لكنها تدرك أن المعارضة شيء والاعتراض شيء آخر. 

< الملاحظ أن توقيع وثيقة الدوحة في يوليو 2011م لم يسهم في تحسين الأوضاع في دارفور؟

> من قال هكذا، أولاً نحن لدينا لجنة دولية لمتابعة تنفيذ الوثيقة، وهي تجتمع كل أربعة أشهر وتصدر بياناً، وفي كل مرة تقول إن الأمور تتقدم، فمن الذي يقول إنها لا تتقدم، والذي يقول إنها لا تتقدم عليه أن يخبرنا أين لا تتقدم، هل مشروعات التنمية لا تتقدم أم أن الخدمات لا تتحسن، عليه أن يخبرنا أين هي المشكلة.

< أين إذن هي مؤشرات التقدم؟

> «بانفعال» لا أستطيع أن أقدم مصفوفة لمؤشرات التقدم في مقابلة صحفية «امشي اعملي» استقصاء قالها بالإنجليزية ـ (شغلتك إنت) ليس موضوعاً للنقاش أن أقدم مصفوفات لتقرير إنجاز لصحيفة وكذا، هذا ليس ممكناً من الناحية العملية.

< زيارة الأمير  القطري يبدو أن لها علاقة بقضية دارفور والحوار الوطني؟

> أولاً علاقة قطر مع السودان علاقة أقدم وأوسع من العلاقة مع دارفور، وأمير قطر كان يزور السودان قبل أن تندلع مشكلة دارفور، ومساهمة قطر في محاولة حل مشكلات السودان كانت أقدم من مشكلة دارفور، وهي السبب الذي أهّل قطر لتكون مقبولة لتتولى هذا الملف باسم الجامعة العربية وبمشاركة مع الاتحاد الإفريقي، وستكون دارفور من القضايا المهمة في هذه الزيارة ولكن أهم منها ستكون هناك موضوعات الشراكة الإستراتيجية اقتصادياً وتنموياً بين السودان وقطر.

< انتهت تجربة أبوجا بتمرد مني أركو مناوي، فهل أنتم مطمئنون إلى أن ما حدث في أبوجا لن يتكرر في الدوحة؟

> طبعاً للقصة جانبان، الأول أن الخلاف مع مني لم يكن متعلقاً بخلاف حول الحلول في دارفور، مني أخبر بواسطة الحركة الشعبية أن هذه الحكومة ستسقط وليس من مصلحتك أن تسقط معها، ولذلك تعال معنا ودعك منهم، وهذا هو السبب الرئيس لتمرده، فهو تمسك بقواته حتى يخرج بها، ومني علاقته بالحركة الشعبية قديمة ونحن غير مستغربين، الحالة هنا حالة مختلفة.. هذه تحالف حركات ليست لها علاقة بالحركة الشعبية وليس للحركة الشعبية نفوذ عليها، وطبيعة اتفاق الدوحة كانت طبيعة مختلفة، وأصحاب المصلحة في دارفور اضطلعوا بدور كبير جداً في صياغة وثيقة الدوحة نفسها وكأنها كانت استدراكاً من المجتمع في دارفور على أبوجا.

< إذن أنتم متفقون مع حركة التحرير والعدالة تماماً في ما يتعلق بالحلول الأمنية وغيرها.

> نعم.. علاقات العمل علاقات جيدة، حتى أن لجنة متابعة التنفيذ أشادت بروح التعامل بين الطرفين طوال هذه المدة، لأننا ننظر للوثيقة ..نحن ننظر إليها على أنها وثيقة لأهل دارفور أكثر من أنها اتفاق بين الحكومة وحركة معينة، ونحن وقعنا بروتوكولاً على اعتماد هذه الوثيقة وتنفيذها، وأعتقد أن علاقات العمل تمضي بصورة جيدة في هذا الشأن.

< دخول مجموعة دبجو في المعادلة هل تم الانسجام معها.

> والله نحن في وقت مبكر للحكم على هذا، وحتى الآن الأمور تمضي بسلاسة وليست هناك مشكلة، ولكن الوقت مبكر أن نقول إن الأمور ستستمر بهذه السلاسة إلى نهاية الشوط أم لا.

< هل حركة دبجو منسجمة مع التحرير والعدالة؟

> الوقت مبكر أن نحكم على هذا.

< تجربة القوى التقليدية في الحكم بعد الاستقلال نتيجتها معروفة، والنخبة جاءت في مرحلة السبعينيات وكانت ذات طابع يساري وعملت التغيير الثوري، وهو في الآخر انتهى بها لمآلاته المعروفة، وتجربة النخبة الإسلامية حاولت تغييراً ثورياً آخر.

 هل تعتقد أن تجربة النخبة الإسلامية مقارنة بالتجارب السابقة لها ستنجح أم أنها ستصل لنتائج التجربة السابقة؟

> هي بدأت تجربة نخبة، ولكن لا أحد يستطيع أن يتحدث عن المؤتمر الوطني الآن بأنه نخبة، إذا كان حزب يشارك فيه بضعة ملايين فلا يمكن أن يقال إنه نخبة، ولكن بالطبع له مراجعات وأفكار حول مسيرته، وطبيعة عمله وقدرته على الاستفادة من المد الشعبي الذي يناصره لكن هذا حديث يطول.

< يبدو أن القوى المعارضة أو المعترضة تراهن على هذه الحركات المسلحة.

> لا أعتقد أنها تراهن على هذه الحركات، هي تستخدم هذه الحركات نوعاً من الضغط على الحكومة، لكنها لا تراهن عليها، وأنا أؤكد لك أن حزب الأمة يكره قدوم هذه الحركات للسلطة أكثر مما يكره المؤتمر الوطني، وكذلك المؤتمر الشعبي والاتحادي الديمقراطي وما عندنا أدنى شك في هذا.

< وحتى الشيوعيين؟.

> طبعاً الشيوعيون حزب ضعيف وبتاع مؤامرات أصلاً، والأحزاب الصغيرة كلها تغامر لأنه ليس لديها شيء تخسره، ولأن تركيبة هذه المجموعات شبيهة بتركيبة تلك الأحزاب، هذا معلوم لأهل السودان جميعاً، ولكن هذه القوى غير انتخابية وغير ذات تأثير انتخابي، ربما تكون لها تأثيرات أخرى على الأمن، لكن في إطار ديمقراطي يتفق عليه الناس وغير قابل للنكوص عنه، ولا تستطيع هذه الحكومة ولا أية حكومة أخرى أن تتحدث عن أي نظام غير ديمقراطي، البيئة كلها الإقليمية والدولية لا تسمح بغير هذا، ولذلك لا مستقبل لهذه الحركات أصلاً، الحركات الخارجة عن الدستور ستظل مجموعات صغيرة قد تؤثر في الأمن والاستقرار بدرجات متفاوتة على حسب قوة الدولة وتماسكها واتفاق قواها الرئيسة، ولكنها لن تستطيع أن تغير الأحوال مهما جاءها من دعم خارجي، لأن الإرادة الوطنية حتى تلك التي يظن أنها قد ترحب بهذه الحركات لن ترحب بها، وهذه الحركات تدرك هذا تماماً، والقوى الرئيسة في البلد تدرك هذا تماماً.

< تجربة النخبة السابقة دخلت في مصالحة عام 1977م ولكن لم تنجح، والآن هناك حوار وطني.. كيف تنظر له؟

> هناك فرق.. لم يكن هناك تشابه بين القوى التي كانت تريد أن تتصالح في ذلك الوقت، ولكن الآن ثمة تشابه بين القوى التي تريد أن تتصالح، حتى المؤتمر الوطني أصبح في شكله وتركيبته أشبه بالأحزاب الأخرى، يعني لم يعد حزباً كما كانت الجبهة الإسلامية القومية، فأصبح حتى في أطروحاته الفكرية يشبه تلك الأحزاب، ولذلك هذه أحزاب تشبه بعضها البعض.

< هل نستطيع القول إننا سنعبر هذه المرحلة؟

> أعتقد هذا، أنا أصلاً متفائل بصورة عامة، وبصرف النظر عن الوقائع، قد تكون الوقائع غير مشجعة ولكن الإرادة  يمكن أن تعدل هذه الوقائع لوجهة صحيحة، وأنا أعتقد أن هناك توجهات إيجابية عند القوى الرئيسة لمحاولة العبور بهذه المرحلة.

< هل تعتقد أن المؤتمر الوطني منسجم في داخله بشأن الحوار ومستوعب له؟

> الدفع نحو مبادرات الحوار هذا كان دفعاً قوياً من المكتب القيادي للمؤتمر الوطني نفسه، وكذلك مبادرة الإصلاح التي ليست بالضرورة متصلة مائة بالمائة بمبادرة الحوار، لأن هناك جوانب من الإصلاح يمكن أن تمضي فيها، لأنك تحتاج لاستدراكات ومعالجات بصرف النظر عما إذا كنت تتحاور مع الآخرين أم لا.

*صحيفة الانتباهة

حوار: مدير التحرير- ندى محمد أحمد: