في مرتفع رملي ببلدة القره بوللي، البعيدة نحو 60 كلم شرق العاصمة الليبية طرابلس، يلتقي عدد من الشباب الليبي، عند فترة العصر من كل يوم جمعة، لقيادة سياراتهم رباعية الدفع صعودا ونزولا، في حين يكتفي آخرون بالتفرّج عليهم والتصفيق لمن يتميّز بمهاراته.
يقول أحمد عبدالقادر عتيقة، أحد المشرفين على الاستعراض الأسبوعي، وفق ما نشرته صحيفة العرب، إن "سيارات الدفع الرباعي كانت ممنوعة على الليبيين قبل الثورة ومسموح بها لدوائر أمنية وحكومية معينة، لكن بعد الأحداث فتحت السوق أمام الجميع.. وبدأ يشتريها الشبان، ثم شرعنا في تنظيم هذا الاستعراض".
ويضيف عتيقة، مشيرا إلى هذه التلال الرملية الواقعة على بعد أمتار قليلة من البحر، "هذا المكان ملتقى للشباب الليبيين الذين يأتون من عدة مدن كل يوم جمعة. إنها صورة جميلة تمنح الأمل بأن الرياضة قادرة على حل الخلافات وحقن الدماء".
الجدير بالذكر أنّ ليبيا تشهد صراعا عنيفا على السلطة، منذ إسقاط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011، تسبب في نزاع مسلح في الصيف الماضي وبانقسام البلاد بين سلطتين: حكومة عبدالله الثني التي شكلها مجلس النواب المنتخب والمعترف به دوليا في شرق البلاد، وحكومة "فجر ليبيا" المناوئة لها، والمشكلة أن التحالف بين جماعة الإخوان وعدد من الجماعات الإسلامية والقبلية المسلحة، يدير العاصمة منذ أغسطس 2014.
ويخوض الجيش الليبي التابع للحكومة المعترف بها دوليا، منذ أكتوبر الماضي، معارك يومية ضد كلّ من ميليشيات فجر ليبيا والجماعات الجهادية التابعة لتنظيمي القاعدة وداعش في عدة مناطق من البلاد، ممّا أدّى إلى مقتل عشرات الآلاف من الليبيين، حسب تقارير دولية.
ورغم المعارك المستمرة والانقسام بين الليبيين، فإنّ أثار الحرب تختفي كليا في منطقة استعراض السيارات رباعية الدفع، حيث تبدو هذه المنطقة كجزيرة معزولة عن الواقع اليومي لبلاد لم يهنأ شبابها بحياة طبيعية منذ أكثر من أربع سنوات.
وقبيل بدء الاستعراض، توزّعت نحو 50 سيارة رباعية الدفع في أرجاء المكان، بعضها صعدت إلى التلة العالية، وأخرى اتخذت من ظلال الأشجار المنتشرة موقفا لها.
وجلس بالقرب من هذه السيارات الحمراء والصفراء والبيضاء والبرتقالية وغالبيتها مكشوفة السقف، عشرات الأشخاص الذين أتوا ليتفرجوا أو ليشاركوا في الاستعراض، بعضهم اتخذ من الرمال مكانا للجلوس، وبعضهم الآخر لجأ إلى صندوق سيارته تجنبا لأشعة الشمس الحارقة.
يقول محمد، وهو طبيب أسنان، "نذهب إلى البحر، ثم نأتي إلى هنا لنتفرّج على هؤلاء الشبان ونعيش معهم التحدي.. آتي إلى هنا منذ عامين، لكنني كلما حضرت إلى المكان أشعر بأنه أمر جديد.. وبأنها زيارتي الأولى".
ومع بدء انحسار أشعة الشمس خلف التلة، أعطى عتيقة إشارة انطلاق الاستعراض، لتتصاعد فجأة أصوات المحركات الصاخبة في الآن ذاته، وسط تصفيق المتفرجين الذين تمركزوا على أطراف الوادي الواقع في أسفل التلة، حاملين هواتفهم النقالة استعدادا لتصوير الحدث.
وانطلقت سيارة برتقالية مكشوفة السقف بسرعة عالية من أسفل الوادي في محاولة لبلوغ أعلى التلة، وما إن وصلت إلى المكان المنشود، حتى همّت بالنزول بسرعة أقل من أجل تفادي الاصطدام بسيارات أخرى كانت قد بدأت بدورها محاولة الصعود.
ولم تمض دقائق قليلة حتى اكتظت المساحة المخصصة للاستعراض بالسيارات التي لم تكتف فقط بصعود التلة العالية ثمّ النزول، بل بدأ بعضها بالسير ببطء جنبا إلى جنب في مسار أفقي ما تسبب بتصاعد الرمال في سماء المكان.
ومع أن بعض السائقين لم يتمكنوا من بلوغ أعلى القمة، واضطرّوا إلى التراجع خائبين نحو أسفل الوادي والمحاولة من جديد، فإنهم كانوا يصرخون للحاضرين طالبين منهم الهتاف تشجيعا لهم على المتابعة، وهو ما حدث مع سيارة بيضاء فشلت ثلاث مرات في بلوغ قمة التلة، إلى أن نجح سائقها أخيرا وتلقى صيحات وتصفيق المتفرجين.
ووضع السائقون الشبان على سياراتهم العلم الليبي، وألصق آخرون عبارات مثل "شباب ليبيا" أو "ملك الطريق".
وقال منير رمضان، متسابق يمتلك سيارة جيب برتقالية يعود تاريخ تصنيعها إلى العام 1981 وأضيف إليها محرّك أكثر حداثة "شعورنا بأننا نقود سيارات كانت ممنوعة علينا لا يمكن وصفه".
وأضاف "نأمل في أن تتطور هذه الرياضة وأن تستمر، ونحن نطمح لأن نصل إلى مستويات أعلى، لكننا نحتاج إلى الدعم”.
مرّت ساعة على الاستعراض قبل أن يتحوّل إلى مسابقة في الدوران بالسيارة وسط الوادي، ثم إلى سباق قصير تسبّب في بثّ أكبر كمية من الرمال في الهواء، بينما كانت تتصاعد شيئا فشيئا رائحة الإطارات المحترقة.
واستمر الاستعراض لمدة ساعتين، قبل أن يجمع السائقون سياراتهم، وينطلقون في مغامرة أخيرة تتمثل في القيادة على رمال شاطئ البحر لحوالي ثلاثة كيلومترات قبل الوصول إلى الطريق السريع. وقاد الشباب سياراتهم على الشاطئ بسرعة عالية في خط مستقيم، فيما كانت الشمس تنحو إلى المغيب.
وعلى الشاطئ كانت العائلات التي أمضت يومها في السباحة توضب أغراضها وتفكّك خيمها الصغيرة، ومنها عائلات جلبت معها قوارب صغيرة أو دراجات مائية وضعتها على ناقلات وربطتها بسياراتها، وكأنّهم يعيشون في بلد آخر يعمّ فيه السلام والأمن. يقول عتيقة "ينتقدنا كثيرون، إذ يقولون إن البلاد تعيش حربا ومشاكل داخلية بينما نحن نتسلى ولا نهتم بما يجري.
لكن على العكس، نحن مهتمّون بما يحدث وبيننا عسكريون وموظفون حكوميون، إلا أنّ يوم الجمعة للترفيه وإزالة ضغوط الأسبوع". ويتابع "ليبيا في هذا المكان ليست كما نراها على شاشات التلفزيون.. ليبيا هنا فيها الخير".