بالتزامن مع الحراك السياسي المكثف عبر الاجتماعات والمشاورات التي شهدتها عدة دول مؤخرا منها المغرب ومصر وسويسرا،لبحث المستجدات في الملف الليبي والسعي لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين، عادت الى الواجهة المحادثات العسكرية بين الأطراف الليبية في ظل الأهمية الكبيرة التي يمثلها الملف الأمني خاصة مع تواصل الفوضى الأمنية جراء انتشار المليشيات المسلحة والمرتزقة اضافة الى عودة خطر التنظيمات الارهابية في البلاد.

إلى ذلك،أستؤنفت المحادثات بين وفود عسكرية من شرق ليبيا وغربها،  في إطار المحادثات المستمرة للجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 التي انطلقت بعد مؤتمر برلين الماضي.وأعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عن بدء اجتماعات عسكرية،الإثنين 28 سبتمبر الجاري، بين الجيش الليبي وحكومة الوفاق في مدينة الغردقة المصرية.

وأشارت البعثة إلى أن المحادثات تجري برعاية من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، معربة عن امتنانها الصادق للحكومة المصرية على جهودها في تسهيل انعقاد هذه المحادثات المهمة، وعلى استضافتها السخية للوفود، كما تقدمت البعثة بالشكر إلى الوفدين اللذين أظهرا موقفًا إيجابيًا وتفاعلا مع الدعوة إلى تهدئة الأوضاع في وسط ليبيا.

وعقدت اللجنة العسكرية المشتركة جولتين، الأولى كانت فى جنيف بأوائل شباط/ فبراير 2020، وتم التوافق فيها بين الجيش الوطني الليبي وقوات حكومة الوفاق على أهمية استمرار الهدنة التي بدأت في كانون الثاني/يناير، واحترامها وتجنب خرقها.وعقدت جولة ثانية من المباحثات بعد الجولة الأولى بأيام، دون الوصول إلى اتفاق، مما أدى إلى تعليق أعمال الجولة الثالثة، نتيجة انسحاب وفد حكومة الوفاق منها.

وتتطلع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إلى أن تؤدي هذه الإجتماعات المباشرة بين الفرقاء الليبيين الى الوصول الى توافق بين الطرفين من شأنه التمهيد لتوحيد المؤسسة العسكرية.وعبرت السفارة الفرنسية عن ترحيبها بهذه الاجتماعات بين الوفود العسكرية الليبية معربة عن شكرها لمصر لجهودها في استضافة هذه المشاورات.

ويأتي اجتماع الغردقة بين الأطراف العسكرية الليبية، ضمن محادثات اللجنة العسكرية المشتركة لليبيا والمعروفة باسم 5 + 5 والمنبثقة عن مخرجات مؤتمر برلين لبحث الملفات الأمنية والعسكرية، بهدف الوصول إلى تشكيل قوة مشتركة وتوحيد المؤسسة العسكرية خاصة في ظل التحديات التي تعيشها البلاد مع استمرار الفوضى الأمنية فيها.

ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن مصدر وصفه بالخاص،قوله أن جتماعات الغردقة بحثت عدة نقاط منها تشكيل قوة مشتركة لتأمين المقار الحكومية الجديدة بمدينة سرت في حال التوصل إلى اتفاق سياسي بخصوص المجلس الرئاسي والحكومة الجديدة.‏وأضاف المصدر أن من النقاط التي تمت دراستها، أيضا، سبل توحيد المؤسسة العسكرية النظامية ودراسة الخطوات الجادة في هذا المسار، بالإضافة إلى خطة إخراج المقاتلين المرتزقة، وتفكيك الميليشيات المسلحة المتمركزة في أغلب مدن الغرب الليبي.

وسبق أن عقد مؤتمر دولي حول ليبيا في برلين في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، بمشاركة روسيا والولايات المتحدة وتركيا ومصر وعدد من الدول الأخرى، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.وأوصى المؤتمر بضرورة وقف إطلاق النار في ليبيا والالتزام بالامتناع عن التدخل في النزاع، مع مراعاة الحظر المفروض على توريد الأسلحة إلى الأطراف المتصارعة، وبالإضافة إلى ذلك، اقترح المشاركون في الاجتماع إنشاء لجنة لمراقبة لوقف إطلاق النار.

بالرغم من هذه التوصيات،أصر النظام التركي على نكث تعهداته ومواصلة محاولات تأجيج الصراع في هذا ليبيا عبر اغراقها بالمرتزقة والارهابيين الذين يشكلون خطرا يتهدد الأراضي الليبية ويتجاوزها ليشكل خطرا اقليميا ودوليا،كما تواصلت عمليات نقل شحنات السلاح الى البلاد في انتهاك صارخ لحظر السلاح الذي فرضته الأمم المتحدة.

وفي وقت سابق، طالب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي نائب رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيب بوريل، تركيا باحترام التزاماتها بموجب مخرجات مؤتمر برلين واحترام حظر السلاح إلى ليبيا. وأوضح عقب اجتماع للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي: "نحن عازمون على تعزيز نظام العقوبات للمساهمة في تنفيذ أفضل لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الأمر الذي سيزيد أيضًا من فاعلية عمليتنا إيريني".

ونقلت تركيا حتى الآن أكثر من 20 ألف مرتزق سوري إلى ليبيا إضافة إلى نحو 10 آلاف متطرف من جنسيات أخرى، حسبما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان.فيما أعلن الجيش الليبي بصفة متكررة عن إمدادات تركية للمليشيات في طرابلس والتي غالبا ما تأتي عبر طائرات شحن عسكرية أو عن طريق البحر، رغم إطلاق الاتحاد الأوروبي العملية "إيريني" لمنع تهريب السلاح إلى ليبيا.

انتهاكات النظام التركي جعلته مؤخرا في مرمى الانتقادات من قبل الأمم المتحدة التي شنت على لسان مبعوثتها بالانابة ستيفاني ويليامز،السبت الماضي،هجوما شديدا حركة نقل السلاح المستمرة إلى المليشيات المسلحة في البلاد، معتبرة أنها فاقت الحدود، مشيرة بذلك إلى تورط تركي مستمر في خرق الاتفاقات الدولية.

وقالت المبعوثة الأممية الى ليبيا، إن منسوب السلاح الذي يدخل إلى ليبيا يوميا غير مقبول، ولا يمكن إقراره قانونًا أو التغاضي عنه، مؤكدة دخول قوات أجنبية ومرتزقة إلى ليبيا بشكل متواصل، مشيرة بذلك إلى أن تعهدات نظام الرئيس التركي رجب أردوغان بوقف نقل السلاح غير صحيحة ولم تتوقف.

وذكرت أن الأمر في ليبيا يستدعي الدخول في عملية سياسة عاجلة لإنقاذها من مصير غير سار، معتبرة أن الاتفاق في ليبيا سيمهل القوات الأجنبية والمرتزقة 90 يوما للمغادرة، حتى يتم وقف ما يتم من انتهاك صارخ لسيادة البلاد.واعتبرت ويليامز أنه ستكون هناك مراجعة دورية للبنك المركزي في العاصمة طرابلس، وأن الانتخابات ستعالج أزمة الشرعية في ليبيا، وتمنح الهدوء في البلاد.

وتأتي هذه الانتقادات الأممية بالتزامن مع عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي، على ثلاث شركات تركية وأردنية وكازاخستانية ضالعة في انتهاك حظر مبيعات الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا.وتم تبني القرار على مستوى السفراء وأيده وزراء خارجية الاتحاد خلال اجتماع عُقد الإثنين الماضي في بروسكل.

وقوبلت العقوبات الأوروبية الجديدة بغضب من النظام التركي الذي سارع الى انتقاد القرار واعتبارة "مؤسف للغاية".وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان إنه "من المؤسف للغاية أن يُتخذ قرار خاطئ كهذا في وقت تُبذل فيه الجهود لخفض منسوب التوترات في شرق المتوسط"، مشددة على أن أنقرة تعتبر أن هذا القرار "لا قيمة له"،على حد تعبيرها.

وتتزامن هذه اللقاءات العسكرية مع حراك سياسي مكثف حول الأزمة الليبية،وأجريت محادثات مؤخرا بين الأطراف الليبية في مدينة بوزنيقة، جنوب العاصمة المغربية الرباط، بحضور ممثلين عن المجلس الأعلى للدولة في ليبيا بطرابلس ومجلس النواب بطبرق، للاتفاق حول تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار.

وأعلن المفاوضون الليبيون التوصل إلى اتفاق شامل حول المعايير والآليات الموضوعية لتولي المناصب السيادية. واتفق طرفا النزاع في ليبيا على مواصلة الحوار خلال الأسبوع الأخير من الشهر الحالي، وذلك لاستكمال الإجراءات اللازمة لضمان تنفيذ الاتفاق الذي يعتبره البعض نقطة البداية نحو انهاء الأزمة المستعصية في البلاد.

وعلى الرغم من التفاؤل الذي تؤشر له هذه التحركات المكثفة لاختراق جدار الأزمة الليبية،فان المخاوف تتجدد من امكانية فشلها.وقالت صحيفة "الشرق الأوسط"،أنه ورغم تفاؤل السلطات المصرية بإمكانية تحقيق اختراق إيجابي في محادثات الغردقة، اتهمت مصادر ليبية تركيا بمحاولة عرقلة هذه المفاوضات عبر الضغط على وفد حكومة الوفاق للتمسك بانسحاب قوات الجيش من منطقتي سرت والجفرة وتحويلها إلى منطقة خضراء منزوعة السلاح، بينما يرفض الجيش الوطني مشاركة قوات من الوفاق في تأمين منطقة الهلال النفطي ويصر على شروط محددة لانخراط عناصر هذه القوات ضمن وحداته العسكرية.

ويوما بعد يوم يتكشف الدور التركي المشبوه في ليبيا،والذي يمثل خطرا كبيرا يتهدد ليبيا والمنطقة ككل،ويشير مراقبون الى أن المساعي السياسية والعسكرية محليا ودوليا التي ما زالت تسعى لإقناع الأطراف المتنازعة للجلوس على طاولة الحوار باعتباره المخرج الوحيد للأزمة،عليها أن تلتفت أولا الوجود التركي في طرابلس الذي بات جزءا من المشهد والذي في وجوده لا يمكن التوصل الى توافق في ليبيا.