منذ ترشحه للانتخابات الرئاسية، عمد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إلى ترديد عبارة “مصر ستلعب دورا إقليميا في محاربة الإرهاب” أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، غير أنها لم تكن مجرد كلمات، بل وجدت لها تطبيقا على أرض الواقع من خلال تحركات دبلوماسية تهدف إلى توسيع حدود ما يعرف إعلاميا بـ”محور الاعتدال العربي”، بحيث يتمدد أكثر ليضم عددا أكبر من الدول في إطار هدف واحد مشترك يجمعهم وهو “محاربة الإرهاب والتطرف وحركات الإسلام السياسي”. ويمكن تلخيص محاولات إعادة بناء هذا المحور عبر عدة تحركات وشواهد:

* تصريحات الرئيس المصري: كانت خطوة عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في 3 يوليو 2013 هي أول خطوة نحو استعادة نشاط المحور بهدفه الجديد، فمع وقوع عدد من التفجيرات تلت عملية العزل، تصاعدت وتيرة التصريحات التي تخرج عن مسؤولين مصريين حول ضرورة مكافحة الإرهاب. وفي كلمته الشهيرة في الـ 24 من يوليو من العام الماضي، بالكلية البحرية (كلية عسكرية) بالإسكندرية (شمال) بعد عزل مرسي، طلب وزير الدفاع المصري الفريق أول (آنذاك) عبدالفتاح السيسي من المصريين “تفويضه” لمحاربة ما أسماه بـ “العنف والإرهاب المحتمل”.

واستمر الحديث عن محاربة العنف والإرهاب كركيزة أساسية في كل لقاءات السيسي، سواء خلال حملته الانتخابية للترشح للرئاسة، أو بعد تقلده لرئاسة البلاد.

* التنسيق المصري – السعودي: بعد قرار الحكومة المصرية إدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة المنظمات الإرهابية في شهر ديسمبر الماضي، فعلت المملكة العربية السعودية، إحدى الدول المؤثرة في محور الاعتدال القديم، نفس الشيء في 7 مارس 2014.وضمت القائمة السعودية إلى جانب جماعة الإخوان تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” المعروف بـ “داعش” والذي غير من اسمه لاحقا إلى “الدولة الإسلامية” وجماعة “الحوثيين” في اليمن، و”جبهة النصرة” التابعة للقاعدة، و”حزب الله” اللبناني.

* اختيار وزير الخارجية الحالي: مراجعة السيرة الذاتية لوزير الخارجية الحالي سامح شكري، تكشف أنّ اختياره لرئاسة الدبلوماسية المصرية جاء ملائما لطبيعة التوجه الجديد للرئيس المصري السيسي.فتاريخ شكري في الدبلوماسية المصرية لا يختلف كثيرا عن سلفه نبيل فهمي، فالاثنان تقول سيرتهما الذاتية إنهما توليا مسؤولية السفارة المصرية الأهم في الخارج، وهي السفارة المصرية في العاصمة الأميركية واشنطن، غير أن الاختلاف الذي ربما يبدو واضحا بينهما هو “صلابة” شكري التي عرفت عنه طوال تاريخه المهني، بحسب مراقبين.

* جولة وزير الخارجية المصري العربية: إضافة إلى اختيار الشخصية، انعكس توجه السيسي على طبيعة اهتمامات الدبلوماسية المصرية، وظهر ذلك واضحا في الجولة التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال الشهر الجاري.حيث غادر شكري القاهرة في 8 يوليو الجاري للقيام بجولة خارجية شملت الأردن والكويت والسعودية والعراق، وركزت كل تصريحاته خلال الجولة على التنسيق مع مسؤولي تلك الدول في محاربة التطرف والإرهاب.

ولم يكن معلنا في البيان الصحفي الصادر عن الخارجية المصرية، أن الجولة تشمل – أيضا – دولة العراق، غير أن زيارة تلك الدولة، والتي أعلن حينها، أنها كانت بتوجيهات من الرئيس المصري، تعكس الاهتمام بمحاربة “الإرهاب”.

* زيارة الجزائر: كانت أول زيارة يقوم بها عبدالفتاح السيسي بعد توليه رئاسة مصر إلى الجزائر في 25 يونيو 2014، وهي الزيارة التي وصفت من جانب محللين سياسيين بأنّ محورها الأساسي هو “محاربة الإرهاب”.

واهتمت صحف العالم بهذه الزيارة وركزت في تغطيتها الإعلامية على هذا البعد، وقالت صحيفة “كوميرسانت” الروسية إن الزيارة التي قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسي للجزائر، هدفها “بناء منظومة الأمن الإقليمي” لمحاربة الإرهاب.

وكان مصدر أمني جزائري، قد قال في ذات السياق، إن معلومات سرية حصلت عليها مصالح الأمن الجزائرية من جهادي ليبي موقوف لديها ساهمت في تنبيه السلطات المصرية لمخطط إرهابي كان يستهدف طائرة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومقرات حكومية وأمنية.

وأضاف المصدر أنّ “قياديا ليبيا في جماعة سلفية جهادية كشف معلومات بالغة السرية للأمن الجزائري حول عمليات تهريب شحنات من المتفجرات عبر الحدود بين مصر وليبيا، وعمليات تهريب قذائف صاروخية مضادة للطائرات لصالح منظمة تسمى (أجناد مصر)”، وهي المنظمة التي أعلنت مسؤوليتها عن عدد من الهجمات بمصر مؤخرا.

* لقاءات السيسي على هامش القمة الأفريقية: في القمة الأفريقية التي احتضنتها غينيا الاستوائية، والتي شارك فيها السيسي بعد قرار الاتحاد الأفريقي القاضي باستئناف أنشطة مصر بالاتحاد، ركز الرئيس المصري في كلمته على خطر الإرهاب.

وقال السيسي إن “القارة (الأفريقية) تواجه خطرا من قبل المجموعات المتطرفة وعليها مواجهة هذه الآفة بقوة”، مضيفا أن “أفريقيا مهددة بالإرهاب العابر للحدود، ولا بد لجميع الدول أن تقاوم الإرهاب، ولا يوجد مبرّر لأحد ما لكي يحتضنه”.

* زيارة الرئيس المصري للسودان: بعد انتهاء أعمال القمة العربية توجه السيسي إلى دولة السودان في زيارة وصفت بالمفاجأة وغير المتوقعة، في مسعى لضم السودان إلى الحرب على ما يسمى بـ “تنظيمات الإسلام السياسي”.

ووصفت هذه الزيارة بالمفاجئة وغير المتوقعة، لكون النظام الحاكم في السودان نظاما إسلاميا، تربطه صلات أيديولوجية على الاقل، بتنظيم ” الإخوان المسلمين ” في مصر المعارض للسيسي.

ويتهم النظام المصري السودان بأنها بوابة مرور معارضي النظام المصري المطلوبين أمنيا إلى قطر، حيث يهربون من خلال مهربين على حدود مصر الجنوبية إلى السودان ومنها إلى الدوحة، كما يتهمها اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا بدعم “الإرهاب” وإرسال شحنات من الأسلحة لـ “متشددين إسلاميين” في بنغازي، فيما تنفي السلطات السودانية الأمر.

* مؤتمر دول جوار ليبيا: إضافة إلى مشاركتها في الاجتماع المخصص لوزراء خارجية دول جوار ليبيا يومي 13و14 يوليو الجاري، تقرر أن تستضيف مصر الدورة التالية لاجتماع وزراء خارجية دول الجوار في النصف الأول من شهر أغسطس المقبل.

 

*نقلا عن العرب اللندنية