تتواصل سلسلة المآزق السياسية التي تحيط بحكومة الوفاق الليبية في ظل انضمام مطلوبين للعدالة الى صفوفها في وقت تحاول فيه اقناع المجتمع الدولي بعكس ذلك في محاولة لكسب الدعم ضد الهجوم الذي يشنه الجيش الوطني الليبي منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي بهدف انهاء نفوذ المليشيات المسلحة في العاصمة الليبية واستعادة مؤسسات الدولة بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد.

آخر سقطات حكومة الوفاق جاء مع كشف مهرب بشر ليبي شهير عن مشاركته في لقاء ضمن وفد يمثل خفر السواحل الليبي التابع لحكومة الوفاق الوطني، مع أعضاء في الحكومة الإيطالية عام 2017.في مشهد اعتبره الكثيرون دليلا جديدا على تورط حكومة الوفاق في شرعنة العناصر المطلوبة ما أوقعها في حرج كبير.

وظهر المهرب عبدالرحمن ميلاد الشهير بلقب "البيدجا" في برنامج تلفزيوني إيطالي بث مساء الجمعة، ليكشف عن تفاصيل مشاركته ضمن وفد خفر السواحل التابع لحكومة الوفاق عندما التقى أعضاء بالحكومة الإيطالية في شهر أيار/مايو 2017، قبل إعفائه من منصبه في العام 2018، بعد نشر اسمه في تقرير للأمم المتحدة يتهمه بالاتجار بالبشر.

وقال المهرب الليبي خلال المقابلة، إن الدعوة لحضور الاجتماع مع الحكومة الإيطالية، جاءت إليه من خلال المنظمة الدولية للهجرة، لكن بعد عدة أشهر على الاجتماع، اتهمه مجلس الأمن بالاتجار في البشر، مؤكدًا أنه أثناء إقامته في إيطاليا ذهب إلى روما وصقلية، ودخل البلاد بتأشيرة منتظمة وغير مزورة.

وأشار إلى أنه حضر الاجتماع ضمن الوفد الليبي، الذي تشكل معظمه من أعضاء حكومة الوفاق في مبنى وزارة الداخلية الإيطالية، مضيفًا أنه لا يتذكر ما إذا كان ماركو مينيتي، وزير الداخلية الإيطالي في ذلك الوقت، حاضرًا في الاجتماعات.

ويعد عبدالرحمن ميلاد أحد أبرز المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، بسبب نشاطه في الاتجار بالبشر.وكان تقرير أمني صادر عن الأمم المتحدة في يونيو/حزيران عام 2018 وصف عبدالرحمن ميلاد بـ"مهرب بشر، متعطش للدماء، ومسؤول عن إطلاق النار على السفن لإغراقها، قائد منظمة إجرامية ويشتبه في أنه أغرق العشرات من المهاجرين".

وظهر مهرب البشر سيىء السمعة،المطلوب دوليا في مناسبات عدة،ففي 15 أيار/مايو2017،ظهر في صورة ملتقطة بمقر خفر السواحل الإيطالي في روما، إلى جانب الضباط الإيطاليين.وأشارت صحيفة "أفينير" التي وثقت الصورة إلى أنه أحد أكبر المهربين الليبيين، و"الذي يحرص على شعره الأنيق ومظهره الرياضي".وفق ما أورد موقع "ارم نيوز" الاخباري.

وأضاف الموقع أن الاجتماع عق في وزارة الداخلية الإيطالية ضمن مشروع "إدارة هجرة الصحراء وإنقاذ المهاجرين"، الذي شكل بداية التعاون الذي فوض خفر السواحل الليبي في القبض على المهاجرين في البحر.وتساءلت الصحيفة الإيطالية، عن الصفة التي حضر بها "البيدجا" إلى روما وتم استقباله فيها، مشيرة إلى أنه قبل أربعة أيام كان ضيفًا في صقلية لخفر السواحل في "كارا دي مينيو" وفي مراكز الهجرة الأخرى لحضور اجتماعات تدريبية.

وأشارت الصحيفة إلى تقارير من الأمم المتحدة تتحدث عن قتل اللاجئين في معسكر سجن الزاوية في ليبيا، الذي يقع تحت سيطرة "البيدجا" نفسه وعشيرته، ويترأس منذ فترة طويلة عصابات الاتجار بالبشر.في وقت كان فيه ميلاد يروج لنفسه على أنه  قائد وحدة لخفر السواحل بمدينة الزاوية تقوم بمكافحة الهجرة غير الشرعية.

كما سبق وظهر ميلاد وفقا لمصادر إعلامية إيطالية في اجتماعين رسميين في إيطاليا، أحدهما مع خفر السواحل الإيطالي، وأجرت الصحفية الإيطالية "فرانشيسكا مانوتشي" حوارا معه قال فيه إنه جاهز للاستجواب من قبل السلطات المعنية حول التهم الموجهة إليه بتهريب البشر، وأنه ينفذ أوامر حكومة فايز السراج.

وظهر عبد الرحمن الميلادي أبرز المطلوبين دوليا في قضايا تهريب البشر والهجرة غير الشرعية في ليبيا،في أبريل/نيسان الماضي يقاتل إلى جانب قوات حكومة الوفاق في طرابلس.وأظهرت حينها صور ومقاطع تداولتها وسائل الإعلام البيدجا يقاتل مع مسلحين آخرين وهم يقاتلون في ضمن القوات الداعمة لحكومة الوفاق في العاصمة  في أحد محاور جنوب طرابلس.

ظهور "البيدجا" الأخير شكل ضربة جديدة لمصداقية حكومة الوفاق التي سارعت عبر وزارة داخليتها نفي تبعية المهرب الشهير لها.وأكدت الوزارة أن عبد الرحمن ميلاد الذي استضافته قناة إيطالية وتحدث مرتديا الزي الرسمي لا يتبع وزارة الداخلية ومطلوب للسلطات الأمنية،لكنها اعترفت بتبعيته للقوات البحرية التابعة لوزارة الدفاع.

وأكدت الوزارة أن ميلاد لا يتبعها "ولا يتقاضى راتب منها ويتبع خفر السواحل التابع للقوات البحرية وصدر بحقه أمر ضبط وإحضار من قبل رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام بتاريخ 23 ابريل 2019 وجرى مخاطبة جهة عمله بإيقافه عن العمل وإيقاف صرف راتبه كما قام المصرف المركزي امتثالا لقرار النائب العام بالتحفظ على حساباته المصرفية لدى المصارف التجارية".

وبدا الارتباك واضحا في بيان وزارة الداخلية بين نفي تبعية "البيدجا" لها والاعتراف في المقابل بتبعيته لوزارة الدفاع التابعة لحكومة الوفاق.وفي محاولة لاستدراك الحرج الذي فرضه الأمر أكدت الوزارة أن "الأجهزة الأمنية تولي ملف متابعة كل المطلوبين متابعة خاصة وإن تواروا عن الأنظار واستغلوا المعارك الدائرة في العاصمة لإعادة الظهور وحاولوا استغلال الوضع الأمني".مضيفة أنها ستواصل البحث والتحري عن كل المطلوبين وتعزز منظومتها الأمنية بأحدث نظم تتبع المطلوبين جنائيا ومنعهم من السفر من المنافذ الرسمية والتعميم عليهم خارجيا حتى يمثلوا أمام القضاء.

وتأتي "فضيحة" البيدجا في أعقاب أخرى مماثلة جاءت مع تأكيد تقارير إعلامية على مشاركة أحد أبرز قادة الميليشيات في ليبيا، القيادي البارز سابقًا في تنظيم القاعدة شعبان هديّة، ضمن وفد حكومة الوفاق في فاعليات القمة الروسية الأفريقية بمدينة سوتشي، وهو ما شكّل إحراجًا لفائز السراج أمام السلطات الروسية والمجتمع الدولي.

ونقلت وسائل إعلام ليبية ونشطاء عبر مواقع التواصل، أنّ السلطات الروسية أوقفت القيادي الميليشاوي البارز شعبان هدية في موسكو، عندما كان قادمًا من تركيا، ورفضت مشاركته في ندوات اقتصادية على هامش القمة ضمن وفد حكومة الوفاق الليبية ليطلق سراحه عقب انتهاء المؤتمر.

وشعبان هدية المعروف بـ"أبو عبيدة" مدرج ضمن قائمة الأشخاص غير المرغوب فيهم لأكثر من عشر دول باعتباره إرهابيًا له صلات وطيدة مع تنظيم القاعدة اسمه الكامل هو شعبان مسعود خليفة هدية، ولد عام 1972 في منطقة الحرشة في مدينة الزاوية بليبيا.ويعد أحد أبرز الإرهابيين في ليبيا وشمال أفريقيا بالكامل، إذ سبق وتولى إبان أحداث عام 2011 منصب زعيم غرفة عمليات "ثوار ليبيا".

يحمل أبو عبيدة الزاوي فكرا إسلاميا متطرفا جعله عنصرا بارزا من عناصر "الجماعة الإسلامية المقاتلة"، وتحول بفضل ذلك الى الذراع اليمنى للقيادي في تنظيم القاعدة نزيه الرقيعي المكنى "أبو أنس الليبي" والذي كان مسؤولا عن تجنيد وجلب الليبيين،  ومع مرور السنوات كان لـ"هدية" دور بارز في تنظيم القاعدة،  لاقترابه من قيادات التنظيم لقدرته على "كتم الأسرار" وولائه التام للقيادات.

وفي يناير 2019، أصدر رئيس قسم التحقيقات في مكتب النائب العام طرابلس "الصديق الصور" مذكرة قبض تشمل عدد 6 ليبين من المحسوبين على تيار الإسلام السياسي المتشدد إضافة إلى عدد آخر من المعارضة التشادية والسودانية.وأوضح الصور في المذكرة أن من الشخصيات الليبية بينهم رئيس حزب الوطن الليبي والقيادي في الجماعة الليبية المقاتلة السابقة "عبدالحكيم بلحاج"،  والإرهابي "إبراهيم الجضران"،  والقيادي الإرهابي "شعبان هدية" المكنى "أبوعبيدة"،  و"حمدان أحمد حمدان"،  و"علي الهوني"،  و"مختار أرخيص".

وبالرغم من كونه مطلوبا للعدالة فان ذلك لم يمنع حكومة الوفاق من التعويل على مليشيات أبو عبيدة الزاوي في المعارك التي اندلعت في الرابع من أبريل/نيسان الماضي ضد الجيش الوطني الليبي عقب اطلاق الأخير لعملية "طوفان الكرامة" العسكرية التي تهدف لتحرير العاصمة الليبية طرابلس من سطوة المليشيات المسلحة التي تتمركز فيها منذ سنوات وترتكب شتى الجرائم والانتهاكات.

واعتبر العميد خالد المحجوب مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي أن مشاركة أمثال الإرهابي أبوعبيدة الزاوي ضمن وفد دبلوماسي لحكومة السراج، يوضح للعالم حقيقة من يحاربهم الجيش الوطني في طرابلس.ونقلت "العين الإخبارية" عن المحجوب قوله: "هذا الإرهابي الخطير ارتكب مئات الجرائم في حق ليبيين وعرب" مشيراً إلى أنه "لا يصطحب الإرهابي إلا إرهابي مثله".وأشار إلى أن هدية يعد أحد أبرز الإرهابيين في ليبيا وشمال أفريقيا باعتباره كان على رأس جميع التنظيمات الإرهابية المحلية قبل أن يتحول لقيادي بالمنظومة الإرهابية الدولية.

ومنذ انطلاق عملية "طوفان الكرامة" التي أعلنها الجيش الليبي في الرابع من أبريل/نيسان الماضي،تقدمت العناصر والجماعات المتطرفة والإرهابية الصفوف الأمامية للمليشيات التي تتصدى للقوات المسلحة،على غرار فلول مجالس شورى بنغازي وإجدابيا ودرنة الفارة من المنطقة الشرقية وبقايا تنظيم أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة الفارة من صبراتة وسرت ومناطق الجنوب.وخلال الأشهر الماضية تتالى سقوط العديد من العناصر الارهابية في صفوف قوات الوفاق.

وبالرغم من كل ذلك تمسكت حكومة الوفاق بنفي وجود عناصر مطلوبة ضمن قواتها،وأكد رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج،في ابريل الماضي عدم وجود مقاتلين ينتمون لتنظيمات إرهابية بين صفوف القوات التابعة له، مؤكدا أن حكومة الوفاق كانت ولا زالت تحارب الإرهاب وتلاحق فلوله.وفق قوله.لكن هذا النفي بحسب مراقبين بات غير مجدي في ظل الدلائل المتكررة على الأرض والتي تثبت تورط حكومة السراج في تحالفات مشبوهة قد تمثل دافعا أكبر للمجتمع الدولي لسحب البساط من تحتها وانهاء شرعيتها الدولية التي تحاول التمسك بها في ظل شرعية محلية مفقودة.