بعد هدوء حذر خيم على الساحة الليبية طرابلس طوال الساعات الماضية،تجددت المعارك بشكل عنيف،السبت، في محيط العاصمة الليبية طرابلس بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات  الموالية لحكومة الوفاق، وسط تطورات ميدانية متسارعة تنذر باحتدام المواجهات بين الطرفين التي تتواصل منذ أبريل/نيسان الماضي.

واندلعت اشتباكات عنيفة استخدمت فيها المدفعية الثقيلة وسلاح الجوّ، في أغلب محاور القتال جنوب العاصمة طرابلس،وتبادلت الأطراف المتصارعة التصريحات حول نتائجها.حيث قال المتحدث باسم عملية بركان الغضب التابعة لحكومة الوفاق مصطفى المجعي،في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية، إن غرفة عمليات بركان الغضب أصدرت صباح اليوم السبت الأوامر لكافة قادة المحاور جنوب طرابلس بفتح النيران على "قوات حفتر" مبينا أن قوات الوفاق حققت تقدمات وسيطرت على تمركزات جديدة سيتم الإعلان عنها في نهاية اليوم.

وفي المقابل،قال الناطق باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، إن قوات الجيش صدت هجوما استهدف مواقعه بمحيط العاصمة طرابلس، غربي البلاد، وكبدها خسائر كبيرة.وقال المسماري، في مؤتمر صحافي، إن "الجماعات الإرهابية بدأت اليوم بالإغارة على وحداتنا بطائرات تركية مسيرة، إضافة إلى المدفعية الأرضية، لكن تم التصدي للهجوم وتدمير القوات التي اقتربت من قواتنا".

وبدورها قالت الكتيبة 140 مشاة ،ان عناصرها لم يخسروا  موقعا من مواقعهم بمحور عين زارة.ونفت الكتيبة  في منشور على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" أي تقدم لقوات الوفاق  بمحور عين زارة ،مؤكدة أن العدو لم يسيطر على أي مواقع جديدة ،كما ادعت صفحاتهم واعلامهم الزائف على حد تعبيرهم.واضافت الكتيبة : "ننفي كل الاشاعات المتداولة على مواقع التواصل عن تمكنهم من السيطرة على مواقع جديدة بمحور عين زارة،لدينا جريح واحد فقط من جنود السرية الاولى ونتمنى له الشفاء العاجل".

وتحدث شهود عيان في تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، عن سماع دوي انفجارات عنيفة وأصوات اشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة منذ صباح السبت، في محاور السبيعة وعين زارة والكريمية وسوق الخميس والخلّة، إذ نفذت قوات الوفاق غارة جويّة استهدفت مراكز عسكرية وحيوية تابعة للجيش الليبي، أثناء محاولتها التقدّم ميدانيا.وأكدّ الجيش الليبي أنّه أفشل هذه الخطّة وقام بتدمير آليات قوات الوفاق وغنم أسلحتهم.

وفي هذا السياق،أعلنت شعبة الإعلام لحربي أن القوات المسلحة الليبية قامت بنصب عدّة كمائن مُحكمة لقوات حكومة الوفاق في محاور العاصمة الليبية طرابلس.وبينت الشعبة أن قوات الجيش الليبي قامت بتدمير آليات تابعة للقوات الموالية لحكومة الوفاق وغنمت  أسلحتهم، كما قامت بأسر عدد من أفرادهم.

وتأتي هذه الاشتباكات بعد أيام من التحشيد بين الطرفين،إذ هدّدت القوات الموالية لحكومة الوفاق بالتصعيد وشنّ عملية عسكرية كبرى، في حين رفع الجيش الوطني الليبي من درجة تأهب وحداته الجويّة والبريّة والبحرية، وأعلن استعداده لحسم زمام المعركة بمجرد صدور الأوامر بالتقدم وإعلان ساعة الصفر.

في غضون ذلك،تواصل تركيا ظهورها في ساحة المعركة،حيث اتهم الجيش الوطني الليبي أنقرة مجددا بالتورط في القتال لصالح الميليشيات الموالية للحكومة برئاسة فائز السراج. وقال المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابع للجيش إن تركيا متورطة في قصف نقطة إسعاف ما أدى إلى مقتل ثلاثة مسعفين، لافتا في بيان له إلى أن "طائرة تركية مسيّرة يقودها أتراك من غرفة عمليات تركية، قصفت فجر أمس نقطة إسعاف ما أدى إلى مصرع ثلاثة مسعفين".

وأضاف المركز الاعلامي "ويستمر الأتراك في اعتداءاتهم السافرة وقتل الليبيين والاعتداء عليهم في أرضهم، بفعل حكومة السراج"، موضحا أن "أبواق الميليشيات وتنظيم (الإخوان) هللت بأن ما تم استهدافه موقع قيادة عسكري".

وكانت طائرات مسيرة تابعة للوفاق، شنت الخميس، غارات جوية على مدينة ترهونة، ثاني المدن الليبية التي يسيطر عليها الجيش الليبي، وذلك رداً على تدمير الجيش مخازن للذخيرة، أعدّتها الميليشيات للهجوم على مدينة ترهونة.واستنكر المجلس البلدي بترهونة، في بيان، "القصف الجوي الغادر ضد المدنيين الآمنين في بيوتهم في بلدية ترهونة في ساعات الصباح الأولى ليوم الجمعة"، مشيرا أنّها "ليست المرة الأولى التي يتم فيها الاعتداء بالقصف على الأحياء السكنية".

وطبقا لما بثته وكالة الأنباء الليبية في شرق البلاد، فإن الطائرة التركية التابعة للمليشيات شنت غارتين جويتين على الأحياء السكنية، مشيرة إلى أن الغارة الأولى كانت بالقرب من محطة الوقود بمنطقة الساقية، والثانية بالقرب من المصحة الإيوائية في مدينة ترهونة على بعد 80 كيلومترا جنوب العاصمة طرابلس.

وكانت حكومة الوفاق بدأت في تحشيد قواتها من مدينة مصراتة، نحو الضواحي الشرقية للعاصمة طرابلس القريبة من مدينة ترهونة، وقامت بتشكيل قوّة جديدة، أطلقت عليها اسم "قوّة حماية ترهونة"، تمهيداً لشنّ هجوم على هذه المدينة التي تمثل مركز ثقل هام لقوات الجيش الليبي، بينما أعلنت قيادة الجيش، وصول تعزيزات عسكرية جديدة إلى هذه المدينة، تمّ إرسالها من قاعدة الوطنية الجوية، من أجل صدّ وإجهاض أي هجوم محتمل من الطرف المقابل.

وليست هذه المرة الأولي التي تستهدف فيها طائرات تركيا المسيرة المدنيين،حيث سبق أن قصف الطيران التركي مطلع شهر يوليو الماضي منازل مدنيين في مدينة ترهونة، ثاني أكبر المدن التي يسيطر عليها الجيش الليبي، في حادثة وصفت بـ"المجزرة وجريمة الحرب"، بعد سقوط عدد من الضحايا، من بينهم نساء وأطفال.ونشر المجلس البلدي للمدينة على صفحته صورا ومقاطع مصورة تبين آثار الدمار الذي خلفه الاعتداء التركي.

وأكد مجلس ترهونة، في بيان، أن القصف الذي تقوم به المليشيات المسلحة المدعومة من أنقرة يندرج ضمن جرائم الحرب المحرمة دوليا.فيما قال المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الوطني الليبي، إن الطائرات المسيرة يتولى تشغيلها ضباط أتراك فى طرابلس، وإن مضادات الجيش تتعامل مع هذه الطائرات لصد هجومها المتكرر على القوات والمدنيين.

ويتهم الجيش الليبي، دولة تركيا، بقيادة المعارك في المنطقة الغربية لصالح الميليشيات المسلّحة المدعومة من حكومة الوفاق، عن طريق دعمها بالأسلحة والمعدات العسكرية وكذلك الطائرات المسيّرة، وأكد الجيش الليبي أن تركيا وفّرت غطاءً جوياً لميليشيا الوفاق خلال اقتحام مدينة غريان، وكان نقطة تحوّل أمالت الكفّة لصالح هذه المليشيات.

وتدور في العاصمة الليبية طرابلس ومحيطها، منذ الرابع من نيسان/أبريل الماضي، معارك متواصلة بين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات التابعة لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، خلفت مئات القتلى وآلاف الجرحى حسب منظمة الصحة العالمية، فيما تقدر المنظمة الدولية للهجرة أعداد النازحين بعشرات الآلاف يفرون من ديارهم بسبب الاشتباكات المسلحة.

ودخلت العمليات العسكرية في طرابلس الليبية شهرها السادس دون الحسم بالرغم من الحديث المتكرر عن ساعة الصفر.وقال العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي في القوات المسلحة الليبية وآمر المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، إن ساعة الصفر الخاصة بدخول العاصمة تملكها القيادة العامة فقط.

ونقلت وكالة "سبوتنيك"،الروسية عن المحجوب، الأربعاء،قوله أن الإعلان أكثر من مرة عن ساعة الصفر، يدخل في إطار عمليات الاستنزاف للعدو، واختبار  بعض القدرات وإرباك العدو.وأضح أن عمليات التعبئة مستمرة، بينما تظل ساعة الصفر الخاصة بالدخول للعاصمة لدى القيادة العامة فقط، فيما تبقى جميع الوحدات في انتظار التعليمات.

ويبدو أن الأحداث في العاصمة الليبية طرابلس تسير نحو تطورات هامة قد تكشف عنها الأيام القادمة.فالجيش الوطني الليبي الذي يشن هجوما منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي، بهدف بسط سيطرته على المدينة وإنهاء نفوذ المليشيات المسلحة فيها، يبدو أنه يتجه نحو تغيير تكتيكاته العسكرية التي اعتمدت على استنزاف المليشيات وقرر التصعيد باتجاه اقتحام طرابلس وتحريرها بصفة كاملة.

وفي المقابل يتحدث مسؤولون عن انسحابات قادمة في صفوف القوات الموالية لحكومة الوفاق التي تشهد أزمات داخلية تؤشر على قرب نهايتها،حيث كشف عضو مجلس النواب "سعيد امغيب" عن وجود اتصالات سرية من قبل بعض قادة التشكيلات المسلحة تطالب بضمانات للانسحاب من الحرب في العاصمة الليبية طرابلس.

وقال امغيب في تدوينة له بموقع "فيسبوك""زيارات في العلن وأخرى في السر لدول شقيقة وصديقة ونخب سياسية وثقافية حقيقية وشيوخ قبائل وعمداء بلديات لمقر القيادة العامة للجيش في الرجمة".وأضاف امغيب "تأييد شعبي كبير وزخم في المطالبة بسيطرة الجيش على العاصمة طرابلس وكل ارجاء الوطن" مضيفا "اتصالات في الخفاء من قبل بعض قادة المليشيات تطالب بضمانات للانسحاب من الحرب".

ورجح امغيب سقوط حكومة الوفاق قائلا "سقوط سياسي وشيك لحكومة السراج" مضيفا "هذا بالضبط ما كان يريده القائد العام المشير حفتر من خلال إطالة أمد العمليات العسكرية على مشارف العاصمة طرابلس، وهو ما حدث ويحدث الآن وقد اقتربت ساعة الخلاص من المليشيات والإرهابيين".

وبالرغم من الضغوط الدولية التي تؤكد على ضرورة انهاء الصراع المسلح بين الليبيين وحقن الدماء والذهاب الى طاولة الحوار أملا في الوصول الى تسوية تنهى الأزمة الشائكة،فان التوافق بين الأطراف المتصارعة بات صعبا جدا في ظظل اصرار كل منهم على رأيه.ويجمع الكثير من المراقبين أن أي استحقاق قادم في ليبيا لا يمكن تحقيقه في ظل وجود المليشيات المسلحة وسيطرتها على مؤسسات الدولة،ويؤكد هؤلاء أن دخول الجيش الى طرابلس واستعادة سلطة الدولة من شأنه وضع ليبيا في الطريق الصحيح نحو بداية البناء.