مع تواصل المعارك على تخوم العاصمة الليبية طرابلس والتي دخلت شهرها السابع،تتزايد تركات الجيش الوطني الليبي في محاولة لحسم العملية العسكرية التي أطلقها هدف انهاء نفوذ المليشيات المسلحة فيما عادت كومة الوفاق الليبية للحديث عن الانتخابات على وقع تزايد الخسائر في صفوف القوات الموالية لها.

ومنذ أسابيع، يشن الجيش الليبي حملة جوية شاملة على معسكرات وتمركزات قوات الوفاق بكل من مصراتة وغريان والعاصمة طرابلس، بالتوازي مع اشتباكات تخوضها قواته البرية التي تعزّزت بدعم عسكري قويّ بعد التحاق عدة كتائب بمحاور القتال، تمهيدا لفتح جبهات جديدة خلال الأيام المقبلة.

ونجح الجيش الوطني  الليبي،خلال اليومين الماضيين في السيطرة على مواقع عدة في طرابلس، بعد تكثيف عملياته لتحرير العاصمة من الميليشيات المسلحة لحكومة الوفاق.ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن مصدر عسكري،السبت،قوله إن "الجيش سيطر على مواقع عدة وتمكن من التقدّم باتجاه العاصمة طرابلس في تطور لافت بعد أيام من الاشتباكات المتقطعة".

وأضاف المصدر أن  وحدات الجيش الوطني تمكنت من تضييق الخناق على المجموعة المسلحة التي تقهقرت جرّاء الضربات الدقيقة للجيش التي استهدفت تحصينات المجموعات الإرهابية ومخازن للسلاح والذخيرة.مشيرا الى "تمكن سلاح الجو من ضرب التشكيلات المسلحة في معاقل حساسة ما من شأنه أن ينهك تلك الجماعات المارقة التي كبدناها خلال الساعات الماضية خسائر فادحة".

وأعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة للقيادة العامة  للجيش الليبي، تدمير أهداف ومواقع للمجموعات المسلحة في تاجوراء من خلال 3 ضربات استهدفت مستودعات للذخيرة، وتمكنت من إلقاء القبض على عنصرين من المسلحين والقضاء على اثنين آخرين.وطالبت قوات الجيش أهالي منطقة صلاح الدين، بعدم الاقتراب من مناطق الاشتباكات، والابتعاد عن مواقع المجموعات المسلحة، وتجمعاتهم، ومخازن الذخائر، والمعدات والآليات المسلحة ضمانًا لسلامة المدنيين وعدم التأثير على تحركات الجيش.

وأعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش،السبت، أن القوات المسلحة قامت بتنفيذ عدد من العمليات العسكرية البرية والجوية على مواقع وتمركزات القوات التابعة لحكومة الوفاق في محيط العاصمة طرابلس. موضحة أن الضربات كانت دقيقة للغاية ونتج عنها خسائر فادحة في صفوف قوات حكومة الوفاق.

وتزايدت الخسائر في صفوف القوات الموالية لحكومة الوفاق،وهو ما اعترف به صراحة المتحدث باسم القوة الوطنية المتحركة سليم قشوط،الذي قال أن قوات حكومة الوفاق، استغلت غياب الطيران المسير لقوات الجيش الوطني، بسبب سوء الأحوال الجوية، وقامت بالتقدم وشن هجوم، يوم أمس، لكنها وقعت في كمين، وقُتل العديد من أفرادها.

وكانت غرفة عمليات الكرامة،أعلنت السبت،عن سقوط أعداد كبيرة من الجرحى في صفوف قوات الوفاق بمحوري صلاح الدين وعين زارة وتخصيص مستشفى الحوادث أبوسليم لهم.فيما أعلن مركز مصراتة العام عن وصول 31 قتيل من القوات الموالية لحكومة الوفاق نتيجة الاشتباكات بمحور القرة بوللي و عين زارة فقط.فيما أعلنت شعبة الإعلام الحربي، في بيان السبت،العثور على مقبرة جماعية في منطقة العزيزية "45 كم" جنوب العاصمة طرابلس، تضم أطفالًا قُصّرًا ومرتزقة.

وفي إشارة إلى تعاظم الخسائر البشرية للميليشيات المسلحة خلال المواجهات العسكرية التي جرت أمس الأحد، قال الجيش الوطني الليبي إن سيارات الإسعاف لم تتوقف لساعات طويلة من جبهة صلاح الدين وعين زارة، جنوب العاصمة، لافتاً إلى أنه تم تخصيص مستشفى لجرحى الميليشيات.

وعلى وقع هذه التطورات الميدانية عاد الحديث مجددا عن الانتخابات في ليبيا،وجاء ذلك على لسان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السراج،الذي قال إن حل الأزمة الراهنة في بلاده ليس بتقاسم السلطة، بل بإجراء انتخابات حرة ونزيهة بناء على قاعدة دستورية سليمة.على حد تعبيره.

ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن السراج قوله أن "حل الأزمة لا يتم بتقاسم السلطة بين أي كان، بل بمنح الشعب حقه في اختيار حكامه عبر انتخابات حرة نزيهة، تجرى على قاعدة دستورية سليمة".وأضاف السراج، في إجابة عن سؤال حول إمكانية دعوته لانتخابات بدون قبول الطرف الآخر: "الجميع بات يدرك أن لا حل عسكري للأزمة الليبية، والجهود الدولية المبذولة تسعى لإيجاد مخرج سياسي عبر وقف التدخلات السلبية الأجنبية في الشأن الليبي، وإجراء انتخابات نزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، ليقول الشعب كلمته، وهو نفس ما طالبنا ونطالب به".وتابع: "لا يرفض الانتخابات إلا من يريد أن يلغي رأي الشعب ويستحوذ على الحكم".

حديث حكومة الوفاق عن الانتخابات تزايد مؤخرا،فمنذ حوالي أسبوعين تقدم رئيس مجلس الدولة والقيادي في حزب العدالة والبناء الإخواني خالد المشري،بما وصفه مبادرة لحل الأزمة الليبية تتضمن وقف إطلاق النار واللجوء إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية.وقال المشري في مؤتمر صحفي،أواخر أكتوبر الماضي "قدمت بمبادرة تطرح حلولا عملية للخروج من هذا النفق المظلم، بما يزيل مبررات الصراع والحروب ويشرك مكونات الشعب في خارطة لحل شامل".وفق تعبيره.

وتقوم مبادرة المشري،بالأساس على إنهاء المرحلة الانتقالية بعملية انتخابية وفق خطة زمنية واضحة، تعتمد على التئام مجلس النواب خلال شهر من إطلاق المبادرة، كما تتضمن تعديل المجلس الرئاسي وتكليف رئيس وزراء منفصل، واختيار شاغلي المناصب السيادية، على أن يتم إعداد وإقرار القوانين الخاصة بالانتخابات، وفقاً للاتفاق السياسي.

وأثارت مبادرة المشري الشكوك حول نوايا حكومة الوفاق ومن ورائها جماعة "الاخوان" خاصة في ظل رفض الجماعة التي تسيطر على حكومة السراج سابقا لاجراء الانتخابات ودفعها باتجاه استمرار حالة الفوضى وهو ما أكده رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، في حوار صحافي،في يناير الماضي حين قال إن "جماعة الإخوان وتركيا وقطر تعرقل الانتخابات في البلاد"، التي ينتظرها الشعب الليبي لاستعادة دولتهم.

ومارست جماعة "الاخوان" ومليشياتها ضغوطا كبيرة على السراج لدفعه إلى تبني موقفها الرافض  لإنتخابات دون الإستفتاء على مشروع الدستور،ما أوصل الأمور الى حالة الإنسداد ونُسف إتفاق أبوظبي الذي كان ينص على الإنتخابات. وقبل ذلك طالبت الجماعة رئيس حكومة الوفاق بتمويل مشروع الإستفتاء على الدستور قبل تمويل مفوضية الإنتخابات  وإنتهى الحال إلى عدم تمويل الجهتين وإنسدت الطرق،ما دفع الجيش الليبي للتحرك نحو العاصمة لانهاء حالة الفوضى فيها وسيطرة المليشيات على مؤسسات الدولة.

ويربط متابعون للشأن الليبي توقيت عودة الحديث عن الانتخابات بالتطورات الميدانية التي تشهدها المعارك في العاصمة الليبية طرابلس.حيث يتزامن ذلك مع التقدم الكبير للجيش الوطني الليبي في عدة محاور فيما تتزايد الخسائر في صفوف المليشيات المسلحة وسط تأكيدات عسكرية على قرب حسم معركة تحرير المدينة بالكامل.

وتستبق هذه التطورات "مؤتمر برلين حول ليبيا" المرتقب عقده خلال هذا الشهر بحضور الدول المعنية بالأزمة الليبية، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وروسيا، في إطار جهود تقودها الأمم المتحدة لإيجاد حلول سياسية تنهي الحرب في طرابلس، وتعيد الأطراف المتنازعة إلى طاولة المفاوضات.ويرى كثيرون أن الحديث عن الانتخابات لا يعدو أن يكون مناورة لكسب الوقت أملا في أن ينجح مؤتمر برلين في انهاء القتال في العاصمة وهو ما يمثل فرصة لتيار الاسلام السياسي لاعادة التموضع من جديد بعد خسائره الكبيرة.

وتواصل قوات الجيش الوطني هجوماً منذ الرابع من أبريل /نيسان الماضي للسيطرة على طرابلس، وانهاء سوة المليشيات المسلحة فيها، حيث تسببت المعارك منذ اندلاعها في مقتل 1093 شخصاً، وإصابة نحو 6 آلاف آخرين، إضافة إلى نزوح أكثر من 120 ألف شخص من مواقع الاشتباكات، بحسب الأمم المتحدة.

وتعيش ليبيا منذ سنوات على وقع صراعات سياسية وعسكرية متواصلة،وفشلت كل مساعي المصالحة الوطنية في البلاد على مدار الأعوام الماضية،في الإنتقال بالوضع الليبي من حالة الفوضى والتردي الأمني إلى الإستقرار وإعادة البناء.وبالرغم من اجماع المتابعين للشأن الليبي على أن الانتخابات تمثل الأمل الأكبر لاخراج ليبيا من مأزق الانقسامات،فانهم يؤكدون من جهة أخرى على ضرورة توفير المناخ المناسب لانجاح الاستحقاق الانتخابي من أمن واستقرار وذلك عبر انهاء نفوذ المليشيات المسلحة واستعادة مؤسسات الدولة.