بعمامة ملفوفة على رأسه ،و نظّارات سوداء كبيرة فوق عينيه ،،بنفس تسريحة الشعر كما يعرفها الجميع و هم يشاهدون "ملك ملوك إفريقيا" و هو يخطب أو يتحدّث عبر شاشة التّلفزيون ،،كان يمشي بأحد شوارع العاصمة تونس و سط هتافات المارة و هم يفسحون له الطّريق و هو يردّ عليهم التحيّة بطريقته التي عرفوها عنه في شاشة التّلفاز .
لم يكن ذلك في الحقيقة العقيد معمّر القدّافي بل هو شبيهه التّونسي "محمّد الدّاهش" الذي لا تكاد العين تخطأ شبهه الكبير بالعقيد الراحل :نفس الملامح و نفس الشّكل و تسريحة الشّعر و حتى البنية الجسديّة مع حرصه على تقليد طريقته في المشي و التحيّة و الكلام ليكتمل المشهد تماما و يتطابق ،،و من الطّريف أنّ المارة تعاملوا مع محمّد الدّاهش معاملة القدّافي ،فكانوا يفتحون له الطّريق و يحيونه مازحين بطريقتهم الخاصة ،فكان "القايد" يردّ عليهم التّحيّة بطريقة العقيد معمّر القدّافي .
و في الحقيقة ليست هذه المرّة الأولى التي يظهر محمّد الدّاهش بهذه الطّريقة ،فقد عرفه التّونسيون من خلال حصّةٍ للكاميرا الخفيّة بعنوان "باركينغ" في رمضان الفارط على القناة التونسية الوطنية الثانية.و عن تفاصيل اكتشافه من قبل الشاشة الصغيرة، فيعود الفضل فيها إلى قريبه الممثل «سفيان الداهش» حسب قوله الذي اقترح عليه أن ينضم إلى فريق الكاميرا الخفية ، فلم يمانع كما ذكر في حوار صحفي مع صحيفة "التونسية" في يوليو من العام الماضي .
شبهه بالقذّافي فتحت له أبواب النعيم في ليبيا قبل الثّورة
لشبه محمّد الدّاهش بالعقيد معمّر القذّافي قصة طريفة و "سريالية" لا يستطيع أي مخيال روائي حبكها لو إفتراضيا فما بالك و قد حصلت فعلا و قد تحوّل في تفاصيلها محمّد الدّاهش من تاجر بسيط إلى مهندس في شركة ألمانية بطرابلس و صاحب مكتب بـ"الأمن القومي" الليبي كمكلف بمهمّة "الإعلام الجماهيري" و أمّا القصّة كما نقلتها عنه صحيفة "التونسية" في عددها الصادربتاريخ 14/07/2013 فهذا نصّها :
"بقدرة قادر تحولّ «محمد المعز الداهش» من مجرّد تاجر نكرة إلى مهندس أوّل بإحدى أكبر الشركات الألمانية في ليبيا ! وذلك كلّه بفضل ضربة حظّ لعب فيها شبه هذا الرجل بمعمّر القذافي دور البطولة. إذ شاءت الأقدار أن يعثر ابن القذافي المعتصم بالله سنة 2008 لدى إبحاره عبر الشبكة العنكبوتية في جولة على صفحات التواصل الاجتماعي على حساب الكتروني يحمل اسم "معمّر" وصورته ... فأرسل طلب صداقة إلى صاحب الحسـاب والذي هو في الأصل صاحبنا "محمد المعزّ الداهش". وكانت تلك النقطة الفاصلة في حياته حيث قال: "بعد أن أضفت هذا الشخص إلى قائمة أصدقائي عبر الفايسبوك، طلب منّي رقم هاتفي ومباشرة اتصل بي وسألني: "أنت لست معمر فلماذا تنتحل صورته ؟". فأجبته بكل بساطة: "لأني أحبّه" !فضرب لي موعدا في الغد على الساعة العاشرة صباحا بمقهى «نادي المدينة» بشارع عمر المختار بليبيا".
وذهب محدثنا في الموعد فإذا بالمعتصم القذافي يترجّل من سيارة رباعية الدفع ويطلب منه مرافقته. وعن المشاعر التي خالجته وقتها والتخمينات التي احتدمت في نفسه في تلك اللحظة وهو يرافق ابن القذافي إلى المجهول وإلى مصير غير معلوم، قال الداهش: "عشت موقفا حرجا من أصعب المواقف التي مرّت عليّ في حياتي ولكنّي كنت أطمئن نفسي بأنهم لا يمكن أن يؤذوني وأنا أحب القائد!".
رست السيارة ووجد محدثنا نفسه بـمكتــب "الأمـــن القومي" الليبي ورجل يحمل شارة كتب عليها "العقيد سالم عبد الله غومة" يختبر صدق حبّه للقائد . فهل نجح "الداهش" في اختبار "إثبات الحب"؟"
وتواصل الصّحيفة بالقول :عشق "محمد المعز الداهش" شخصية القذافي فحفظ حركاته، سكناته وكلماته وخطاباته... لهذا نجح بامتياز في الاختبار وأثبت أنه يهيم بالـ"فاتح" وأجاب باقتدار على أسئلة العقيد "سالم عبد الله غومة". واستعرض له تاريخ "ثورة الفاتح من سبتمبر", وقرأ له فصولا من "الكتاب الأخضر" التي كان يحفظها عن ظهر قلب, وقلّد له خطابات "القائد"و حركاته ...فكانت المكافأة منحه مكتبا بـ"الأمن القومي" كمكلف بمهمّة "الإعلام الجماهيري" ليقوم بكتابة المقالات ونشر الأخبار الذاكرة والمادحة والشاكرة لنظام القذافي. فكان دخول "جنة" القذافي من بابها العريض حيث تحوّل "الداهش" من تاجر (لكنّه في الأصل تقني كهرباء) إلى مهندس أوّل يشتغل بإحدى أكبر الشركات الألمانية بطرابلس .كما منحه المعتصم رخصتي سياقة وسيارة رباعية الدفع ...وأصبح واحدا من المقرّبين للعائلة الحاكمة ومرافقا لها في المناسبات الكبرى والمحافل الدولية . كما غنم سنوات من النعيم والتبجيل و«الأبّهة» بفضل شبهه بالقذافي ...و أيضا جرّب إحساس أن يكون رئيسا لليبيا، فعاش طرائف لا تنسى.
حتى المسؤولين ظنّوه القذافي
و تواصل "التونسيّة" سرد القصّة بالقول : حتى تكتمل الصورة، كان على هذا «المغرم»بشخصية القذافي أن يلبس من لباسهـــا ويلف من شالها ويرتدي من قبّعاتها ...فعمل «الداهش» على تجميع جلّ أزياء القذافي فكان يجوب على الخيّاطين حاملا بيده صورة «القايد» طالبا منهم محاكاة ذاك الرداء في تلك الصورة، حتى يتطابق الشبه تماما.
ويختزن «محمد المعز» في ذاكرته عديد الطرائف التي عاشها وكان الشبه فيها سببا لإحداث اللبس في أذهان عامة الناس كما هو الشأن بالنسبة للمسؤولين الكبار في حكومة القذافي . حيث روى لنا وعلى شفتيه ابتسامة حالمة وشت بحنين مضمر إلى الأيام الخوالي, أنّه رافق الوفد الليبي سنة 2008 إلى دمشق على هامش انعقاد القمّة العربية وصادف أن دخل أحد المقاهي هناك، فقام الجميع لتحيته معتقدين أنّه القايد معمر القذافي... وأضاف ضاحكا وكأنه عاش اللحظة لتوّها: «في إحدى المناسبات,كنت واقفا إلى جانب المعتصم باللـــــه القذافي، فإذا بمسؤول من المسؤولين الكبار يتقدم ويسلم عليّ قبل المعتصم نفسه ظنّا منه أننّي «القايد»... أما المعتصم فقد غرق في نوبات من الضحك!».
ومن الطرائف الأخرى التي وقع فيها الكثيرون ضحيّة الشبه الشديد بين "الداهش" والقذافي، فعاملوه معاملة الرئيس، كانت أثناء زيارته لمعرض طرابلس الدولي حيث ترّجل من سيارته رباعية الدفع وبصحبته موّظفين من مكتب "الأمن القومي" الليبي فظنّ الجميع أنّه «القايد» ورحب ممثلو الدول المشاركة في المعرض بزيارته لأجنحتهم ...
أما في شوارع ليبيا وفي الأيام العادية فإن شبيه القذافي كان يحظى بالترحاب والتبجيل نفسه الذي كان يقابل به القذافي الحقيقي، فتفرغ له الطرقات وترفع له التحيّات العسكرية وتقضى جميع شؤونه"
"لم يشأ القدر أن يلتقي الشبيه بشبيهه عن قرب" تضيف الصّحيفة , و "كان أقرب لقاء بين «الداهش» و«القذافي» على هامش احتفالات «الفاتح من سبتمبر» سنة 2009 . وعن هذا اللقاء قال الدّاهش :" كان القايد جالسا على المنصة وأنا واقف حذوها ولا يفصلني عنه سوى 40 مترا، فأنتبه لي وظل يتفحصّني بتمعن شديد وكأنه يتثبت في مدى الشبه بيني وبينه...ولكنه في خضم انشغاله بطقوس الاحتفال لم يتمّكن من مناداتي".
من النعيم إلى الجحيم بعد 17 فبراير
و عن الثّورة الليبية و سقوط مظام شبيهه معمّر القذّافي و ما حصل له بعد ذلك تقوا الصّحيفة :"بانهيار صرح نظام القذافي، حلّت اللعنة على «محمد المعز الداهش» فتعرّض منزله للاقتحام واضطر للتّخفي وعاش الويلات ... قبل أن يكتري أحدهم بألف دينار ليهربه عبر المسالك الفلاحية والبراري إلى «رأس جدير» في نهاية شهر مارس 2011 . لكن «الداهش» تحدث عن أملاكه العالقة الى الآن بليبيا رغم لقائه في الموضوع السلطات التونسية في عديد المرات."
التلفزة تلتقفه في الكاميرا الخفيّة
و تواصل الصحيفة إستعراض قصّة محمّد الدّاهش بعد عودته من ليبيا بالقول :"و لكن شبهه بالقذافي لم يذهب جزافا حتى بعد رحيله، فما إن خرج من «جنة الفاتح الضائعة» حتى تلقفته التلفزة الوطنية ليصبح أحد أبطال الكاميرا الخفية "باركينغ"على الوطنية الثانية.أما عن تفاصيل اكتشافه من قبل الشاشة الصغيرة، فيعود الفضل فيها إلى قريبه الممثل "سفيان الداهش" الذي اقترح عليه أن ينضم إلى فريق الكاميرا كاشيه، فلم يمانع .
و يتواصل مسلسل الطرائف في تونس كما في ليبيا، وفي الواقع كما في عالم التمثيل . إذ يروي "الداهش" تجربته مع "الباركينغ" قائلا : "لقد انطلت الحيلة على الليبيين كما التونسيين,فحدثت طرائف كثيرة، وأذكر منها أن أحد الليبيين لما شاهدني واقفا أمامه رفع يديه وحيّاني هاتفا: مرحبا بالفاتح أنا معك يا قايد منذ عام 67 ... انا «نبّيك» وإن أردت الدليل اسأل اللواء "بوبكر جابر"... ولكنه نسي أن هذا اللواء مات مع القذافي وأن القذافي مسك الحكم سنة 69 19 وليس سنة 67 "
و يضيف "الداهش" متحدثا عن مغامراته مع حلقات الكاميرا الخفية: "وفي مرة أخرى شرع أحد الليبيين في سبّي وشتمي بمجرد أن رآني وهم ّبقتلي" على حدّ قوله .