تتواصل التطورات في العاصمة الليبية طرابلس مع استمرار الاشتباكات المتقطعة بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج الذي اختار مواصلة استجداء التدخل التركي لدعمه بعد رفضه لاعلان الهدنة واستقوائه بمرتزقة أردوغان وأسلحته التي لم تنجح في منع خسائر قواته المتواصلة على الأرض أمام القوات المسلحة الليبية.

وفي مشهد متكرر كلما جد حديث عن هدنة أو مفاوضات،أجرى رئيس حكومة الوفاق فائز السراج اليوم السبت، اتصالا هاتفيا مع الرئيس التركي رجب طيب اوردوغان.وقال المكتب الاعلامي لحكومة الوفاق  إن السراج وأردوغان  بحثا مستجدات الأوضاع في ليبيا، وسبل تعزيز العلاقات الثنائية.كما تطرقا للجهود المبذولة في البلدين لمواجهة جائحة كورونا.


ويؤكد مراقبون أن الاتصال يأتي في إطار محاولات السراج لشرح الأوضاع الميدانية للرئيس التركي الذي باتت بلاده تقود العمليات العسكرية فيما تحولت حكومة الوفاق الى واجهة للغزو التركي المدعوم من "الاخوان".ويشير هؤلاء الى أن السراج يسعى للبحث عن دعم تركي أوسع بعد رفضه للهدنة التي أعلن الجيش الوطني الليبي في وقت سابق موافقته عليها.

وكان المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي، اللواء أحمد المسماري، أعلن الأربعاء في مؤتمر صحافي، أن الجيش استجاب لدعوات المجتمع الدولي ودول شقيقة وصديقة بوقف فوري للقتال خلال شهر رمضان، مشيرا إلى أنه سيحتفظ بحق الرد على أي تهديد أو تحركات مشبوهة وخرق للهدنة تقوم بها الميليشيات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق.

ويتزامن إتصال السراج بالرئيس التركي مع حديث عن تحركات تركية مشبوهة لاستهداف الأراضي الليبية مجددا.ونقلت"العربية"،عن مصادر مطلعة فجر السبت 02 مايو/أيار،برصد بارجات حربية تركية قبالة سواحل القره بوللي الليبية، يعتقد أنها تمهد لقصف بحري نحو قوات الجيش الليبي في ترهونة.

وكانت الميليشيات مدعمة بالمرتزقة السوريين قد حاولت في الأيّام السابقة تحت غطاء جوي تركي الهجوم على مدينة ترهونة من سبعة محاور، في وقت متزامن لكنها لم تتمكّن من تحقيق أي تقدّم. وشاركت في الهجوم قوّات بريّة واسعة وعدّة طائرات مسيرة تركيّة الصنع والمئات من المرتزقة السوريين حيث تمكّن الجيش الليبي من القاء القبض على عدد منهم وتحويلهم الى سجن قرنادة شرق البلاد.

وسبق أن قامت بارجة عسكرية تركية مطلع أبريل الماضي بالاقتراب من ساحل مدينة زوارة، في أقصى الغرب الليبي، وإطلاق صاروخين في قصف عشوائي سقطا في مناطق خالية من العمران، وهو ما اعتبره الجيش الليبي تعديا مباشرا على بلاده، ونذر إنزال بحري في غرب البلاد.وأكد الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري أن إطلاق بارجة تركية صواريخ من عرض البحر على منطقة العجيلات هو استمرار لتدخل البحرية التركية في غزو ليبيا عسكريا، مشيرا إلى أن البوارج التركية كانت في السابق ترافق سفن شحن تقل أسلحة ومعدات عسكرية وإرهابيين ومرتزقة سوريين إلى ليبيا.

ويأتي ذلك مع تواصل محاولات حكومة الوفاق التأكيد على رفض العملية العسكرية "إيريني"، التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لمراقبة حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا.وفي أحدث رفض للعملية، قال فتحي باشاغا وزير الداخلية بحكومة الوفاق،الجمعة، إنه بحث مع "عدد من كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي تطورات العملية العسكرية في ليبيا، وخاصة عملية إيريني.


وخلال مناقشة أجراها عبر خدمة التقنية المرئية مع بعض المسؤولين الأوروبيين، تمسّك باشاغا برفض حكومة الوفاق لعملية "إيريني" بشكلها الحالي، وقال إنها "تستهدف عملياً فقط إيقاف الدعم الشرعي، التي تحصل عليه حكومة الوفاق، في حين أنها لا تمنع الأسلحة التي يتحصل عليها (القائد العام للجيش الوطني خليفة) حفتر عبر البر والجو، وهو كيل بمكيالين نرفضه تماماً".على حد زعمه.

وكان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، قد أبلغ رئيس البرلمان الأوروبي، ديفيد ساسولي، اعتراض حكومة الوفاق على عملية "إيريني"، بقوله: "تلقينا ببالغ الأسف نبأ تنفيذ عملية (إيريني)، وكنا نتوقع من دول الجوار الأوروبي تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1970 لسنة 2011 بشأن حظر توريد السلاح إلى ليبيا".حسب تعبيره.

ويأتي هذا الرفض للعملية الأوروبية الرامية لمنع توريد الأسلحة إلى ليبيا بسبب ارتباط حكومة الوفاق وحلفائها بتركيا التي تعتبر الداعم الأكبر للمليشيات عبر السلاح والمرتزقة.ويخشى تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" المسيطرة على حكومة الوفاق وأمراء الحرب في طرابلس ومصراتة،من أن تعرقل العملية "ايريني" عمليات الدعم التركي بالسلاح والمرتزقة، أو ستجعله على الأقل تحت الضوء الأممي.

وإستقوت حكومة الوفاق بالدعم التركي الكبير من خلال الطائرات المسيرة وآلاف المرتزقة ناهيك عن شحنات السلاح بعد أن استغل أردوغان الهدنة ونجحت مليشياته في تثبيت أجهزة تشويش ونظام دفاع جوي ما تسبب في شل حركة سلاح الجو الليبي الذي كان يستهدف أي شحنة من الأسلحة القادمة إلى حكومة الوفاق والمليشيات التابعة لها.

ومثل الاستيلاء على مدينتي صبراتة وصرمان بدعم من الطيران التركي حافزا لحكومة الوفاق للترويج لقدرتها على حسم المعارك ورفض الهدنة،وتصاعدت خلال الفترة الماضية تصريحات المسؤولين في حكومة السراج حول ذلك وأبرزها تصريحات صحفية للاخواني خالد المشري رئيس مجلس الدولة والتي قال فيها ان حكومة الوفاق نظمت صفوفها بعد توقيع الاتفاق مع تركيا زاعما أن النصر قريب.

لكن التطورات على الأرض تكشف عكس ذلك حيث تتواصل خسائر حكومة الوفاق،حيث عرضت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش الليبي مشاهد مصورة حصلت عليها بعد أسر مجموعة من المرتزقة السوريين في أحد محاور العاصمة طرابلس.ووفق المشاهد التي عرضها المكتب الإعلامي للقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، على "يوتيوب"، ظهرت مجموعة من المرتزقة السوريين في أحد المنازل بالعاصمة طرابلس.

وبينت المشاهد وجود مجموعة تضم نحو 10 مسلحين يتداولون الحديث فيما بينهم، ثم يحاولون الخروج من المبنى المتواجدين به، وبعد خروجهم بقليل، استهدفهم الجيش الليبي بقذيفة هاون.وبعد عودتهم للمنزل الذي كانوا يتواجدون به، استهدفهم الجيش بقذيفة ثانية أصابت المنزل مباشرة، وظهر عدد منهم ملقى على الأرض دون حراك، كما شوهد بعض منهم مصابين وغير قادرين على الحراك.ووفق مصادر عسكرية، فإن التسجيل عثر عليه بعد أن تمت مداهمة المكان واستسلام بقية العناصر، بما فيهم مصور الفيديو الذي وجد بهاتفه الشخصي.وفق ما أورد موقع "ارم نيوز" الاخباري.

من جهته،أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، اليوم السبت، تصاعد عملية نقل "المرتزقة" السوريين من جانب تركيا إلى ليبيا، مشيرا إلى ارتفاع عدد القتلى في صفوفهم إلى حوالي 250 قتيلا.وأفاد المرصد السوري، في بيان له، أن المرتزقة السوريين الموالين لتركيا تكبدوا خلال الآونة الأخيرة مزيدا من الخسائر البشرية خلال العمليات العسكرية المتصاعدة في ليبيا.

وقتل 26 عنصرا سوريا خلال معارك مع الجيش الوطني الليبي على محاور عدة في الأراضي الليبية التي تشهد مواجهات عنيفة على مدار الساعات والأيام القليلة الماضية، بحسب المرصد.وذكرت المؤسسة الحقوقية أن حصيلة القتلى في صفوف الفصائل الموالية لتركيا جراء العمليات العسكرية في ليبيا بلغت 249 مقاتلا، مشيرا إلى أن القتلى هم من فصائل "لواء المعتصم" و"فرقة السلطان مراد" و"لواء صقور الشمال" و"الحمزات" و"سليمان شاه".


ويستعد المئات من المقاتلين للانتقال من سوريا إلى تركيا، حيث تستمر عملية تسجيل قوائم أسماء جديدة من قبل فصائل "الجيش الوطني" الموالي لتركيا، وذلك بأمر من الاستخبارات التركية.ويشير مراقبون الى أن حكومة السراج باتت بوابة أردوغان لغزو ليبيا ومد أذرعه فيها لتمرير أجنداته في المنطقة عموما. 

ويأتي هذا التصعيد في وقت تتواصل فيه الدعوات الدولية لحل سلمي في ليبيا وانهاء التدخلات الخارجية،وآخر هذه الدعوات جاء على لسان وزير الخارجية التونسي نور الدين الري، ونظيره المغربي ناصر بورويطة، اليوم السبت،اللذين  أكدا على ضرورة إيجاد "حل توافقي" في ليبيا.وأفاد بيان صادر عن وزارة الخارجية التونسية بأن الوزيرين أجريا مكالمة هاتفية، تطرقت خصوصًا إلى تطورات الوضع في ليبيا، حيث أكد الجانبان على أهمية إيجاد حل سياسي توافقي للأزمة في البلاد.

وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،دعت طرفي النزاع إلى استئناف المحادثات العسكرية المشتركة بهدف التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار وفق الخارطة الأممية.وأشارت في بيان لها إلى وجوب "اغتنام الطرفين الفرصة لوقف جميع العمليات العسكرية فوراً، واستئناف المحادثات العسكرية"، وذلك بالاستناد إلى "الدعوات المختلفة لوقف إطلاق النار" خلال شهر رمضان ولمواجهة تفشي وباء كوفيد-19.

ويشير مراقبون الى أن حكومة الوفاق رهينة لدى الميليشيات المسلحة التي تسعى إلى التصعيد وفق مقاربات أجندات النظام التركي الخفية منها والمعلنة.ويؤكد هؤلاء أن انهاء الفوضى في البلاد ونجاح أي مسار سياسي يبقى رهين القضاء على المليشيات وتفكيك سلاحها وتوحيد مؤسسات الدولة العسكرية والاقتصادية بما يضمن تحسين الأوضاع في البلاد واستعادتها لمكانتها على الصعيدين الاقليمي والدولي.