يبدو أن الأزمة السياسية في ليبيا لن تحلّ في المدة القادمة، رغم إبطال انتخاب معيتيق المحسوب على الإخوان، بقرار قضائي غايته الحد من التوتر السياسي والأمني في البلاد. حيث يشهد النزاع بين المتشددين وأنصارهم في البرلمان من جهة، وبين قوات حفتر ومواليه من جهة أخرى، فصلا جديدا من شأنه تأزيم الأوضاع، وذلك بعد دخول المفتي العام الليبي على الخط بدعوته للجهاد ضدّ حفتر.

غصّت الصفحات الليبية في مواقع التواصل الاجتماعي أمس بأشدّ الانتقادات تجاه المفتي العام لليبيا الصادق الغرياني، بسبب اصطفافه التام وراء جماعة الإخوان وتنظيم «أنصار الشريعة» المتشدّد، وتكفيره لأنصار اللواء خليفة حفتر.

واعتبر مراقبون أنّ الغرياني فقد شرطا أساسيّا من شروط تولّي وظيفة «المفتي العام» بسبب انحيازه الكلّي لحساب الميليشيات المسلّحة التابعة لتنظيم أنصار الشريعة، وذلك ضدّ إرادة معظم الشعب الليبي.

وطالب الكثير من الليبيين في موقع «فيسبوك» بعزل المفتي العام فورا، ودعاه آخرون إلى «ملازمة في بيته» بعد أن فاحت رائحة تورّطه في أجندات الجماعات المتشدّدة في ليبيا. وقال العديد منهم إنّه خيّب ظنّ الليبيين عموما.

كما اتّهم عدد منهم الغرياني بأنّه تعوّد على غضّ النظر عن كلّ الممارسات التي يقودها الإخوان والمتشدّدون عموما في ليبيا دون حسيب ولا رقيب، ممّا عمّق حالة الفوضى في البلاد.

وكان المفتي العام قد أعلن عن فتوى لمجلس البحوث التابع لدار الإفتاء تُصنّف المقاتلين مع اللواء خليفة حفتر ضمن عملية «كرامة ليبيا» العسكرية بأنهم «بغاة»، قائلا «ويُخشى أن يموتوا ميتة جاهلية».

ودعا الصادق الغرياني، في حلقة من برنامج «الإسلام والحياة» في التلفزيون الليبي مساء الاثنين، إلى «الجهاد» ضدّهم، معتبرا أنّ من يقاتلون لصدّ قوات اللواء خليفة سيكون قتلاهم شهداء، موظفا النصّ الديني وفق أجندته الموالية لأنصار الشريعة والإخوان في ليبيا، باستشهاده بالآية الكريمة القائلة: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله».

وكانت دار الإفتاء، الواقعة تحت سيطرة إخوان ليبيا، قد اعتبرت في بيان لها في منتصف شهر مايو الماضي أنّ «عملية الكرامة» التي يقودها اللواء حفتر هي «حلقة من حلقات التآمر على البلاد ومحاولة لسرقة ثورتها».

تأتي هذه الدعوة لمحاربة القوات العسكرية التابعة للواء حفتر، بعد الدعوة التي وجهها المفتي الليبي قبل يومين إلى جماعة أنصار الشريعة، المتهمة بالإرهاب، لكي تتبرّأ من أيّة أعمال إرهابية يمكن أن تطال المدنيين، في محاولة لتخليص الجماعات المسلحة المتشددة من تهمة الإرهاب التي تلاحقها، والتي يسعى خصومها لاستغلالها في حشد الرأي العام الدولي ضدها، في ما يرى مراقبون أنّ دعوة، أو فتوى مفتي الديار الليبية، من شأنها أن تعمّق الهوة وتعطي شرعية دينية للجماعات المسلحة الموالية للمؤتمر الوطني العام في حربها ضد وحدات اللواء خليفة حفتر.

وفي سياق متصل، أعلن مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي السابق، عن تأييده لحفتر، لتكتسب عملية الكرامة من ثمّة مزيدا من الدعم والمساندة.

وبحسب المراقبين فمن شأن إعلان عبدالجليل، أن يكسب عملية الكرامة مزيدا من تأييد الليبيين، وربما يمتد تأثير ذلك إلى توجيه ميول البعض منهم في الانتخابات البرلمانية القادمة.

يأتي هذا بالتزامن مع موافقة اللواء خليفة حفتر، على هدنة تمّت بوساطة لجنة من الحكماء، كي يتسنّى للمواطنين التصويت في الانتخابات المزمع عقدها في الـ 25 من يونيو الجاري. وعزا حفتر قراره إلى أهمية هذه الانتخابات التي يمكنها أن تصل بليبيا إلى برلمان يعبّر عن اللّيبيين على خلاف سابقه، الذي حمّلته أطراف عدة مسؤولية الفوضى التي وصلت إليها البلاد.

وأوضح العقيد محمد الحجازي، المتحدث باسم قوات حفتر، موقفهم من وقف إطلاق النار، قائلا: “قبلنا بوقف إطلاق النار يوم 25 يونيو الجاري، كي نقدّم دليلا على أنّنا لا نسعي إلى السلطة في مواجهة من يصفنا بالانقلابيين”.

وقال الحجازي إنه “لا حوار مع المتطرفين، إلاّ إذا ما سلموا أسلحتهم، وإلا لن يكون لنا حوار معهم إلاّ وهم داخل السجون”، في إشارة إلى كتائب الثوار التابعة لرئاسة الأركان، التي تقاتلهم رفقة تنظيم أنصار الشّريعة الليبي.

وفي المقابل، أصدر تنظيم أنصار الشريعة المتشدد، بيانا، أمس، أكّد فيه أنّ “اللغة الوحيدة المستخدمة مع قادة عملية الكرامة هي لغة السّلاح، وعليه فلن يتمّ وقف إطلاق النار يوم الانتخابات”.

ويرى مراقبون أن الأزمة السياسية الليبية لا تبدو في طريقها إلى حل قريب، رغم إعلان أحمد معيتيق رئيس الحكومة المتنازع على شرعيّتها عن احترامه للحكم القضائي الّذي نصّ على عدم دستوريّة انتخابه.

وقد انعكس هذا القلق من تعقّد الأوضاع، في تصريحات الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا طارق متري، الذي حذر من أن الأزمة مازالت قائمة بسبب عدم الاستقرار الحكومي. وأشار إلى أن معالجة الوضع في ليبيا لا يمكن أن يتمّ إلا من خلال أجهزة الدولة الشرعية، ومن خلال وجود جهازي جيش وشرطة قويّين.

 

*نقلا عن العرب اللندنية