في الوقت الذي تراوح فيه المعارك العسكرية مكانها بين قوات الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر، والقوات التابعة لحكومة الوفاق،والتي يرأسها فائز السراج في العاصمة طرابلس،وسط تقدم ملحوظ للجيش،يتزايد الحظور التركي في الساحة الليبية بشكل يكشف استغلال أنقرة للجائحة العالمية "كورونا"،لترير أجنداته القائمة أساسا على غزو ليبيا بذريعة دعم حكومة السراج.
يحاول نظام أردوغان استغلال انشغال العالم بالأزمة الكبيرة التي أحدثها تفشي فيروس كورونا السريع،لتحويل تدخله في ليبيا من مجرد دعم لحكومة الوفاق الى غزو مباشر للبلاد والتحكم فيها.وتحولت أنقرة الى قيادة الحرب في طرابلس بشكل مباشر على أمل صد الجيش الوطني الليبي بعد أن عجزت حكومة الوفاق طيلة الأشهر الماضية عن تحقيق اي انتصار عسكري بالرغم من الدعم المتواصل من تركيا وقطر الراعي الرسمي لمليشيات تيار الاسلام السياسي في ليبيا.


وقامت بارجة عسكرية تركية الخميس الماضي بالاقتراب من ساحل مدينة زوارة، في أقصى الغرب الليبي، وإطلاق صاروخين في قصف عشوائي سقطا في مناطق خالية من العمران، وهو ما اعتبره الجيش الليبي تعديا مباشرا على بلاده، ونذر إنزال بحري في غرب البلاد.وأكد الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري أن إطلاق بارجة تركية صواريخ من عرض البحر على منطقة العجيلات تطور خطير في العمليات العسكرية الجارية في غرب البلاد، وهو استمرار لتدخل البحرية التركية في غزو ليبيا عسكريا، مشيرا إلى أن البوارج التركية كانت في السابق ترافق سفن شحن تقل أسلحة ومعدات عسكرية وإرهابيين ومرتزقة سوريين إلى ليبيا.
وتحاول تركيا بشتى الطرق دعم حلفائها في طرابلس في ظل التقدم الكبير الذي بات يحرزه الجيش الوطني الليبي مقابل الخسائر الميدانية المتواصلة لقوات الوفاق التي كان خرها العثور على جثث لعدد من عناصر التشكيلات المسلحة التابعة لقوات الوفاق المدعومة من تركيا في محور عين زارة بالعاصمة طرابلس خلال عمليات تمشيط عددٍ من المواقع التي أحكمت قوات الجيش السيطرة عليها،وفق ما أعلنت شعبة الإعلام الحربي.
الحضور التركي المكثف باتت تكشفه الطائرات التركية المسيرة التي أصبحت خلال الأيام الماضية تغطي سماء المنطقة الغربية،حيث تستخدم لقصف ارتال الشاحنات التي تحمل المؤونة والمساعدات الطبية للمناطق الليبية مهاجمة الأهداف الحيوية، وتدمير البنية التحتية وارهاب المدنيين بالمناطق الداعمة للجيش الوطني الليبي.
وقصف الطيران التركي المسير الداعم لحكومة الوفاق، فجر الإثنين، مدينة بني وليد وسط ليبيا، ما أدى إلى وقوع إصابات بين المدنيين.ونقلت تقارير اعلامية عن شهود العيان: إن الطيران التركي المسير شن نحو 11 غارة على منطقتي تنيناي وأشميخ جنوب بني وليد.وتمثل مدينة بني وليد أحد المواقع الاستراتيجية في ليبيا، باعتبارها نقطة الوصل بين الجنوب وبوابة السدادة التي تربطها بمدينة مصراتة، غربي البلاد.


كما استهدفت طائرة تركية مسيرة، الأحد الماضي، طائرة شحن تابعة للجيش الوطني الليبي، كانت تحمل مساعدات طبية لمستشفيات المنطقة الغربية.وقالت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش: تم استهداف طائرة شحن بمطار ترهونة أرسلتها الحكومة الليبية لمساعدة مستشفيات المنطقة الغربية، وكانت تحمل الطائرة مستلزمات طبية عاجلة لمكافحة وباء كورونا.
وأعلن المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة بالجيش الوطني عن قيام ما وصفه بـ"الطيران التركي الغازي المسير" بقصف سيارة نقل بضاعة فارغة تابعة لأحد المواطنين مشيرا إلى نجاة السائق.وأضاف المركز الإعلامي موضحا:"هؤلاء لا يهمهم أي قيم ولا قواعد إنسانية، وهذا دليل إفلاسهم وقرب نهايتهم".
وقال الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي، أحمد المسماري، إن العدوان التركي على الأهداف المدنية، يؤكد أن أردوغان يسعى إلى استغلال انشغال العالم بأزمة "كورونا"، لاحتلال موطئ قدم له في ليبيا، لكنه لم يحقق ذلك، وسيدفع مع كل يوم جديد، المزيد من الخسائر، مبرزاً أن جحافل المرتزقة وشحنات الأسلحة المتدفقة من تركيا إلى طرابلس ومصراتة، لم تستطع تغيير موازين القوى على الأرض، وإنما زادت من التفاف الشعب مع جيشه، بعد أن تبين أن المستهدف هو الإنسان الليبي ومقدرات بلاده.
وأعرب عبد الله الثني،رئيس مجلس وزراء الحكومة الليبية،عن إدانته الشديدة للاستهداف المتكرر لقوافل المواد الطبية ,والغذائية و الوقود التي تبعثها الحكومة للقرى التابعة لها غرب ليبيا , من قبل الطيران التركي المسير.واستنكر الثني الهجوم على طائرة شحن في مطار ترهونة محملة بالمستلزمات الطبية لمكافحة تفشي "كورونا" خلال هبوطها على مدرج ترهونة ، حيث اكد الثني أن الشحنة كانت مخصصة لتجهيز عديد من المستشفيات في غرب البلاد.
ومن جهتها،دعت وزارة الخارجية بالحكومة الليبية المؤقتة، مجلس الأمن الدولي إلى فرض عقوبات على تركيا بعد استهداف طيران تابع لها مواقع مدنية ليبية.وقالت الوزارة، في بيان الأربعاء: إن "العدوان التركي استهدف اليوم صهاريج الوقود ومخازن السلع الأساسية والمواد الطبية في مدن الأصابعة وترهونة وبني وليد".
وأضاف البيان أن "هذا التحول في العدوان التركي وحكومة السراج يبرز بشاعته ووحشيته"، مطالبا مجلس الأمن بالوقوف بحزم لإيقافه؛ حماية للسكان المدنيين خاصة في ظل جائحة كورونا. وشدد البيان على أن مجلس الأمن هو المعني بحفظ السلم والأمن الدوليين، وهو المعني بالرد على الانتهاكات التي تقوم بها حكومة السراج وحليفها التركي.كما طالب مجلس الأمن بإدانة العدوان التركي إلى جانب "وقفه فورا، واستصدار عقوبات صارمة ضد تركيا وسحب الاعتراف من حكومة السراج غير الدستورية والمنتهية ولايتها".
أما الجيش الوطني الليبي فقد اتجه الى الرد ميدانيا على الانتهاكات التركية،حيث واصلت وحداته استهداف الطائرات المسيّرة التركية،على غرار اسقاط الدفاعات الجوية  مساء الخميس،طائرتين مسيرتين تركيتين من طراز "بيرقدار" بالقرب من قاعدة "الوطية" جنوب غرب طرابلس.بحسب ما أكد الجيش الليبي.


وقال الناطق الرسمي باسم قوات القيادة العامة الليبية، اللواء أحمد المسماري، في بيان منشور على صفحته بموقع "فيسبوك"، إن قوات الدفاع الجوي التابعة للقيادة العامة أسقطت طائرتين مسيرتين "الأولى أسقطت في أجواء قاعدة عقبة بن نافع الجوية، والثانية جنوب شرق العاصمة فوق محور عين زارة".
ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن الضابط في سرية الدفاع الجوي بقاعدة الوطية محمد التهامي، قوله أن "الطائرتين حاولتا الوصول إلى القاعدة، غير أن سرية الدفاع الجوي تعاملت معهما قبل أن تصلا لمحيط القاعدة".وأضاف التهامي، أن "الطائرتين أسقطتا قبل أن تصيبا أي هدف للجيش الليبي، سواء في محيط القاعدة أو داخلها".
وباتت الأراضي الليبية مسرحا لتجريب تركيا لطائراتها المسيرة على غرار طائرات مقاتلة جديدة من نوع "بيرقدار تي بي 2"،التي ترسلها أنقرة لضرب مواقع الجيش الليبي ومنع سيطرته على غرب ليبيا وترجيح كفة جماعات مسلحة تابعة لحكومة الوفاق، لكنها تلقت درسا قاسيا في ليبيا وإخفاقات، أين تتوالى الخسائر بإسقاط وتدمير هذه الطائرات بشكل مستمر.
وغالبا ما يقوم الجيش بتدمير الطائرات المسيّرة التركية، فور إقلاعها من القاعدة العسكرية بمعيتيقة في العاصمة طرابلس أو من مقراتها بالكلية الجوية بمصراتة وقبل الإغارة على مواقعه وتنفيذ هجماتها.ويشير مراقبون أن الجيش الليبي يواصل استنزاف القدرات العسكرية للمليشيات المسّلحة من طائرات مسيّرة ومدرعات تركية التي كشفت ضعفها ميدانيا.
فشل أكده القيادي البارز في مليشيات مصراتة، آمر سلاح المدفعية، فرج أخليل،الذي اعترف أت تركيا هي التي تسير العمليات العسكرية في طرابلس قائلا إن الطيران المسير التركي وحده هو المسؤول عن تنفيذ سلسلة من الضربات التي استهدفت مواقع غربي سرت وشرقي مصراتة.وتساءل أخليل، في بيان على صفحته بموقع "فيسبوك"، لماذا تحتفظ تركيا بتفاصيل الضربات التي تنفذها دون إطلاع أي من مسؤولي حكومة السراج، فمن يحدد لهم الأهداف؟ ومن يعطي الأوامر.
وكشف عن أن آمر غرفة العمليات المشتركة الخاصة أسامة الجويلي "ليست لديه أي تفاصيل عن هذه العمليات".وأوضح أنه خلال 10 أشهر من تكليفه لم يستطِع توجيه أي محاولة استهداف لقاعدة الوطية –التابعة للجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر- ولا يعرف إلا خزانة البنك المركزي.وشدد آمر سلاح المدفعية بمليشيات مصراتة على أن المخابرات التركية أصبحت تسير العملية العسكرية بالكامل لإدراكها "خيانة السراج ومستشاريه.
وكشف القيادي المليشياوي عن أن الأسلحة التي تم تسليمها للجويلي والذخيرة بيعت في السوق السوداء، وجولات التفتيش الميدانية في المحاور لم تعثر سوى على 1000 بدلة عسكرية مرتداة من أصل 6 آلاف بدلة سلمها لهم الأتراك.وأعلن أخليل تحديه لمخابرات السراج أن تكون لديها معلومات عن هذا الأمر، مشيرا إلى أن مستشار السراج ومبعوثه إلى الأتراك "عثمان الريشي" متهم بالخيانة والعمالة.


وتاتي هذه الاعترافات لتكشف عمق الخلافات والصراعات الداخلية بين المليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق وتركيا ضد الجيش الليبي في كل من مصراتة وطرابلس نتيجة للخسائر المتتالية التي يتلقونها وفقدان العديد من المناطق والمدن وأهمها سرت وزلطن والجميل ورقدالين ومناطق أخرى قريبة من الحدود التونسية.
وتمكن الجيش الليبي من فتح محاور جديدة شرقي مصراتة، والتي شهدت معارك طاحنة بين قوات الجيش الليبي والقوات الموالية الوفاق.وسبق أن أعلن الجيش الليبي مقتل نحو 1000 مرتزق سوري وأفريقي و50 عسكريا تركيا وإصابة وأسر آخرين منذ انطلاق عملية طوفان الكرامة لتحرير طرابلس من الإرهاب الرابع من أبريل/نيسان العام 2019.
ويشير اصرار تركيا على استخدام الطائرات المسيرة داخل ليبيا وقيادة الصراع الى مدى انخراط نظام أردوغان في دعم المليشيات المسلحة والعناصر المتطرفة ومسؤوليته عن دماء الكثير من الليبيين.وتؤكد المؤشرات على الأرض أن أردوغان في طريقه الى هزيمة أخرى على الأراضي الليبية حيث يتجه الجيش الليبي نجو اجتثاث الموالية لأنقرة من العاصمة الليبية واستعادة سلطة الدولة واعادة بنائها بما يضمن عدم التدخل الخارجي في شؤونها ونهب ثرواتها.