قد لا تبدو مشاركة الأمين العام للمؤتمر الشعبي دكتور «حسن الترابي» غريبة في ملتقى أم جرس الثاني بوصفه أحد القيادات الحزبية التي ظلت تدعو إلى وقف الحرب والاقتتال في دارفور وسبق أن وعد بحل المشكلة في وقت وجيز حال أبعدت السلطة نفسها عن المشكلة. الأمر الآخر أن «الترابي» تربطه علاقات قوية ببعض قادة الحركات المسلحة بل إن بعضهم كانوا أعضاء في المؤتمر الشعبي قبل أن يعلنوا انضمامهم للحركات المسلحة والانحياز لقضية أهلهم أمثال المرحوم دكتور «خليل إبراهيم» وآخرين توزعوا في الحركات المسلحة الأخرى.

وظل هؤلاء على اتصال بشيخهم حتى اعتبرت السلطة حركة (العدل والمساواة) الجناح العسكري للمؤتمر الشعبي رغم نفيه المتكرر لذلك.

في الناحية الأخرى كانت هناك قناعة لكثير من المراقبين مفادها أن صراع الإسلاميين كان سبباً في ظهور مشكلة دارفور ومنذئذٍ ظلت قياداتها تتحدث عن مشكلة تهميش المركز للأطراف، ولهذا السبب ظل هؤلاء يربطون بين الإسلاميين ومشكلة دارفور ويرون أن الحل يكمن في اقتناع هذه المجموعات بضرورة الجلوس والتفاوض من أجل السلام.

بالعودة لمشاركة «الترابي» في أم جرس الثانية، يمكن القول إن «الترابي» لم يشارك في كل الملتقيات التي عقدت داخل وخارج السودان بخصوص موضوع دارفور عدا مشاركته في مؤتمر أصحاب المصلحة الذي عقد بقطر بدعوة من أصحاب المصلحة، وربما كانت الدعوة حينها مدعومة من «الدوحة» الرسمية على ضوء العلاقة التي تربط بين «الترابي» ودولة قطر.

وجود «الترابي» في أم جرس أمس بدا موضوعياً لبعض القريبين من ملف دارفور الذين فهموا ما تم في إطار ما يدور الآن في الساحة من تقاربات بين السلطة وحزب المؤتمر الشعبي الذي بعث بدوره موفداً اتصل بالحركات المسلحة ونقل موافقتها المبدئية حسب ما صرح به مسؤول الأمانة الخارجية بالمؤتمر الشعبي «بشير آدم رحمة لـ(المجهر) في لقاء سابق، والسؤال هل ذهب «الترابي» إلى هناك في سياق إقناع الحركات المسلحة القريبة منه أم هناك أهداف أخرى؟

بروفيسور «حسن الساعوري» في إجابته على هذا السؤال أكد لـ(المجهر) متانة العلاقة التي تربط «الترابي» بقيادة حركة العدل والمساواة التي تنتمي لقبيلة الزغاوة، لكنه قال: (لا أدري إن كان صادقاً في إقناع هذه الحركة أم أن الموضوع للمناورة السياسية، فإذا كان لديه نفوذ عليهم- والحديث للساعوري- سيستجيبون للسلام وإذا كان غرض المشاركة غير ذلك فعندئذ ستصبح بمثابة مناورة إعلامية).

من ناحيته اعتبر مولانا «محمد بشارة دوسة» وزير العدل، رئيس الآلية العليا لملتقى أم جرس أن الملتقى الذي تنادى له كل أهل دارفور من القيادات المجتمعية والشعبية يمثل دافعاً قوياً لترسيخ السلام والاستقرار في دارفور، مبيناً أن الملتقى سيحمل البشريات لكل أهل السودان من خلال التوصيات التي ستخرج عنه، مشيراً إلى أن كل المشاركين في الملتقى تجردوا من انتماءاتهم الحزبية والجهوية والقبلية من أجل السلام والاستقرار في السودان بوجه عام ودارفور بصفة خاصة .

وأضاف «دوسة» أن الملتقى يحظى بدعم ومشاركة من كل القوى السياسية السودانية، لافتاً إلى مشاركة د. «حسن الترابى» الأمين العام للمؤتمر الشعبي واللواء (م) «فضل الله برمة» نائب رئيس حزب الأمة القومي .

وقال إن الملتقى يمثل إجماعاً من الأمة السودانية بضرورة الوصول إلى سلام دائم في دارفور، مبيناً أن الملتقى يدعم كل اتفاقيات سلام دارفور التي وقعتها حكومة السودان مع الحركات المسلحة حتى تتنزل محاور وبنود هذه الاتفاقيات إلى أرض الواقع .

غير أنه كان لافتاً عدم تحمس بعض عضوية المؤتمر الشعبي المحسوبة على أبناء دارفور لموضوع ملتقى أم جرس (2) والدليل على ذلك أنها لم ترافق الأمين العام للمؤتمر الشعبي في رحلته، بينما كان «إبراهيم السنوسي» من بين أفراد وفد الشعبي لأم جرس (2)، كما قال لنا رئيس كتلة (الشعبي) بالبرلمان وأحد قيادات (دارفور) «إسماعيل حسين» عندما سألناه عن مشاركة «الترابي» في أم جرس (2) قال: (أنا لا أعرف ما هو موضوع أم جرس لذلك لا أدري ماذا يدور وما شايف حاجة يشيلوها يودوها هناك خاصة أن المطروح الآن في الطاولة هنا هو الحوار الوطني الذي لا يستثني أحداً بجانب طرحه لكل مشاكل السودان).

وقد كان ملتقى أم جرس (1) الذي عُُقد في أكتوبر من العام الماضي مقتصراً على أبناء الزغاوة ووجد انتقاداً من مراقبين كثر نظروا إليه كتجمع لقبيلة الزغاوة؛ ولهذا السبب تمت دعوة القبائل الأخرى في أم جرس (2) في محاولة لتصحيح بعض الأخطاء التي صاحبت أم جرس (1)، إلا أن قادة الحركات المسلحة لم يشاركوا في هذا الملتقى. وأرجع بعض السياسيين عدم مشاركتهم إلى خلاف مع القيادة التشادية فحركة العدل والمساواة انقطعت علاقتها بانجمينا منذ أن أبعدت عن الأراضي التشادية. وقال أحدهم لـ(المجهر) إن آلية أم جرس (2) أرسلت وفوداً لحملة السلاح في كمبالا ونيروبي وأوروبا تمكنت من مقابلة رئيس حركة العدل والمساواة دكتور «جبريل إبراهيم» ورئيس حركة تحرير السودان «أركو مناوي» ولم يقابلوا حركة «عبد الواحد نور» والحركات الأخرى. ووفقاً لحديث المصدر فان الحركات التي التقت الوفود تحدثت عن أنها حركات قومية لذلك لا تريد أن تربط نفسها بملتقى كان محلاً لتجمع أبناء الزغاوة، كما طرحوا أسئلة على هذه الوفود لم يجدوا لها إجابات. واختتم إفادته بسؤال هل ملتقى أم جرس يعبر عن مرحلة جادة لتحقيق سلام حقيقي أم هو مهرجان احتفالي؟ وهل يحقق فائدة تضاهي التكاليف الباهظة التي صرفت لقيامه؟

وكان حضور «الترابي» للجلسة الختامية لملتقى أم جرس بمثابة مفاجئة لمعظم المتابعين وربما لبعض قيادات حزبه، حيث لم يصطحب أحداً من أبناء دارفور في حزبه، ووفقًا لما تم تداوله في وسائط الإعلام أن «الترابي» وصلته الدعوة من قبل الرئيس التشادي «إدريس دبي»، قدمها له القيادي بالمؤتمر الوطني «حسن برقو»، وقيل إن الرئيس التشادي أرسل طائرة خاصة للترابي والوفد المرافق له وبقية المشاركين. حضور «الترابي» فيه دعم للحكومتين السودانية والتشادية اللتين تريدان تحقيق أبعاد أمنية من خلال هذا الملتقى إذا كان فعلاً سيؤثر على موقف الحركات المسلحة. ورغم ذلك دعونا نسأل ماذا أراد «الترابي» من مشاركته رغم غياب قيادات الحركات المسلحة؟

قد تكون هناك ثمة اتفاقيات وقرارات سيتمخض عنها ملتقى أم جرس (2).

في السياق قدمت الدعوة لرئيس حزب الأمة القومي «الصادق المهدي» لحضور الجلسات الختامية لأم جرس (2) لكن الحزب عقد اجتماع مساء (الجمعة) وقرر إيفاد نائب رئيس الحزب «فضل الله برمة ناصر». وأرجع بعض المقربين من مواقع القرار بالحزب الخطوة إلى تقديرات سياسية تخص الإمام «الصادق» كذلك شارك في اليوم الختامي زعيم قبيلة المحاميد «موسى هلال» بدعوة من الرئيس التشادي «إدريس دبي» وربما تقود هذه المشاركة إلى تفاهمات بينه والحكومة.

الخاتمة:

ورغم تعويل حكومتا السودان وتشاد على مؤتمر (أم جرس) في ظل مقاطعة (الحركات) المتمردة، فإن الأمل مازال باقياً في تأثير قيادات أخرى شاركت بالملتقى لصالح دفع حركة السلام في دارفور.

 * صحيفة المجهر -  تقرير : فاطمة مبارك