تعيش الاوساط السياسية في تونس على وقع تطورات كبيرة مع عودة ملف "شبكات تسفير تونسيين إلى بؤر التوتر"، خصوصاً إلى سوريا وليبيا والعراق، إلى الواجهة من جديد.ويعتبر هذا الملف الأخطر على الإطلاق في تونس خلال العشرية الماضية،حيث شهدت البلاد حركة استقطاب كبيرة للشباب وتسفيرهم الى مناطق التوتر في العراق وسوريا وليبيا للالتحاق بالتنظيمات الارهابية.
عودة الملف الى الواجهة جاءت مع فتح القضاء التونسي الشهر الماضي تحقيقا في عمليات تسفير الشباب.تحقيق يبدو انه أكثر جدية هذه المرة،حيث طالت التحقيقات،قيادات رئيسية من حركة النهضة،ومسؤولين أمنيين،ووزراء سابقين،ورجال أعمال ، وسياسيين،منهم من ينتمي لحركة النهضة،أو مقربين منها.
ومثل راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة أمام الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب و الجرائم المنظمة الماسة بسلامة التراب الوطني بثكنة بوشوشة في تونس العاصمة،وقرّر حاكم التحقيق في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب بالعاصمة تونس،الأربعاء21 سبتمبر 2022، تأجيل الاستماع إلى الغنوشي في قضية "التسفير لبؤر التوتر" إلى 28 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، مع إبقائه في حالة سراح.
كما قرَّر تأجيل التحقيق مع نائب رئيس حركة النهضة علي العريض في قضية التسفير إلى 19 كانون الأول (ديسمبر) المقبل مع إبقائه في حالة سراح.فيما تم إيداع عدد من المتهمين البارزين في سجن الاحتياط، من بينهم وزير الشؤون الدينية الأسبق والقيادي في الحركة نور الدين الخادمي، وكوادر أمنية سابقة أبرزها فتحي البلدي وعبد الكريم العبيدي، وآمر سابق لمطار قرطاج الدولي.إضافةً إلى الاحتفاظ برجل الأعمال والنائب البرلماني السابق عن حركة النهضة محمد فريخة، الذي يمتلك شركة طيران خاصة، يشتبه في تورطها في تسهيل نقل تونسيين إلى مطارات قريبة من مناطق النزاع، والدفع بهم إلى الجماعات الإرهابية.
وبدأت التحقيقات في هذا الملف إثر شكوى تقدمت بها البرلمانية السابقة فاطمة المسدي،عن حركة "نداء تونس" وعضو لجنة التحقيق في شبكات التسفير في نفس البرلمان ،في ديسمبر/ كانون الأول 2021، إلى القضاء العسكري قبل أن يحولها إلى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب لوجود مدنيين بين المشتكى بحقهم.
حركة النهضة سارعت كعادتها الى النفي عن قياداتها تهمة الضلوع في تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر في سوريا وليبيا والعراق، وأكدت خلال مؤتمر صحافي عقدته الاثنين الماضي، في مقر الحركة بالعاصمة، أن الملف "يكتسي صبغة سياسية هدفها استهداف حركة النهضة وقياداتها من جانب خصومها اليساريين والقوميين، والسلطة القائمة، التي تسعى لإلهاء التونسيين عن مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة"، حسب تعبيرها.
النيابة العامة استأنفت من جانبها قرار قاضي التحقيق القاضي بالإبقاء على 39 متهمًا في حالة سراح،أبرزهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، ونائبه علي العريض.استئناف النيابة العامة، رفضته دائرة الاتهام المختصة في قضايا الإرهاب لدى محكمة الاستئناف بتونس،الخميس 13 أكتوبر الجاري، وقررت الإبقاء على المتهمين في ملف التسفير بحالة سراح،في جلستة تمت دون حضور المتهمين ولا الإعلام.
وأكد الناطق الرسمي باسم محكمة الاستئناف بتونس، الحبيب الترخاني،في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء (وات)،رفضت مطالب الإفراج عن متهمين إثنين في حالة إيقاف في علاقة بملف شبكات التسفير إلى بؤر التوتر.وأوضح الطرخاني،أن مطلبي الإفراج عن المتهمين الإثنين رفض أحدهما شكلا والآخر أصلا.
يعتبر ملف "التسفير"،أحد أخطر الملفات التي عرفها المشهد السياسي في تونس منذ العام 2011،حيث نشطت شبكات "التسفير" خلال السنوات الأولى غداة الحرب الأهلية في سوريا.وفي عام 2017 تشكلت في تونس لجنة برلمانية للتحقيق في الشبكات المتورطة بتجنيد وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر خارج البلاد التونسية للقيام بأعمال إرهابية.
وطالت الاتهامات بشكل مباشر حركة النهضة، بسبب تزعمها للمشهد السياسي بين عامي 2012 و2014،وهي الفترة التي شهدت التحاق الآلاف من الشباب التونسي ببؤر التوتر في الخارج.ويرجع الكثيرون الاتهامات بتورط الحركة الى شواهد عديدة ومنها تصريح القيادي في الحركة الحبيب اللوز الذي قال فيه: "لو كنت شاباً لتوجهت للجهاد في سوريا".
وعانت تونس خلال السنوات الماضية من هجمات ارهابية، أبرزها اعتداءين على المتحف الوطني ومنتجع سياحي في تونس.وقُتل في الاعتداءين اللذين أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مسؤوليته عنهما العام 2015 ، 59 سائحاً أجنبياً،وقال مسؤولون تونسيون إن المهاجمين تدربوا في ليبيا،كما قامت السلطات التونسية بتفكيك العشرات من الخلايا التي كانت تستعد لشن هجمات متفرقة داخل البلاد.