احتفل لبنان هذا الأسبوع بمرور مئة عام على تأسيسه، وهيمن رجل واحد على المشهد، من غرس شجرة أرز، الشعار الوطني للدولة، إلى زيارة مرفأ بيروت المدمر.

ولم يكن ذلك الرجل زعيماً لبنانياً قوياً أو شخصية محلية مشهورة. لكنه كان إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا، البلد الذي تخلص لبنان من نير حكمه الاستعماري منذ عقود.

وفي ذلك علامة على عمق أزمة لبنان وازدراء الكثير من اللبنانيين الآن لساستهم، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو دروز. وللمفارقة، لم تكن هناك دلائل تذكر على الشكوى من أن أجنبياً وزعيماً لقوة استعمارية سابقة قد احتل موقع الصدارة في حدث لبناني بامتياز.

قال ماكرون لمجموعة من المتظاهرين المناهضين للحكومة بعد أن زار يوم الاثنين المغنية الشهيرة فيروز (85 عاماً) التي تجاوزت موسيقاها الانقسامات الطائفية في لبنان "أعدكم.. لن أتخلى عنكم".

ويتهاوى الاقتصاد اللبناني بعد سنوات من الفساد الحكومي الواسع النطاق وتراجعت قيمة العملة المحلية بشدة ودمر الانفجار الضخم الذي وقع الشهر الماضي في مرفأ بيروت مساحات شاسعة من العاصمة.

ويئن اللبنانيون تحت وطأة ذلك كله. ولا يستطيع عدد متزايد من السكان إطعام أسرهم، بينما يخطط آخرون للهجرة أو غادروا البلاد بالفعل. أما كثير ممن يريدون البقاء أو ليس لديهم خيار آخر ففي حاجة ماسة لمن ينتشلهم من أزمتهم.

وعلى خلفية ذلك المشهد المعقد، ظهر ماكرون في زيارته الثانية في أقل من شهر.

وقال نبيل بومنصف نائب رئيس تحرير صحيفة النهار لرويترز "المشهد كان فرنسياً مئة بالمئة. ماكرون كان شاغل المشهد كله بشكل مش مسبوق لزيارة الزعماء الأجانب".

وأضاف "كان في محلات (أوقات) لاذعاً وحاداً مع الطبقة السياسية، يهدد بالعقوبات.. وهذه الطبقة لم تعترض إطلاقاً لأنها حاسة حالها مدانة وساقطة شرعياً".

وأعلنت فرنسا حدود لبنان الحديث عام 1920 بعد تقسيم استعماري مع بريطانيا قبل أن يحصل على استقلاله عام 1943.

لكن ذلك البلد، بخلافاته الطائفية العميقة، كان منذ فترة طويلة ملعباً سياسياً لقوى إقليمية ودولية يبدي زعماء الفصائل المحليون، وبعضهم لا يزال يتمتع بنفوذ سياسي، استعداداً تاماً لتلقي الدعم منها لخوض حروب بالوكالة أو تسوية نزاعاتهم المحلية.

وهذه المرة، اصطف الجميع حتى الساسة، الذين ربما كانوا في أوقات أكثر استقراراً سيخرجون بخطب غاضبة عن التدخل الأجنبي، للقاء ماكرون عندما طلب منهم إصلاح "النظام" بأسرع ما يمكن.

وخيرهم بين الإصلاح أو مواجهة العواقب، وربما العقوبات. ومثلما قال سياسي لبناني كبير لرويترز في اليوم التالي "قد ينجح الأمر" هذه المرة بعد تأجيلات عدة.

وأمس الثلاثاء، كانت طائرات سلاح الجو الفرنسي تحلق على ارتفاع منخفض، مخلفة دخاناً بألوان علم لبنان الأحمر والأبيض والأخضر، في حين كان الرئيس الفرنسي يقف في مرفأ بيروت وقد خلع سترته وشمر عن ساعديه وهو يبلغ لبنان بأنه لم يفقد الأمل وأن الوقت حان للقيام بمهمة التطهير.