كثيرة هي القصص والروايات المنسية في دفاتر الثورة الليبية الحافلة بالبطولات والحكايات ،وخاصة في بداياتها الاولى قبل ان تتحول الى حرب شاملة على نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي لتطيح به " بوابة افريقيا الاخبارية " وفي سعي الى انعاش الذاكرة الليبية سعت الى البحث عن اول ليبي رفع الاستقلال الليبي الذي تحول لاحقا الى ايقونة من ايقونات الثورة الليبية والى العلم الرسمي للدولة ، بحث طويل وانتظار ومراسلات مع الشاب الليبي انيس نوري البرغثي الذي انتبه مبكرا لعلم الاستقلال واختاره ليرفعه امام محكمة بنغازي في الايام الاولى للثورة ، في هذه المقابلة الخاصة يروي انيس البرغثي كيف روادته الفكرة وكيف تفاعل معها المحتجون على نظام القذافي في تلك الفترة .

س _ كيف كانت الاوضاع يومها أمام المحكمة ، وكيف جاءت فكرة رفع علم ؟
ج _ كان اليوم الثالث للثورة كانت الطرقات شبه خالية إلا من من قرروا الخروج على النظام اتذكر ان اعمدة الدخان كانت لتزال تتصاعد من مبنى الامن الداخلي  المحاذي للمحكمة بعد ان قام الشباب بحرقه كان الجميع يتصرف بارتجالية او (على الاقل) معظمهم ، كانت الفئة العمرية السائدة في المكان من الشباب  والقليل من كبار السن  كنا جميعنا متواجدين امام باب المحكمة ونهتف ضد النظام وكان التصوير بالهواتف المحمولة مستهجن خوفا من المندسين من الامن الداخلي و اعوان النظام ولم تكن الكتيبة قد سقطت بعد ، كانت هذه هي ألأوضاع باختصار ، اما عن فكرة رفع العلم  فقد راودتني في اليوم الثاني للثورة وقد كنت امام المحكمة ولم يكن هنالك اي شيء يرمز لهذه الثورة شيء نجتمع عليه ويميزنا عن النظام و اعوانه شيء يرانا به العالم مختلفين ففكرت في ان يكون لنا علمنا الخاص خاصتا ان  ( الراية  الخضراء ) كانت مكروهه في بنغازي خاصة و برقة عامة  وفي الكثير من مدن غرب و جنوب ليبيا الحبيبة

س _ كيف فكرت في علم الاستقلال تحديدا ؟
ج _ كانت فكرة علم الاستقلال نابعة من كوني كالكثيرين من الليبيين  كنت اعلم بأن القذافي كان  منقلبا على نظام شرعي له دستوره و علمه ونشيده  ولأنني كنت  متأثر بما كان يرويه لي والدي عن ما كانت عليه البلاد من ازدهار ورقي قبل  انقلاب القذافي فخطر ببالي علم الاستقلال  كونه يرمز لحقبة كان الليبيون  فيها احرارا ينعمون  بالحرية و ألأمن و الامان وكذلك  لكون علم الاستقلال كان يرمز لنظام كان يفخر القذافي و من معه بأنهم انقلبوا عليه باختصار كان علم يكرهه القذافي فأخرجت هاتفي وأنا واقف امام المحكمه وطلبت من اختي ان تقوم  بخياطة العلم .

 س _ كيف تفاعل الحاضرون مع رفعك للعلم وهل وجدت تعليقات .. من اي نوع ؟
ج _ كنت واقفا امام المحكمة برفقة صديقي عبد الوهاب الغزالي و كنت متوشحا  بالعلم  كنت اراقب نظرات الناس الي اسمع بعضهم يقول بابتسامة علم  الملك وآخرون يقولون علم  المملكة وآخرون يسألون عنه خاصة من صغار السن كان هناك  اعمدة حديدية تقابل باب المحكمة كان يتسلقها شباب لا تتجاوز اعمارهم  خمسة عشرعاما تقدمت انا وصديقي  باتجاه احدهم وطلبت منه ان يرفعه فوافق ورفعه غير انه رفعه مقلوبا وكان اللون الاخضر في الاعلى فسرعان ما طلبت منه  ان يعكسه وكان هناك رجل كبير في السن واقفا بجواري يطلب منه نفس الشيء وبمجرد ان رفع العلم ارتفعت اصوات الحاضرين بالتكبير و التصفيق  و جذب  اليه كبار السن كالمغناطيس وأصبحوا يرددون نشيد الاستقلال و يعيدونه  والدموع تنهمر من أعينهم وفي المرة الثالثه او الرابعة ردده الشباب معهم بعد ان حفضوا شيء منه كانت لحظات لا يمكنني ان انساها .

 س - هل خطر ببالك حينها انك تعيد التاريخ الى الوراء وان العلم سيتنشر ؟
ج _ كان التاريخ مهما بالنسبة لي وكان سبابا رئيسيا في اختياري للعلم كما اسلفت ولكنني لم افكر في كونه سينتشر  ام لا  رغم انني كنت ولسبب ما متأكدا بأن كل مواطن ليبي غير راضي على نظام القذافي وانقلابه سيفخر بهذا العلم ولما يمثله .

 س _ من من القيادات في الثورة حينها تبنى فكرة العلم ؟
ج_ لم يكن هنالك قيادات في ذلك الوقت على الاقل ليس بالمفهوم السائد اليوم كان كل شخص منا  يقوم بما يراه مناسبا كان  هنالك ارتجال بكل بما تعنيه الكلمة من معنى كان هناك اشخاص من كبار السن او من بعض المشايخ يحاولون  ان ينصحوا الشباب او يوجهوهم لكونهم اكثر خبرة لا اكثر  لكن الغريب ان العلم  لم يكن موضوع نقاش على الاطلاق وكأنه كان هناك اتفاق ضمني بين الناس عليه ، خرج وسرعان ما إنتشر وكأن لسان حاله يقول ها قد عدت لمكاني الطبيعي من جديد .

 س _ هل لديك فكرة عمن قام بخياطة الاعلام لاحقا ؟
ج _ لا ليس لدي فكرة عن ذلك ولكن الكثيرين قاموا بخياطتها إما في منازلهم او في ورش خياطة  او انهم اخرجوا اعلام قديمه كانوا يخبئونها في بيوتهم من فترة العهد الملكي وآخرون قاموا بصناعتها على شكل ملصقات اجتاحت واجهات المحلات و المباني وحتى السيارات ناهيك هن طلاء الاعمدة وأسوار المدارس .


 س - هل يمكن ان تخبرنا عن ورشات الخياطة وكيف كانت تعمل في تلك الظروف القاسية ؟
ج _ بكل صدق ليس لدي فكرة عن ذلك

 س _ هل تواصلت مع قيادات الثورة ؟
ج _  إن كان المقصود الثوار المدنيين المعتصمين في المحكمة فالجواب نعم انا كنت متواجدا بشكل يومي في محكمة شمال بنغازي وكنا نلتقي وكانت هناك اجتماعات وحوارات كان  هناك العديد من الشخصيات مثل الاستاذ عبد الحفيظ غوقا و المحامي مهدي كشبور و الشهيد عبد السلام المسماري و الدكتور غيث الفاخري  والكثيرين من الشباب وبعض الفتيات الذين اختفوا من المشهد واستبدلوا بآخرين بعد إعلان الاستقلال او بعد وضوح الصورة ودخول احزاب معينه على الخط  لأكون اكثرا دقة .

 س _ هل قدرت لك الحكومات المتعاقبة بعد الثورة هذا الدور ؟
ج _ لا انا لم اطلب ذلك وهم لم يفعلوا حتى الان ولست وحدي من تم تجاهله بعد نجاح الثورة .

 س _ كيف تشعر اليوم والعلم اصبح هو العلم الرسمي وفي كل مكان ؟
ج _ بلا شك اشعر بالفخر وقد عاد ليصبح العلم الرسمي مجددا احيانا ابتسم عندما اراه يرفرف على شرفة منزل او على مبنى حكومي او ان اكون واقفا على الطريق وتمر علي سيارة يعلقه صاحبها على احدى نافذاتها ولكنني ايضا احزن عندما ارى شخصا او مجموعة  تستغله لمأربها  ومصالحها الشخصية على حساب الوطن , اتمنى ان يكون هذا العلم  رمزا للرقي و الازدهار والسلام دائما .