اختار نضال السالمي اللاعب الشاب لنادي النجم الساحلي ومنتخب تونس لكرة القدم التخلي عن زي منتخب بلاده الأحمر والأبيض ليستبدله بزي آخر هو سترة واقية من الرصاص ورشاش كلاشنيكوف على الكتف وعلم "الجهاد" الاسود.

السالمي (21 عاما) تحول من ملاعب كرة القدم التي تميز فيها باندفاعه وروحه القتالية العالية إلى ساحات الوغى والقتال حين انضم الى جماعات تقاتل ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد.

خلف تحول السالمي -الذي يقول والده فتحي السالمي انه علم بمقتله في اكتوبر الماضي- من كرة القدم الى ساحات القتال صدمة كبرى خصوصا لدى أنصار ولاعبي فريقه الذي يحظى بشعبية واسعة في البلاد وخارجها لكن هذا أبعد ما يكون عن غير المألوف في تونس التي أصبحت توفر أكبر عدد من المقاتلين في صفوف التنظيمات الإسلامية المتشددة في سوريا والعراق مثل تنظيم "الدولة الاسلامية".

ووفقا لتقديرات حكومية فإن حوالي ثلاثة آلاف تونسي يقاتلون في صفوف "تنظيم الدولة" وتشكيلات أخرى على علاقة بالقاعدة في الحرب الأهلية في سوريا تضم أيضا مقاتلين من آسيا وأوروبا وأفريقيا تماما مثلما حصل سابقا في أفغانساتان والعراق.

ولكن سقوط نجم كرة قدم صاعد كان بامكانه أن يحترف اللعب في أوروبا وينحدر من عائلة ثرية وفرت له كل شيء بما في ذلك سيارة فاخرة طراز (بي.ام.دبليو) في مستنقع القتال الضاري في سوريا يظهر مدى سيطرة موجة الانجذاب "للجهاد" على عقول شبان في تونس وشمال افريقيا عموما. ويقول المدرب سامي المصلي الذي درب السالمي في صفوف شبان النجم الساحلي "نضال تغير في وقت صغير لم يتجاوز بضعة اشهر.. تغير في عشية وضحاها... حقيقة لا أدري ما حصل بالضبط لكن الظاهرة خطيرة للغاية.. كثيرون على نفس الطريق."

فموجة الجهاديين واحتمال عودة المقاتلين المخضرمين الى البلاد تؤرق تونس البلد الصغير الواقع في شمال افريقيا والذي يتجه نحو اكمال آخر مراحل الانتقال الديمقراطي بعد ثورة 2011 التي انهت حكم زين العابدين بن علي.

ولطالما شارك ابناء شمال افريقيا ومن بينهم التونسيون في حروب خارجية من الشيشان الى العراق. ولاتزال السجون العراقية تضم عددا غير قليل من التونسيين الذين قاتلوا هناك. وابو عياض وهو زعيم تنظيم أنصار الشريعة المحلي شارك في القتال في أفغانستان.

ولكن الازمة الان بصدد التشعب والتعقد في تونس ولا تخلوا اخبار الصحف اليومية والمواقع الالكترونية في البلاد من الاعلان عن وفاة تونسيين يقاتلون في سوريا من أجل ما يعتقدون أنه قضية عادلة يتركون لأجلها أمهاتهم وزوجاتهم وأحيانا ابناءهم يواجهون مصيرا مجهولا.

ومن بين عدة حالات تحدثت عائلاتهم لرويترز فان غالبية المقاتلين التونسيين اما طلبة او عاطلون او من طبقات متوسطة لا مشاكل مادية لديهم او من مناطق نائية ولكن نقطة الالتقاء بينهم هي إحساسهم بالتهميش وسقوطهم فريسة سهلة بين ايدي شبكات متشددة تستقطبهم وتستغل تربة خصبة هي الحرية التي أتاحتها الثورة منذ أربع سنوات.

وتلقي كثير من العائلات اللوم بدرجة اولى على الحكومة التي قادتها حركة النهضة الاسلامية وتتهمها بالتقصير والتخاذل مع المتشددين الاسلاميين الذين برزوا بشكل أكبر وسيطروا على مئات المساجد والمراكز الدينية في البلاد لنشر خطابت متشددة بعد الثورة.

ولكن النهضة دافعت عن نفسها كثيرا وقالت ان حكومتها تصدت للجماعات الجهادية وشنت حربا ضدها وتدلل على ذلك بان حكومتها صنفت انصار الشريعة تنظيما ارهابيا.

ويقول محمد اقبال بن رجب رئيس جميعة انقاذ التونسيين العالقين بالخارج لرويترز "الامر لا يتعلق بالمال وباليأس.

وتسعى المنظمة التي يرأسها بن رجب الذي سافر شقيقه لسوريا العام الماضي ثم عاد بعد حملة للمنظمة في وسائل الاعلام الى مساعدة كل العائلات على استرجاع ابنائها العالقين في مناطق القتال من بينها سوريا والعراق.

ولكن العجيب ان محافظة سوسة هي واحدة من اكثر المناطق التي ينحدر منها جهاديون يسافرون الى سوريا وفقا لمنظمات وشهادات العديد من العائلات.

ووفقا لمدرب السالمي وبعض اللاعبين من أصدقائه فهو منذ طفولته فرد عادي يمزح كثيرا ومثل كل الشبان يقضي الوقت مع اصدقائه في لعب الورق او السهر ومحادثة الفتيات.

ويقولون أن علامات التشدد لم تكن ظاهرة عليه خصوصا ان الرياضة كانت كل حياته وكان لاعبا موهوبا يحلم بمواصلة التألق في منتخب بلاده وفريقه النجم الساحلي وهو فريق اشتهر بأنه بوابة لانتقال المواهب التونسية والافريقية للاحتراف في نوادي اوروبية عريقة.

لاعبو فريقه ممن تحدثت اليهم رويترز قالوا انه بدأ يتغير نهاية العام الماضي عندما أطلق لحيته وأصبح يتفادى الخوض في النقاش او المزاح معهم في الملعب او خارجه وأصبح يقضي كثيرا من وقته مع متشددين اسلاميين في مسجد بالحي الذي يسكنه في منطقة سهلول في سوسة.

وتكشف صفحته على الفسيبوك خريطة التحول الذي سار فيه ففي سبتمبر 2013 بث صورة وهو يلهو في منطقة للالعاب المائية بينما في فبراير 2014 تظهر صورة علم الجهاد الاسود واخرى يلبس فيها زيا قتاليا ويحمل رشاشا. وكان قليل التحدث مع اصدقائه عبر الانترنت من سوريا.

وقال شهاب الحاج فرج لاعب النجم وصديق السالمي لرويترز "يقول لي باستمرار انه سيبقى هناك وانه بخير وكلما ألححت عليه بالعودة يخبرني بأننا سنلتقي في الجنة ان شاء الله."

وفي بيت العائلة في سوسة يحاول والده ان يروي ما جرى لابنه ويبدو مشدود الوجه لا يغادر الحزن محياه الا عندما ينظر الى صورة ابنه وهو يرتدي زي النجم وزي منتخب تونس للشبان.

ويقول فتحي ان ابنه لم يكن ينقصه أي شيء فهو يتنقل بسيارة بي. ام.دبليو وله بيته الخاص ويملك أحدث الاحذية الرياضية من اوروبا.

ولكن رغم صدمته وحزنه الا انه يعتقد ان ابنه ذهب للقتال من أجل قضية عادلة بعد ان استشاط غضبا في كل مرة يشاهد فيها فيديوهات تظهر قوات الأسد وهي تتعامل مع من يقف في طريقها.

وتقول الحكومة التونسية من جهتها انها تسعى لانهاء نفوذ المتشددين وانها استعادت السيطرة على مئات المساجد كانت تحت سطوة جماعات سلفية.

واعتقلت السلطات منذ بداية 2014 اكثر من 1500 متشدد من بينهم مئات المقاتلين العائدين من سوريا.

وقال رئيس الوزراء مهدي جمعة لرويترز في وقت سابق "المساجد يجب ان تبقى مكانا للعبادة وليس لبث الخطابات التحريضية على العنف والارهاب."

وتقول وزارة الشؤون الدينية انه بعد حملات أمنية وقضائية فانها تمكنت من استرجاع أغلب المساجد باستثناء حوالي 20 مازالت تحت سيطرة متشددين.

ويقول السلفيون انهم اصبحوا مستهدفين بشكل غير عادل وغير مبرر في أغلب الاوقات. لكن وزارة الداخلية قالت ان هذه المساجد استعملت لاخفاء أسلحة وبث خطابات التحريض والعنف.

ويقول بعض الاسلاميين المحافظين ممن ينفون أي علاقة بالجهاديين ان حرياتهم الدينية أصبحت مقيدة ومهددة اصلا في ظل حملات استهداف قالوا انها تشمل كل المتدينين.

والشهر الماضي قتلت الشرطة ستة اسلاميين من بينهم خمسة نساء اثناء تبادل لاطلاق نار بالعاصمة تونس في حادث أثار غضب مقاتلين اسلاميين سارعوا بالرد وقتل خمسة جنود في كمين استهدف حافلة عسكرية بالكاف قرب الحدود الجزائرية.

وفي فيديو بث هذا الشهر تعهد اسلاميون تونسيون يقاتلون ضمن ما يعرف "بتنظيم الدولة" في سوريا بالثأر لمقتل نساء من خلية.

*نقلا عن العرب اللندنية