بعد غياب عن المشهد الإعلامي لعدة سنوات، عاد موسى إبراهيم آخر متحدث رسمي باسم الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، من جديد للظهور الإعلامي للحديث عن الشأن الليبي، والأحداث التي تعيشها ليبيا وما آلت إليه الأمور بعد ثمان سنوات من إسقاط النظام جراء التدخل العسكري من قبل حلف الناتو.

بوابة افريقيا الإخبارية التقت إبراهيم، الذي تحدث عن عدة موضوعات وملفات، تمحورت حول الوضع في ليبيا وآفاق الحل، ودور إنصار النظام الجماهيري في إنقاذ البلاد، فكان معه هذا الحوار:

خرجتم للإعلام العالمي بعد غياب سنوات، ما الجديد؟ 

لقد كرست وقتي وجهدي منذ أواخر سنة 2011، مع رفاقي القيادات السياسية والعسكرية، لتنظيم العمل الوطني، ورص الصفوف، وتحديد مبادئ المقاومة وآلياتها، والتواصل مع التيارات الوطنية الأخرى، من أجل هزيمة المشروع الغربي وآثاره المحلية في بلادنا.

 ولكن بعد 8 سنوات لم ننجز حتى الأركان الرئيسية التي يقوم عليها العمل الوطني، وتفرقنا شيعاً وأحزاباً، وصار التشرذم والخلاف هو عنوان المرحلة، بينما البلد تغرق في غوط الباطل، باطل المؤامرة الخارجية وأتباعها في المشهد الداخلي. هذا إخفاق نحن جميعاً مسؤولون عنه أمام أنفسنا، وأمام شعبنا. 

ما هي أسباب هذا الإخفاق الذي تشيرون إليه، لماذا لا يتفق أنصار النظام الجماهيري أو يحققوا تحالفاً وطنياً عاماً مع قوى محلية أخرى حسب تحليلكم؟ 

هناك أسباب بنيوية متعلقة بطبيعة التركيبة العميقة للجبهة الثورية الخضراء، وهناك أسباب مرحلية مرتبطة بظروف المرحلة التاريخية التي نمر بها الآن. 

الأسباب البنيوية تتمثل في ضعف الجانب الفكري الذي تم خلخلته أو إهماله في سنوات ما قبل النكبة، وتصدع التنظيم الثوري الذي حمل لواء هذا الفكر ودافع عنه في سياق ما بعد لوكيربي، وتغول النزعات الشخصية والقبلية والجهوية داخل المنظومة الوطنية، وانحسار القدرة الثورية على بناء التحالفات الداخلية والخارجية الداعمة لمبادئ المقاومة والعدالة والتنمية. 

أما العوامل المرحلية الحالية فترتبط بالظروف القاهرة التي نتجت عن الملاحقة الدولية للقيادات السياسية قانونياً وسياسياً وأمنياً، وتشتت المجموعات السياسية الفاعلة في الدواخل والمهاجر، وضعف القدرة المادية اللازمة للعمل، واعتماد البعض على العمل الفردي والشللي بدل الجماعي، والانحياز لخيارات مرحلية غير ناجزة بدل الخيار الاستراتيجي الأكبر المتمثل في المقاومة الخضراء الموحدة تنظيماً وقيادة. 

يظل سؤال القيادة والتنظيم مؤرقاً لكم، كيف تقترحون على أنصاركم حل هذه المعضلة؟

 القيادة ليست شرطاً مسبقاً بل هي إفراز طبيعي ضمن أركان العمل الوطني السبعة... 

ماهي هذه الأركان السبعة حسب رؤيتكم؟ 

التنظيم السياسي الواحد، والميثاق الداخلي الأخضر الذي يحدد المبادئ والأهداف والآليات لهذا التنظيم، والإدارة التخصصية الجماعية لكل ميادين العمل والمقاومة، والقيادة العليا الجامعة، والمشروع الوطني السياسي والاقتصادي المكتوب لكل الليبيين والليبيات، والممارسة السياسية اليومية الملتزمة بالميثاق الأخضر والمشروع الوطني، وأخيراً المراجعة النقدية الفكرية والتطبيقية المستمرة لمسار العمل والإنجاز. 

أي محاولة، أو تنظيم، أو قيادة، تخرج عن هذه الأركان السبعة محكوم عليها تاريخياً بالإخفاق التام، ويتحمل من يفعل هذا المسؤولية الأخلاقية المترتبة على ذلك.

أليس هذا تنظيراً زائداً في وقت يحتاج فيه البلد إلى العمل السريع لإنقاذه؟ 

العمل الذي لا يؤسس على الفكر السليم، والتخطيط الواعي، والنقد الذاتي، هو جهد خاسر وأعمار تضيع في الهباء. هناك مثل يقول: ما فائدة الجري بأقصى سرعة إذا كنت تسير في الاتجاه الخطأ؟ 

يعتقد بعض الخضر أن الحل يكمن في الالتفاف حول شخصية قيادية محددة، ويؤمن آخرون بالانضمام إلى مشروع وطني موجود على الأرض مثل القوات المسلحة، بينما آخرون يلجؤون للعمل القبلي أو المحلي، كيف تقيمون هذه الخيارات؟

كعمل تكتيكي يمكن القبول ببعض جوانب هذه الخيارات، ولكن من الناحية الاستراتيجية التاريخية الكبرى فإنها خيارات محدودة، ومرتبكة، وغير منتجة للواقع التحرري الشامل الذي نسعى إليه. 

إن مشكلة ليبيا هي في المشروع الامبريالي الغربي، وآثاره المحلية، ولا يمكن بالتالي تفتيت هذا المشروع إلا بإرادة جماعية، وتنظيم شامل، وميثاق ومشروع متكاملين، وقيادة تتخذ مكانها ضمن هذا النسيج العضوي الفعال. 

هل تعتقد أن الخضر يملكون هذه الرؤية؟ ألم يتجاوزهم التاريخ وأصبحت أفكارهم ونظرياتهم تنتمي إلى زمن سابق ومرحلة انتهت؟ 

على العكس تماماً، لقد أثبتت الأحداث المتوالية منذ 2011 أن الليبيين الخضر يملكون قوتين فكريتين لا يملكها أحد غيرهم: القوة التحليلية، والقوة التنبؤية. 

تحليلياً هم من فهم المؤامرة وفسرها تفسيراً عميقاً منذ لحظتها الأولى وبالتالي هم من اتخذ الموقف الصحيح من التاريخ. 

وتنبؤياً، هم من استطاع، وبناء على قوة التحليل، توقع الحالة الليبية بشكل ثاقب ولسنوات متقدمة في المستقبل. أي دارس لفلسفة العلوم سيخبرك أن من يملك القوتين التحليلية والتنبؤية يملك ناصية الحقيقة، وهذا يمكنه من تغيير الواقع إذا ما أضاف إلى المعادلة: العمل المثابر، والتنظيم، والنقد الذاتي. 

أما التيارات السياسية الأخرى، بما فيها من يوصف بالوطنية، فإنها تقع جميعاً في نفس الفخ التاريخي: عجزها عن فهم الطبيعة الدولية الإمبريالية للصراع في ليبيا، وبالتالي عجزها عن مواجهة جذور هذا الصراع واكتفاؤها بالتعامل مع عوارضه الظاهرة على السطح.

تمر قريباً ذكرى اغتيال الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وأنت كنت المتحدث الرسمي باسم نظامه الذي وصفه المجتمع الدولي بالقمعي، وهاجمته الآلة الإعلامية العالمية، وتخلى عنه أقرب مناصريه، وثارت ضده مجموعات سكانية في بلده، كيف تنظر إلى دورك في الأزمة الليبية وهل لديك وقفة صادقة مع نفسك تقر فيها بأخطائك أو خياراتك السياسية؟

لقد قمت بواجبي السياسي والأخلاقي على الوجه الذي مكنتني منه قدراتي الشخصية المحدودة، ونجحت وأخفقت حسب المرحلة والظروف والعزم الذاتي. 

ولقد تشرفت برفقة أطهر وأنبل الشخصيات الوطنية الصادقة، شيبة وشباباً، رجالاً ونساء، وتعلمت الكثير من رفاق المعارك الأبطال في جبهات طرابلس وترهونة وبني وليد، وما زلت أتعلم في مدرسة الأحرار الذين لم يتوقفوا عن النضال الميداني والسياسي. 

وكل ما قمت وأقوم به لا يساوي شيئاً أمام شجاعة وتضحية أبطال مثل هشام الشوشان، أو حمزة معرف، أو نادية العتري.... وغيرهم.

 أما مواجهتنا الإعلامية فقد كانت ومازالت ضد الآلة الإعلامية الضخمة التابعة للنظام الإمبريالي العالمي وهوامشه الإقليمية، وضد الوعي المزيف الذي صنعته هذه الآلة ضمن السياق المادي الاستلابي للإنسان تحت ضغط اقتصاديات الجشع والنهب الرأسمالي، وضد مشاريع الاستسلام والخضوع الديني أو الليبرالي أو اليساري-المزيف. 

أما معمر القذافي فهو ليس جسداً عابراً يخترقه رصاص الجبناء، بل هو فكر تحرري ليبي أصيل، ومجد عربي إفريقي خالد، ورؤية إنسانية ثاقبة، وأنصار بالملايين. 

إن معمر سينهض من بين ركام الأحزان متجسداً في الحب الذي يسكن القلوب، والحلم الذي تلهج به الضمائر، والفتح الذي ستنهض به ليبيا وينتصر الليبيون. 

حديثكم يشي بعقائدية قد يراها البعض متطرفة، هل ليبيا هي لكم أنتم فقط أنصار النظام الجماهيري؟ 

ليبيا لكل الليبيين والليبيات دون إقصاء سياسي أو اجتماعي أو حزبي، والجميع له الحق أن يقدم رؤيته للحل وكيفية إدارة البلد وموارده وسياساته، مادام هذا يتم من منطلق وطني تحرري مستقل عن المشروع الأجنبي. 

ولكنني أؤمن أننا نحن أنصار الجماهيرية الوحيدون الذين يملكون الرؤية التاريخية الثاقبة، والبديل المستقبلي الحقيقي، والمصداقية النضالية، والزخم السكاني لإنقاذ ليبيا من غوط الباطل.

 ويقع بالتالي علينا واجب القيادة، والتضحية، والصمود ضد المشروع الغربي القاتل وآثاره المحلية المدمرة، وأرجو صادقاً أن يتم هذا بالتحالف الاستراتيجي مع تيارات وطنية ليبية أخرى تستوعب المؤامرة وتلتحم بالفكر المقاوم وتنهض معاً من أجل ليبيا الوطن وليبيا الإنسان.