"يرقص الطوارقي إذا فرح، وأيضا إذا غضب وحزن، بل ويعتقد أن الرقص يعالج المريض أيضا"، هكذا قال "أبا" أحد شباب الطوارق في منطقة "غات" الواقعة في الصحراء الليبية الغربية على مشارف الحدود الليبية الجزائرية.

والطوارق (أمازيغ الصحراء)، يلقبون أحيانا بـالرجال الزرق، هم شعب من الرحّل والمستقرين من شعوب الأمازيغ، يعيش في الصحراء الكبرى بأفريقيا خاصة في صحراء الجزائر، ومالي، والنيجر وليبيا وبوركينا فاسو.والطوارق مسلمون سنيون مالكيون مع خلط من العقائد الأفريقية، ولهم نفس هوية سكان شمال أفريقيا، ويتحدثون اللغة الأمازيغية بلهجاتها التماجقية، والتماشقية، والتماهقية.

وخلال السنوات الأخيرة برز للطوارق وجه آخر تمثل فى عدد من الفرق الموسيقية التى تجوب دول العالم للتعريف بشعوب الطوارق، أو كما يطلق عليهم "الوجه الآخر للصحراء".وتخطى دور هذه الفرق الحدود، لتصبح سفيرا للطوارق في العالم، تجوب مهرجانات الموسيقى العالمية، لتعرف العالم بثقافاتهم وقضاياهم.

وتمثل فرق مثل "الرمال" و"تيناريوين"، وغيرهما من فرق موسيقى الطوارق، الوجه الآخر للصحراء، لتضيف إليها معاني أخرى مليئة بالمشاعر، والأحاسيس، ولا تقف بها عند الموت، والعطش، فقط كما يتصور البعض عن الصحراء.وكلمة "تيناريوين" مشتقة من اللغة الطوارقية، وتعني "صحارى"، وتنعكس صورة الصحراء في الكثير من أغاني الفرقة، وتنساب ألحان طوارقية قديمة ساحرة مع أنغام موسيقى الروك من الغيتار الكهربائي.وهم مجموعة من الشباب يغنون للحياة، والمنفى، وثورة شعبهم في الصحراء، وتأسست فرقة التيناريوين (روك الصحراء)، في ظل حركة الطوارق الثورية، في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، في مخيم عسكري في الصحراء الليبية.ومنذ التوقيع على معاهدة السلام مع حكومتي مالي (في عام 1992) ونيجيريا (في عام 1995)، استبدل مقاتلو الطوارق أسلحتهم بالغيتار نهائياً.

وتحولت "امزاد موسيقى"، من آلة وترية تشبه العود إلى موسيقى اعتمدتها اليونيسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)، موروثا عالميا، وهي موسيقى طوارقية، قال عنها أوفنايت أونن - مؤرخ طوارقي – لوكالة الأناضول: "امزاد موسيقى" اختصت بها نساء الطوارق تعزفها في الظلام، ويحرم بحسب تقاليدنا على الرجال عزفها".وعن سبب اختصاصها بالنساء قال: "تاريخنا يقول إن حروبا نشبت بين قبائلنا، فجلست نساؤنا في المنتصف تعزف الامزاد، وتتغنى بألحان تذم الدماء، والقتل، فترك الرجال سلاحهم، ولجأوا إلى السلام".

وبحسب أوفنايت أونن "فهي موسيقى لا تزال منتشرة جنوب الجزائر، وفي ليبيا، محتفظة بايقاعاتها الأصلية الداعية للحب والوئام، وهي من خصوصيات طوارق ليبيا".وأضاف أوفنايت "تنسب هذه الموسيقى لجبل تيندي بمدينة أوباري الليبية، حيث كانت تدق من أعاليه طبول الحرب عند الغزوات، وتسمى ذلك الطبل باسم الجبل، ثم توسع ليضاف إليه ألحان وكلمات، تعتز بأصول الطوارق، وضرورة استمرار إرثهم، ولكن الطبل هو أساس هذه الموسيقى".

وعن الرقصات يقول أوفنايت "الرقصات تؤدي أدوارا اجتماعية أيضا، فرقصة "تاهيقيلت" تغني عن العزوبية للشباب والفتيات حيث تختار فيها الفتاة من تريد الاقتران به زوجا، كما أن الالتحام بالطبيعة له دوره، فرقصة (آلرون) استوحتها نساء الطوارق من نبات صحراوي بهذا الاسم، يتمايل بشكل مميز تقلده المرأة برقصتها.وبرأى أوفنايت فإن الرقص يعبر أيضا عن الطبقية في المجتمع، فيمكن التعرف على انتماء أي شخص لطبقته الاجتماعية من رقصته، فــ "رقصة (تملوكوت)، و(السببي با)، هي رقصات للعبيد والصناع وهم أدنى الطبقات".

أما فرقة (تيندي)، التي كونها شباب ليبيون في أوباري (مدينة في وادي الحياة جنوبي ليبيا)، فاشتهرت بعد أن حضر عروضها الرئيس الراحل العقيد معمر القذافي، إثر تغنيها بأغاني تطالب بدولة طوارقية، وبحسب قول وليد، وهو أحد شباب هذه الموسيقى للأناضول "فإن هذه الموسيقى تحولت إلى وسيلة تطالب بحقنا في التواجد على أرضنا".

وبعد أن تحولت "تيندي" إلى موسيقى عالمية، أصبحت تسجل حضورا في محافل عالمية آخرها مشاركتها في افتتاح مونديال كرة القدم في جنوب أفريقيا عام 2010.ويبدو أن "تيندي" لا تزال تجد صعوبات في غزو مجتمعات الطوارق، ففي أوباري، وغات، كبرى مدن الطوارق جنوب ليبيا، ترتفع أصوات موسيقى الطوارق، من خلال محلات بيع الاسطوانات، والتسجيلات كما أن شباب المدينة يحاولون شرح كلمات أغانيهم باعتزاز وزهو