"لا يضيمنا أن نكون في صف المعارضة...والنهضة منفتحة على التحالف وحتى الاندماج مع أي طرف وفق هذه الشروط...عهد الزعيم المنقذ ولى وانتهى...هناك تجاوزات في الحملة الانتخابية الرئاسية والتهديد بحمامات الدم غير لائق...موقف الجبالي حول عدم دعم رئيس من الحزب الأغلبي لايمثل الحركة ولن نوظف مقراتنا من أجل دعم أي مترشح...نخشى تغول نداء تونس لأنه يمكن أن يعيد ممارسات الاستبداد...ودوائر مؤثرة في النداء بعيدة عن الديمقراطية...سنهنئ الباجي قايد السبسي إن فاز في الانتخابات الرئاسية وسنتعامل معه كرئيس للجمهورية... وهذه هي الوصفة السحرية للقضاء على الإرهاب..."

هذا بعض مما جاء على لسان نائب رئيس حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي في حوار لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" تطرق خلاله إلى أهم القضايا  التي تهم حزبه وأخرى تهم الشأن السياسي العام بالبلاد في زواياه و جوانبه المتعددة في المرحلة الحالية و المقبلة.

وفي ما يلي نص الحوار.

ما تعليقكم على فحوى البيان الصادر عن حمادي الجبالي الذي دعا فيه إلى عدم انتخاب رئيس جمهورية من حزب أغلبي؟ وهل يعبر هذا البيان عن موقف الحركة؟

مواقف النهضة الرسمية لا تصدر الإ عنها وعن مؤسساتها أي عبر مجلس الشورى.  ومجلس الشورى أصدر بيانه بخصوص موقف الحركة من الانتخابات الرئاسية. مواقف العناصر القيادية في النهضة تتضمن في بعض الأحيان بصمة شخصية. أما في ما يتعلق بالرئاسة، فموقف النهضة تدرج وتراكم وتوضح منذ فترة ونحن قلنا إن النهضة معنية بالرئاسة وقلنا إن  البلاد في حاجة إلى رئيس بعيد عن التجاذبات وفي حاجة إلى رئيس توافقي وإن مؤسسات الدولة في حاجة إلى توزان وتشاركية. كما قلنا إننا لن نقدم مرشحا من داخلنا لأن البلاد في وضع ديمقراطي هش والبعض يخاف  من التغول والهيمنة.

حاليا لم نصل بعد إلى إرساء ديمقراطية مستقرة دون هيمنة، لأن رئيس البلاد المقبل يجب أن يكون مؤتمنا على المسار الانتقالي ولديه قابلية لتكريس التعايش بين مختلف القوى السياسية. وبناء على ذلك فنحن قلنا بأننا لسنا مع تزكية مترشح معين أو رفض مترشح معين وتركنا الخيار لأبناء الحركة في دعم من يريدون.

ولكن موقف الجبالي كان واضحا وفهم بأنه اصطفاف للحركة وراء مترشح بعينه وهو منصف المرزوقي،  فهل من توضيح؟

موقف الجبالي لا يعبر عن موقف الحركة.

يؤكد متابعون أن النهضة بإعلان عدم دعمها لأي مترشح رئاسي، هي في الحقيقة تدعم  المرزوقي خلسة بمعنى " الدعم تحت الطاولة"، بماذا تردون؟

حركة النهضة تدعم رؤية ومواصفات يجب أن تتوفر في رئيس الجمهورية المقبل. النهضة لم تعط ولن تعطي تعليمات تحت الطاولة للاصطفاف خلف مترشح بعينه. نحن مع رؤية ومواصفات.

وهل هذه المواصفات التي تتحدثون عنها متوفرة في الرئيس المنتهية ولايته، في رأيكم؟

أبناء الحركة  هم من يقيمون من يريدون دعمه في الدور الثاني.  قد يكون المرزوقي أو نجيب الشابي أو مصطفى بن جعفر أو حمودة بن سلامة أو عبد الرزاق الكيلاني أو غيرهم. نحن لم نعط تعليمات لأبناء النهضة في هذا الغرض كما قلت لك وطلبنا من هياكلنا الجهوية والمحلية عدم توظيف مقراتنا لدعم أي مترشح.

وبالنسبة لسليم الرياحي وإمكانية دعمه رئاسيا في حال بلغ الدور الثاني؟ و هل يبقى التحالف مع حزبه في كتلة برلمانية موحدة واردا بدوره؟

نحن لا ندعم أي مرشح بعينه. وبالنسبة للبرلمان، نحن منفتحون  على التنسيق والتحالف وحتى الاندماج مع أي طرف بشرط التشارك في البرنامج والرؤية.

في نظركم، ماهي مواصفات الرئيس المنقذ أو الذي بإمكانه حماية البلاد وكيان الدولة من كل المخاطر التي تهددها؟

لا أعرف هل سيكون الرئيس المقبل منقذا أم لا. ولكن من سيتقدم بنا في مسارنا الانتقالي هو الشعب التونسي وتوازن مؤسسات الدولة وعدالتها. لقد انتهى عهد الزعيم المنقذ بعد الثورة  والأهم هو توفر الرؤية للمرحلة المقبلة.

كيف تقيمون الحملة الانتخابية الرئاسية وما رافقها من ظواهر العنف والتهديدات الصادرة من أنصار المرزوقي حول إدخال البلاد في حمامات دم في حال فاز السبسي، وكذلك تلك التي طالت عدد من المترشحين ؟

تونس تعيش مرحلة تعلم للديمقراطية ودربة عليها. لاحظنا وجود تلاسن وتجاوزات وخطاب سياسي حاد يهدد الانسجام المجتمعي والوحدة الوطنية. النهضة دعت في بيان لها المترشحين للانتخابات الرئاسية إلى الحفاظ على الهدوء والتوازن، لأن الحملة الانتخابية ستنتهي قريبا والمجتمع التونسي سيبقى.  نحن مع التنافسية. ولكن، و حتى لا تبقى جراح غائرة في الجسد المجتمعي التونسي، نحن ندعو المترشحين إلى الابتعاد عن التلاسن والتناحر وتهديد النسيج المجتمعي لتونس لأن أكبر ثروة لنا هي تجانسنا و ووحدتنا الوطنية وأمننا القومي.  كما ندعو  الجميع بما في ذلك الإعلام إلى الابتعاد عن الإثارة.

قد تكون هناك تجاوزات في مضمون الحملة الانتخابية. وإن تحدثنا عن التجاوزات يجب أن نتحدث عن كل المترشحين. وإن صدرت تهديدات بإدخال البلاد في حمامات دم، فهذا غير لائق. ولكن يجب أن نفرق بين الخطاب الرسمي للمترشحين وبين خطاب أنصارهم، وأي خطاب يهدد وحدتنا الوطنية ونسيجنا المجتمعي  هو خطاب مرفوض.

وماذا عن ظاهرة المال السياسي وشراء الذمم التي يرى البعض أنها متفشية في الحملة الانتخابية؟

هذا الأمر كذلك مرفوض سواء في الانتخابات التشريعية أو الرئاسية. هيئات الدولة يجب أن تكون يقظة وكذلك الإعلام.  وعلى عموم الناخبين أن يكونوا حريصين على معاقبة من يحاول شراء ذممهم ومن يستعمل هذه الوسائل. نحن مع المترشح الذي يقنع الناخبين بالبرامج لا المترشح الذي يعتمد  ملامسة الغرائز وجعل التونسي كمتسول سياسي لأن هذا الأمر استهانة بالشعب وإمعانا في إذلاله. في حين أن هذا الشعب  قال في ثورته:"إنه الشعب الذي يريد".

كيف ستكون خارطة تموقع النهضة في المرحلة المقبلة: في الحكومة أم في المعارضة؟

النهضة ستتموقع في خدمة البلاد. نتائج الانتخابات وضعتنا في موقع الرقيب. نحن لسنا الحزب الأول ولا الأهم بل الحزب الرقيب. أما  بخصوص الحكم أو تحالفاتنا المقبلة، فنحن ليس لدينا أي اعتراض على أي مكون من مكونات الساحة الوطنية. ولكن العلاقات والتحالفات تبنى على أساس الاشتراك في البرامج والرؤية. نحن نرى أن بلادنا  في المرحلة القادمة تحتاج إلى مواجهة التهديدات الخطيرة  المحدقة بها.  ولذلك فهي في حاجة إلى تحالف وطني سياسي ومدني واجتماعي واسع على أساس الأولويات الثلاث التالية: أولا مقاومة الإرهاب وبسط الأمن. وثانيا إجراء إصلاحات اقتصادية عميقة تفعل الإنتاج وتخلق الثروة وتحسن توزيعها. وثالثا حماية مكاسب الحريات والديمقراطية والعمل على مزيد ترسيخها في التشريعات وفي الممارسة.

إذن وعلى هذا الأساس، فنحن منفتحون على التشارك في الحكم. ولكن كذلك، نحن لا يضيمنا أن نكون في موقع المعارضة وسنكون معارضة قوية وفق تحالف سياسي وبرلماني واسع يشتغل على نفس البرنامج. لذلك، أريد أن أبين أن حركة النهضة مع المشاركة في الحكم وفق البرنامج الذي ذكرته لك آنفا ومع التموقع في المعارضة وفق نفس البرنامج.

لماذا تتحدث  حركة النهضة عن إمكانية تغول نداء تونس إن هو فاز كذلك في الرئاسية؟

لأن وضع البلاد مازال هشا في الديمقراطية. أيضا وللأسف، لأن الحزب الأول في الانتخابات التشريعية يثير بعض المخاوف حول مدى تشربه للثقافة الديمقراطية في قاعدته المجتمعية التي لم تترب على الديمقراطية وقد تقود البلاد من جديد إلى عقلية الاستبداد واسترداد المواقع القديمة وممارسة أساليب التشفي والانتقام. كذلك هناك دوائر مؤثرة بالهيئات القيادية لهذا الحزب ذات تاريخ ومنطلقات فكرية تدعو إلى الإنشغال حول مدى قربها من المثال الديمقراطي.

من ناحية أخرى، نجد أن  تقاليد الديمقراطية مازالت بصدد الترسخ في البلاد بعد مرور أربعة أعوام على الثورة، بحيث أن الاستفراد بمواقع التأثير الأساسية يهدد الحياة الديمقراطية. نحن  حققنا مكاسب ديمقراطية حقيقية لكننا لم نصل بعد إلى حالة المنعة  أو الحصانة الديمقراطية.

هل تخشى النهضة من المحاسبة في حال وصول السبسي إلى كرسي قرطاج؟

النهضة ليست لها خشية خاصة بها كحركة. وإنما لها خشية على الثورة ومكاسبها وعلى مآلات الانتقال الديمقراطي.

هل كانت نتائج الانتخابات التشريعية صادمة وغير متوقعة لحركة النهضة؟

حملتنا الانتخابية كانت تؤشر على فوزنا وحتى استطلاعات الرأي كانت تشير إلى أننا لوحدنا تقريبا.
نتيجة الانتخابات عندما تقارن بنتائج الأحزاب التي تتصدى لإدارة مراحل الانتقال الديمقراطي ما بعد الثورة، نعتبر أن نتيجتنا كانت مشرفة. إذ أن التطلعات الشعبية في مرحلة هذا الانتقال عالية السقف وصعبة التحقيق والجماهير ليس لديها الوقت لتحكم كما المثقفين على مسارات التاريخ وإنما تريد إنجازات حاضرة يصعب أن تتحقق بالإكراهات والاحتقانات الاجتماعية والفكرية التي تتفجر بعد سقوط رأس المنظومة السابقة.

في مراحل الانتقال نجد القوى السياسية الجديدة في مواجهة مع تطلعات شعبية عالية السقف ودولة عميقة ثخينة لديها قدرة كبيرة على المقاومة وتستعصي على التغيير. وأقصد بالدولة العميقة مجمل البناء الإداري والثقافة والعقلية ودوائر التأثير السياسية والاقتصادية والقضاء و الإعلام والثقافة.

كيف تتوقعون نتائج السباق الرئاسي؟

الأرجح سيكون هناك دورة ثانية ومرشحان يتنافسان على منصب الرئيس المقبل. وفي النهاية سيكون القول الفصل لصناديق الاقتراع.

وكيف ستتعامل النهضة مع هذه النتائج  في حال  أصبح  السبسي الرئيس؟

نحن مع من سيفوز. وإن تمت العملية الانتخابية بطريقة شفافة بقطع النظر عن المترشحين، فإننا سنتعامل مع نتائج هذه الانتخابات إن لم تشبها شائبة. ومن سيفوز في الرئاسية سنقدم له التهاني وسنتعامل معه كرئيس للجمهورية وسنحترم إرادة الناخبين. ونحن منفتحون على الحكومة والمعارضة.

وكيف تنظرون إلى ملف الإرهاب؟  وأية حلول ناجعة ترونها للقضاء على الظاهرة؟

هي قضية أساسية وظاهرة إقليمية.  لابد من اعتبار الظاهرة قضية وطنية لأنها ملف متشعب ويتطلب إرادة مشتركة ومقاربة شاملة من الناحية  الأمنية والتربوية والثقافية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية لأن التعويل على جانب واحد من هذه الجوانب لن يعيننا على محاصرة الإرهاب وتحييده ثم التخلص منه، فالمعالجة الأمنية وحدها تبقى غير كافية.

ما تقييمكم  للإجراءات التي اتخذتها حكومة مهدي جمعة لمقاومة الإرهاب والتي وصفت بالناجحة والحاسمة مقارنة بتعاطي حكومة الترويكا الذي وصف  بالفاشل والمتساهل مما أدى إلى تغلغل هذه الآفة؟

هي مواصلة على ما بنته حكومة الترويكا وما تحقق من مكاسب في الإصلاح الأمني. حكومة مهدي جمعة لم تقم بمقاربة جديدة للملف، بل هي قامت بتحسين التعاطي الأمني وهذا تم عبر تراكم المجهودات السابقة في الغرض. الجهود التي تبذلها المؤسسة الأمنية والعسكرية محمودة وتتطلب دعمها والوقوف وراءها من طرف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين ودعم عامة المواطنين وتكاتفهم.
الترويكا قامت بما يتوجب عليها فعله ومن جاء بعدها واصل العمل ومن سيأتي بعد حكومة جمعة سيواصل. هذا الملف يتطلب إرادة وزمنا والإرادة لم تكن تنقصنا في الترويكا.

هل تتوقعون حدوث عمليات إرهابية، لا قدر الله، لإرباك الانتخابات الرئاسية؟

من الممكن أن يغامر البعض باستهداف المسار الانتخابي. ولكن أنا على يقين أن التونسيين قد اختاروا طريقهم ولن تثنيهم أية محاولة لإرباك مسارهم الانتخابي.

وهل  ترون أن الأزمة الليبية  ستؤثر بطريقة مباشرة على الأمن القومي الوطني؟ وفي أية مسافة تقف حركة النهضة بالنسبة إلى الأطراف المتناحرة في هذا البلد؟

الخطر الإرهابي خطر حقيقي. ولكن تكاتف التونسيين ووقوفهم إلى جانب المؤسستين الأمنية والعسكرية وكذلك قبول نتائج الانتخابات هي الوصفة السحرية للتصدي لكل أنواع المخاطر بما فيها الإرهاب.

أما بخصوص الملف الليبي، فنحن مع الحوار بين الأشقاء الليبيين. ونأمل أن يتجنبوا السلاح لأن الوصفة السحرية لمرحلة ما بعد سقوط أنظمة الاستبداد هي اللجوء إلى قاعدة الحوار.  القرار الليبي هو قرار ليبي بحت. وكما نقبل نحن النصائح ونرفض التدخل في شؤونها، لا نقبل أن نملي خياراتنا على غيرنا.

تخشى عدة أوساط من  إمكانية استمرار الاستقطاب الثنائي بين النهضة ونداء تونس في المرحلة المقبلة وتأثيره على المشهد السياسي بالبلاد، فهل هذه المخاوف جدية في رأيكم؟

على كل المشهد السياسي والحزبي لم يتوضح بعد بالقدر الكافي.  فنحن مازلنا في شوط أول من الانتخابات التشريعية وما زال أمامنا نتائج الرئاسية. وبعد ذلك سيأتي وقت لقراءة المشهد السياسي المقبل  ولتستخلص كل القوى الفاعلة دروس ورسائل الانتخابات وتشكل على أساسها خارطة التحالفات والاصطفافات. ولذلك فمن السابق لأوانه أن نحكم بوجود استقطاب ثنائي في المرحلة المقبلة. أيضا مازالت ساحة الوسط قابلة لامتصاص صدمة الانتخابات التشريعية وإعادة التشكل وفق صيغ قد تكون  غير مألوفة من أجل الحفاظ على التوازن والتنوع داخل الساحة السياسية وتجنب الاستقطاب.

نختم بجديد بيت النهضة الداخلي، ما هي أهم الأسماء المرشحة لكتلة الحركة بالبرلمان؟ وأهم الاستعدادات للمؤتمر المقبل؟

نحن بصدد تحليل نتائج الانتخابات التشريعية وتحليل تأثيراتها على موقع الحركة ومستقبلها. وكذلك نحن بصدد التشاور مع أبناءها وضبط هياكل ورزنامة الحركة ومؤتمرها الذي من المنتظر أن ينعقد خلال الأشهر المقبلة. أيضا نحن بصدد ترتيب كتلتنا البرلمانية.

هل سيرأس على العريض هذه الكتلة؟

الكتلة هي من ستختار. وهي من ستقدم ثلاثة مرشحين للمكتب التنفيذي. وهذا الأخير  هو من سيختار واحد منهم، لأن الآلية المعتمدة بالكتلة أو بالمكتب التنفيذي هي التصويت واحترام قرار الأغلبية.